الحرب الروسية على أوكرانيا بدأت تداعياتها السلبية تنعكس على الأوضاع السياسية داخل روسيا، حيث أصبح كل معارض لهذه الحرب يوصف بأنه عميل أجنبي، ويعتقل ويسجن وتلفق له الاتهامات مثل العداء للدولة والإرهاب .
النظام الحاكم في روسيا بقيادة فلاديمير بوتين لم يرحم حتى المؤيدين له، ففي تطور غير مسبوق داخل الدائرة الرقمية المؤيدة للكرملين، بدأ النظام الروسي يوجّه سهام القمع إلى أبرز الأصوات التي طالما رفعت راية دعمه في الحرب على أوكرانيا، فبعد سنوات من اعتماد السلطات على مدوني Z كأدوات لترويج الرواية الرسمية وكسب التأييد الشعبي، بات هؤلاء الآن تحت نيران الدولة نفسها، في مشهد يعكس تغيرا جذريا في حدود المسموح به داخل روسيا، حتى بالنسبة لأشد الموالين حماسة .
رومان أليخين
من بين هؤلاء رومان أليخين الذي أدار قناة تيليجرام شديدة التأييد للحرب، وقدم المشورة لحاكم روسيا، ونال تكريمات عسكرية عن مشاركته في القتال بأوكرانيا، وكان يمثل نموذجا لمدوني Z، وهم مراسلو الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتميزون بولائهم الشديد للأيديولوجية الداعمة لغزو فلاديمير بوتن لأوكرانيا، ثم وجد روسيا نفسها تصنفه فجأة كعميل أجنبي.
أثار هذا السقوط الدرامي لأليخين مخاوف واسعة داخل مجتمع الإنترنت الذي سمح له على مدار نحو أربع سنوات بتوجيه انتقادات محدودة لطريقة إدارة الحرب، ويعد انهيار وضعه إشارة واضحة إلى أنه حتى المؤيدين للحرب لم يعودوا بمنأى عن آلة القمع الروسية.
واتهم أليخين بإساءة استخدام الأموال التي جمعها لصالح القوات الروسية، بعد ظهوره بسيارة رياضية وساعة فاخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه ليس الأول، فقد بدأ النظام الروسي يهاجم حتى مؤيديه المقربين، ما يشير إلى أن آلة القمع باتت تلتهم نفسها.
ففي الوقت الذي سجن فيه آلاف الناشطين المناهضين للحرب، بدا أن مجموعة متنامية من المدونين العسكريين المتشددين حظيت بالمكانة والتقدير والمال.
ومع ذلك، حذر الخبراء من أن تسامح الكرملين مع هؤلاء المدونين لن يدوم طويلا، ويبدو أن هذا التحول يحدث الآن بالفعل .
صمام أمان
وقال كير جايلز، كبير محللي الشؤون الروسية في تشاتام هاوس: إنه "تفاجأ من أن النظام لم يتحرك ضدهم في وقت سابق".
وأوضح أن هذا النوع من المعارضة لو كان موجها ضد النظام السياسي بدلا من الجيش، لكان قد استهدف منذ زمن، لكنه اعتبر لفترة بمثابة صمام أمان يسمح للنقاد بالتنفيس دون المساس بالسياسات العامة للدولة
وأضاف : الآن تم إغلاق هذا المنفذ بالكامل .
سيرجي ماركوف
في أغسطس الماضي تم إدراج سيرجي ماركوف، أحد أبرز المعلقين المؤيدين للكرملين، كعميل أجنبي، وهي تسمية تحمل إرثا من الحقبة الستالينية، وكانت مخصصة سابقا لأعداء الدولة، لكن النظام بات يستخدمها اليوم ضد أي صوت مزعج.
ويعتقد محللون أن معاقبة ماركوف مرتبطة بدعمه العلني لأذربيجان رغم تدهور علاقاتها مع موسكو، وهو سقوط كبير لشخص كان يوما ما من أكثر المدافعين موثوقية عن نهج بوتن
ووصف ماركوف القرار بأنه هجوم مدبر من مسئولين فاسدين وأعداء روسيا مؤكدا ولاءه للوطن الأم.
تاتيانا مونتيان
وفي أكتوبر الماضي، وجدت تاتيانا مونتيان، المحامية الأوكرانية السابقة التي أصبحت داعية روسية مؤيدة للحرب، اسمها مدرجا في قائمة الإرهابيين والمتطرفين؛ بسبب مزاعم باختلاس أموال مخصصة للجبهة.
وفي الأسبوع نفسه، اعتقلت شرطة مكافحة التطرف أوكسانا كوبيليف، مؤسسة قناة تيليجرام مؤيدة للحرب، بعد انتقادها أبتي علاء الدينوف، قائد القوات الخاصة الشيشانية أخمات، حيث وجهت إليها تهمة تشويه سمعة الجيش وينكر هؤلاء جميعا أي ارتكاب لمخالفات.
الحقبة الستالينية
وحذر فلاديمير كارا مورزا، المعارض الروسي البريطاني الذي حكم عليه بالسجن 25 عاما قبل أن يفرج عنه في صفقة تبادل أسرى عام 2024، من أنه بمجرد أن تبدأ آلة القمع العمل، فإنها لا تتوقف .
واعتبر أن ما يحدث الآن يحاكي مسار الحقبة الستالينية، عندما بدأ النظام بملاحقة خصومه ثم انتقل إلى استهداف مؤيديه.
أعداء للدولة
وكشف الدكتور مارتن لاريش الباحث بمعهد العلاقات الدولية في براج أن المجتمع المؤيد للحرب على الإنترنت منقسم إلى فصيلين دعاة مخلصون للكرملين، ومدونو Z الأكثر انتقادا، وقال لاريش : "مع اشتداد التنافس بينهما، بدأ كل طرف يسعى لتشويه سمعة الآخر ولحماية مصالحه التجارية والإعلامية".
وأوضح أن تصاعد التعصب لدى الكرملين وحلفائه يشير إلى تضييق مساحة النقد، بالتزامن مع تدهور الأوضاع في الخطوط الأمامية وارتفاع معدلات الانشقاق العسكرية.
ويمثل فلاديمير سولوفيوف، الإعلامي القوي في التليفزيون الروسي الرسمي، الزعيم الفعلي للفريق الموالي للكرملين، وسبق له وصف المدونين المنتقدين بأنهم أعداء للدولة يستحقون السجن .
في المقابل، يدافع المدونون النقديون عن الجنود في الجبهات، الذين يشتكون من نقص التدريب والقرارات العسكرية الخاطئة.
قانون العملاء الأجانب
ومع الوقت، أخذ قانون العملاء الأجانب يتوسع ليشمل أي شخص دون استثناء، وتوضح تاتيانا ستانوفايا، باحثة في مركز كارنيجي روسيا أوراسيا، أن القانون لم يعد محصورا بالمنظمات التي تعمل ضد مصالح الدولة، بل أصبح قابلا للتطبيق على أي فرد.
وأشارت إلى أن هذه الصفة ترافق عقوبات فورية ووصمة اجتماعية، تشمل الحظر من الوظائف العامة ومنع تنظيم فعاليات أو جمع تبرعات، وإلزام كل منشورات الشخص بوضع عبارة عميل أجنبي.
