التورط الدولي والإقليمي في انقلاب 03 يوليو.. حدوده ومداه

- ‎فيتقارير

التورط الدولي والإٌقليمي في انقلاب 03 يوليو ضد الرئيس الشهيد محمد مرسي والمسار الديمقراطي الوليد لا يحتاج إلى دليل  أو برهان؛ فالسيسي نفسه اعترف بتواصله مع الأمريكان قبل شهور من الانقلاب، وقد صرح السيسي بنيته تلك لجون كيري وزير الخارجية الأمريكية خلال زيارته في مارس 2013م. كما كان الخط الساخن مع تشاك هيجل، وزير الدفاع يستمر لساعات طوال وقد أجرى عشرات الاتصالات به قبل الانقلاب بشهور، كذلك فقد التقى السيسي بالسفيرة الأمريكية آن باترسون قبل الانقلاب نحو 32 مرة. وقد كان التواطؤ الأمريكي فجا في تغطيته على الانقلاب إذ امتنتع البيت الأبيض عن وصفه بالانقلاب، بل اعتبر جون كيري 03 يوليو خطوة على مسار الديمقراطية! ثم تواصلت المساعدت الأمريكية للنظام العسكري في مصر كالمعتاد وكأن الجيش لم يقم بانقلاب على الديمقراطية الوليدة ولم يختطف الرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة ويزج به بتهم ملفقة في سجونه حتى مات شهيدا في منتصف 2019م.

وكان الدور الأوروبي مكملا ومساندا  للدور الأمريكي؛ فالذي وضع خطة الانقلاب هو برنارد ليون، الدبلوماسي الإسباني، باعتراف الدكتور محمد البرادعي الذي  أكد أنه وقع على الخطة التي وضعها برناردليون والتي تتضمن انتخابات رئاسية مبكرة وإقامة نظام جديد بمشاركة الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان لكن ما جرى كان غير ذلك. العجيب أن  برنارد ليون لم يكن في هذا الوقت يتولى منصبا رسميا في الإتحاد الأوروبي فلماذا جاء إلى القاهرة وما الجهة التي كانت توجهه؟ وما حدود الدور الذي قام به رغم عدم وجود مبادرة أوروبية رسمية في هذا الوقت؟ لاحقا في أعقاب نجاح الانقلاب تم مكافأة برنارد ليون وتعيينه في منصب حساس بالإتحاد الأوروبي، ثم مبعوثا أمميا في ليبيا واتضح لاحقه أن الإمارات هي من كانت تمسك بالحبال التي تسوقه وهي العلاقة التي افتضحت في منتصف 2015م. وكانت كل تحركات كاثرين آشتون مبعوثة الإتحاد الأوروبي تستهدف فقط الضغط على الرئيس وأنصاره من أجل التسليم بالانقلاب والدخول في العملية السياسية تحت وصاية الجيش من أجل منح الانقلاب الشرعية المفقودة، ولم تأت مطلقا باقتراح واحد يقوض تحركات الانقلابيين وتتصادم مع خطة الطريق التي اعلنوها.

وبمجرد الإعلان عن فوز الرئيس مرسي بالرئاسة في يونيو 2012م، وضعت إسرائيل كل مؤسساتها المخابراتية والعسكرية والأمنية والبحثية في حالة طوارئ؛ وسعى الموساد الإسرائيلي بحسب «كلايتون سويشر»، كبير المحققين في الجزيرة الإنجليزية؛ إلى الحصول على معلومات حساسة عن آلية صناعة القرار داخل النظام المصري الجديد، وجمع معلومات مفصلة حول مرسي وقيادات الإخوان والشخصيات المقربة من الرئيس وكذلك الأشحاص الذين تربطهم علاقة بمؤسسة الحكم الجديد. كما سعى للحصول على معلومات حول الخطوات والتحركات المحتملة من جانب الإخوان لتقويض وإضعاف الجيش والمحاكم والدولة العميقة في مصر. وخطوات الإخوان المحتملة لتحقيق إنجازات سريعة للفوز بإعجاب الرأي العام. وكان الانحياز المصري للمقاومة الفلسطينية في العدوان الإسرائيلي في نوفمبر 2012م له تأثير كبير على مخاوف الصهاينة؛ وقد اعترف دان مرغليت ــ كبير معلقي صحيفة "إسرائيل هيوم" الأربعاء 21 أغسطس 2013- أن إسرائيل خلال حكم مرسي كانت في مأزق كبير،  وأنها اضطرت للتعامل بحذر شديد من أجل عدم إغضاب مرسي؛ وكانت مجبرة على السير على أطراف أصابعها من أجل عدم إغضاب مرسي وإثاره عدائه لإسرائيل. وقد ألقت وزير الخارجية بحكومة الاحتلال وقتها تسيبي ليفني محاضرة في 17 نوفمبر 2012، نظمها "معهد الأمن القومي الإسرائيلي، هددت فيه نظام الرئيس مرسي وكل نظام عربي أو إسلامي يقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية وقالت نصا:"كل قائد ودولة في المنطقة، يجب أن يقرروا أن يكونوا جزءا من معسكر الإرهاب والتطرف، أو معسكر البراغماتية والاعتدال، وإذا قرر قائد دولة ما مسارا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا". وبخصوص الرئيس مرسي تحديدا شددت ليفني: "لدينا متطرفون أكثر في المنطقة، وقادة يريدون أن يختاروا مسارهم وطريقهم، لدينا في مصر مرسي الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، ويجب أن نتكاتف سويا، ونتحد ضد هؤلاء، الذين يعادوننا، وأن نفعل شيئا، فمسؤولية أي حكومة إسرائيلية هي العثور على طريقة علنية أو غير علنية، للسيطرة على التغيير الحادث في المنطقة، والتأثير في تشكيل مستقبلها". وهو التهديد الذي تحقق لاحقا على يد السيسي وجنرالات الجيش الذين ثبت أنهم أكثر ولاء لإسرائيل من ولائهم للمصريين؛ أو كما قيل بعد تنازل السيسي عن "تيران وصنافير"، بأن مصرية الجزيرتين مؤكد، لكن المشكوك فيه هو مصرية من تنازل عنهما. وقد اعترف نتنياهو أن  حكومة الاحتلال وضعت إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي كأولوية قصوى على رأس أجندة الحكومة الإسرائيلية، يقول نتنياهو في مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي: «لقد حاولنا مرارا أن نتواصل مع السلطة الحاكمة في مصر عام 2012، ولكننا فوجئنا أن هذه السلطة ترانا كأعداء لها، وأن (إسرائيل) احتل بلد عربي شقيق؛ ولذلك كان لا بد لنا من التخلص من هذه السلطة التي لا تريد سلاما، خصوصا بعدما أعلنه الرئيس مرسي وأوضح لنا نيته في أنه يريد أن يتخلص من دولة (إسرائيل)».

وفقا لصحيفة "هآرتس" فقد وعدت الحكومة الإسرائيلية السيسي بتواصل الدعم الأمريكي حال الإطاحة بمرسي. وذكرت القناة العاشرة العبرية أن رئيس الموساد لعب ورا بارزا في الإعداد للانقلاب وقضى الكثير من الوقت في إحدى العواصم الخليجية لهذا الغرض. وهو ما يؤكد تواصل السيسي مع الصهاينة في مرحلة التخطيط للانقلاب وأن تل أبيب شجعته وحرضته وطمأنته بخصوص الموقف الأمريكي. كما يبرهن ذلك على أن الإعداد للانقلاب كان إقليميا وبترتيب وتآمر إسرائيلي خليجي، وعلى الأرجح فإن العاصمة التي احتضنت مرحلة التخطيط والإشراف على مراحل الانقلاب وربط الخيوط والجهات المشاركة فيه هي "أبو ظبي". التي تعتبر أهم الدول التي دعمت الانقلاب وساندته حتى اليوم. كما اعترف الجنرال في الجيش الإسرائيلي آرييه إلداد في مقاله بصحيفة "معاريف" في إبريل 2019م، أن "إسرائيل سارعت إلى تفعيل أدواتها الدبلوماسية، وربما وسائل أكبر من ذلك، من أجل إيصال عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر، وإقناع الإدارة الأمريكية آنذاك برئاسة الرئيس باراك أوباما بعدم معارضة هذه الخطوة".  عبارة "وربما وسائل أكبر من ذلك" تعني أن الدور الإسرائيلي كان مركزيا للغاية ولم يتوقف عند الأدوات الدبلوماسية فقط.

الخلاصة أن أمريكا منحت حلفائها الإقليميين ورجالها داخل الجيش المصري الضوء الأخضر للانقلاب، وتكفلت إسرائيل والإمارات بالتخطيط، ومول الخليجيون المؤامرة بسخاء بالغ، وشارك في التنفيذ أركان الدولة العميقة (الجيش ـ المخابرات ــ الشرطة ـ القضاء ــ الإعلام)، وكان دور العلمانيين هو القيام بدور الغطاء المدني، وتكفلت الكنيسة بضخ الحشود عبر سلاسل إمداد من كل الكنائيس حملت رعايا الكنيسة إلى ميدان التحرير؛ ولعل هذا هو السبب في اختيار يوم الأحد موعدا للحشد. وتكفل الأزهر وحزب النور بالقيام بدور الغطاء الديني للانقلاب وإضفاء مسحة دينية على الجريمة.