أكدت ورقة بحثية أن نحو 1000 شركة وهيئة اقتصادية مملوكة الدولة أو تشترك في ملكيتها باتت هدفا للخصخصة خلال السنوات الأربع المقبلة، وأن مُلاك تلك الثروة، الشعب، لن يُسمح لهم بإبداء الرأي في مصيرها عبر أي حراك، ولن يمكنهم وقف تنفيذ قرار التصرف في ممتلكاتهم".
واستندت الورقة التي نشرها موقع (The Tahrir Institute for Middle East Policy) إلى تقرير صندوق النقد الدولي الذي سبق الإشارة له ، تمتلك الدولة أكثر من 300 شركة، من ضمنها شركات تندرج تحت قطاع الأعمال العام والقطاع العام وشركات مملوكة للقوات المسلحة، بالإضافة إلى ما يقرب من 645 شركة أو مشروع مشترك مع القطاع الخاص و53 هيئة اقتصادية، يمثل كلا منها هدفا محتملا للخصخصة خلال السنوات الأربعة القادمة على الأقل.
وأضاف محرر الورقة أنه "بغض النظر عن مدى وجاهة الأسباب وراء قرار الخصخصة أو عدالة السعر أو تأثير القرار على السوق، فمن المؤكد أن ملاك تلك الثروة، الشعب، لن يسمح لهم بإبداء الرأي في مصيرها عبر أي حراك، ولن يمكنهم وقف تنفيذ قرار التصرف في ممتلكاتهم".
تزوير واقع
وعن الفارق بين الواقع وما يبدو، قالت الورقة إنه "سيبدو بعدها أن الاقتصاد قد صار أكثر حرية، تبعا لمعايير صندوق النقد الدولي، ولكن بعدما تم تقليم أظافر المجتمع، وسلب حقه في الرقابة على ممتلكاته".
وأبانت أن "هذه المرحلة الجديدة من الخصخصة تأتي في سياق مجال عام مُغلق ومقيد، يحاول المجتمع المدني بطبيعة الحال مواجهة قانون الطعن على عقود الدولة، الذي يبدو فريدا في سلطويته بما يشمله من نزع حق المجتمع في الرقابة على مصير ممتلكاته، وتقييد حق التقاضي، فطالب أمام المحكمة الإدارية ، وهي المحكمة المختصة بالنظر في الطعون على القرارات الحكومية بإحالة القانون للمحكمة الدستورية".
وأشارت إلى أنه "وبالفعل قضت إحدى دوائر هذه المحكمة بإحالة القانون للمحكمة الدستورية العليا، للنظر في مدى توافقه مع الدستور من عدمه، بناء على تقرير من هيئة مفوضي الدولة ، وهو قطاع تابع للمحكمة الإدارية يضم خبراء يقدمون الرأي الفني لهيئة المحكمة ، يشكك في دستورية مواد في القانون".
موجة خصخصة
وتحت عنوان "موجة جديدة من الخصخصة في مصر، اقتصاد حر ومجتمع مكتوف اليدين" أشارت بيسان كساب إلى أن برنامج صندوق النقد الجديد الذي أعلنت عنه حكومة السيسي في أواخر أكتوبر الماضي فهو الرابع من نوعه منذ عام 2016 حمل بعض العبارات التقليدية في مثل هذه المناسبات، والتي تعني الكثير لمتابعي برامج صندوق النقد عموما، وبرامجه في مصر خصوصا، مثل؛ تنفيذ أجندة الإصلاح الهيكلي الشامل للسلطات سيعزز تدريجيا القدرة التنافسية للاقتصاد ، ويقلل من دور الدولة في الاقتصاد، وتكافؤ الفرص للقطاع الخاص.
وكشفت أن العبارات تشير "لتدشين مرحلة جديدة من الخصخصة في مصر، مدعومة مجددا من صندوق النقد، وهي مرحلة تبدو استثنائية بما تشمله من الإعلان لأول مرة عن خروج الدولة من قطاعات كاملة والإعلان عن العائدات المستهدفة من البرنامج بشكل مسبق".
وأكدت أن الأهم، هو السياق الذي يتم فيه تنفيذ هذا البرنامج، والتي تجعل منه نموذجا لغياب الشفافية و لتقييد حق المجتمع في مراقبة مصير ممتلكاته، على نحو يبدو معه الاقتصاد حرا، ولكن المجتمع مكتوف اليدين.
طرح وبيع
وعن هذه الثانئية اعتبرت الورقة أن بداية طرح هذه الموجة كان من قبل السيسي في إبريل الماضي في حفل “إفطار الأسرة المصرية” في شهر رمضان، الذي كلف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة يستهدف عشر مليارات دولار سنويا ولمدة أربعة سنوات".
وأوضحت أنه "يبدو الإعلان مسبقا عن حجم ما تستهدفه الحكومة من “طرح” وهو اللفظ الذي تفضل الحكومة دوما استخدامه بديلا عن “خصخصة” أو “بيع” الأصول الحكومية أمرا ملفتا للنظر، بما يثيره من تساؤلات حول ما إن كان هذا التقدير يستند لاحتياجات مصر من النقد الأجنبي أم على القيمة العادلة لهذه الأصول".
تحول جوهري
ورأت الورقة أن "هذا التحول الجوهري يعود لنوفمبر 2021، حين أصدرت حكومة الانقلاب بيانا استعرض ما قالت إنها "نتائج دراسة مهمة أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ، وهو مركز للدراسات تابع لمجلس الوزراء، حول الخطوات والإجراءات التي من شأنها تعزيز توجه الدولة نحو دعم ومساندة القطاع الخاص".
كان أهم ما تضمنه البيان حول نتائج الدراسة التي لم يطلع عليها الرأي العام حتى الآن ، هو الاتجاه لـتحديد القطاعات الرئيسية التي ستستمر بها الدولة، والقطاعات التي ستخرج منها، والقطاعات التي سيتم الخروج التدريجي منها، إلى جانب إعادة إصلاح القطاع العام من خلال الإبقاء على الشركات الكبرى في القطاعات الاستراتيجية والأكثر أولوية، والتخلي عن الشركات في القطاعات الأقل أولوية".
يعتبر هذا الإعلان تغيرا جوهريا في تاريخ الخصخصة في مصر، والذي يعود لمطلع التسعينيات، فللمرة الأولى يصبح المنطق وراء الخصخصة هو تخلي الدولة عن قطاعات بكاملها تقريبا، واختيار قطاعات بعينها فقط لمواصلة الاستثمار فيها.
نسب التخارج
واستعرت الورقة نسب التخارج التي أعلنت في منتصف يونيو الماضي، ومسودة وثيقة ملكية الدولة التي تزال مطروحة للتعديل بناء على مشاورات جرت مع ممثلين للقطاع الخاص فقط دونا عن أي أطراف أخرى، مضيفة أن الوثيقة كشفت عن نية الدولة الخروج من قطاع الصناعات التحويلية خلال ثلاث سنوات بالنسب التالية، قطاعات الغزل والنسيج بنسبة 90%، والطباعة والتغليف بنسبة 78%، والصناعات الهندسية بنسبة 77%، والصناعات الكيماوية بنسبة 75%، والصناعات الغذائية والمشروبات بنسبة 73%، والصناعات الدوائية بنسبة 50%، والصناعات المعدنية بنسبة 40%.
قطاعات كثيفة العمال
وأوضحت الورقة أن هذه الصناعات التي ستبيعها حكومة السيسي قطاعات كثيفة العمالة، مثل قطاع الغزل والنسيج، كأعلى شركات قطاع الأعمال العام من حيث عدد العمالة، والذي يتجاوز 49 ألف عامل طبقا لأحدث البيانات المتاحة، وكذلك الحال بالنسبة لقطاع الصناعات الكيماوية والورق والتغليف اللذان يضمان أكثر من 26 ألف عامل.
وأكدت الورقة أن حكومة السيسي "لم تر ضرورة لمناقشة مدي تأثير الخروج من تلك القطاعات على مستقبل العمالة فيها بعد الخصخصة".
غياب الرقابة
وكشفت الورقة أن هذه المرحلة الجديدة من الخصخصة ترتبط بغياب أدنى معايير الشفافية والمحاسبة. فالجانب المسكوت عنه في أي جدل حول هذه المرحلة هو كونها تجري في ظل غياب الرقابة القضائية على الصفقات مع القطاع الخاص من ناحية، وتقييد قدرة الجهات الرقابية، وعلى رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات، على مراقبة عدالة تلك الصفقات من ناحية أخرى، تأتي هذه الموجة الجديدة من الخصخصة بعد إقرار تشريعين قيدا الرقابة القضائية ورقابة الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد على أي صفقة مزمعة بين الحكومة والقطاع الخاص".
وعن دور المحكمة الدستورية التي باتت شبه ميتة، قالت الورقة "لايزال مصير النزاع حول ممتلكات الشعب تلك معلقا في انتظار قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن دستورية القانون، وهي نفسها المحكمة التي كان عدلي منصور رئيسا لها قبل أن يصل لمنصب الرئاسة بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، ولكن اقترب البت في دستورية القانون نهائيا بعدما قررت المحكمة إعلان حكمها في منتصف يناير المقبل، وفي حال رفض الدعوى، فسيعني ذلك أن مصير كل عقود الخصخصة القائمة قد أصبح بعيدا عن أي رقابة قضائية".
وألمحت الورقة إلى دور السيسي في إبطال مفعول الرقابة القضائية ، حيث أصدرا قرارا في يوليو 2015 بإصدار قرار بقانون لتحديد معايير إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، يقوض هذا القرار بقانون استقلال الأجهزة الرقابية، وعلى رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو أحد الأجهزة الرقابية المستقلة وفقا للدستور.
وأوضحت أنه تم تطبيق هذا القرار بقانون فعليا بعد أقل من عام، وبالتحديد في مارس 2016، بإقالة هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو ما جاء بعد يوم واحد من إعلان نيابة أمن الدولة العليا استدعاء جنينة للتحقيق معه في واقعة تصريحاته بشأن تكلفة الفساد في مصر 2015.
