كيف ارتفع سعر طن الأرز  عشرة آلاف جنيه مرة واحدة خلال شهر واحد؟!

- ‎فيتقارير

ارتفاع الأرز عشرة آلاف جنيه مرة واحدة خلال شهر مارس الجاري (23م)، ليرتفع من 15ألف جنيه للطن في فبراير “23” إلى 25 ألفا جنيه يعتبر أكبر دليل على فشل منظومة الحكم العسكري في مصر. ويؤكد على فشل جميع قرارات سلطات الانقلاب في مواجهة مافيا الاحتكار التي تفشت في مصر تفشي السرطان في الجسد العليل.

السبب الرئيس وراء ارتفاع سعر  الأرز هو نقص المعروض في الأسواق، ما تسبب في توقف عمل الكثير من المضارب خلال الأسابيع الأخيرة، بحسب تصريحات عضو شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، مُصطفى السلطيسي. لكن هذا يطرح تساؤلات منطقية وكاشفة: إذا كيف ينقص المعروض ومصر على الدوام خلال العقود الماضية كانت تحقق اكتفاء ذاتيا من الأرز؟!

وحسب وكيل معهد المحاصيل بوزارة الزراعة، الدكتور مجاهد عمار، فإن أزمة الأر  ليست مرتبطة بإنتاجه لأن مصر تنتج سنويا نحو 5 ملايين طن شعير، يتم استخراج نحو 3.5 ملايين طن أرز أبيض منها بعد التبييض، وهي الكمية التي تغطي جميع استهلاك السكان واحتياجات البلد. ويعزو وكيل معهد المحاصيل الزراعية الأزمة إلى وجود ممارسات احتكارية يستهدف بها المحتكرون تحقيق أعلى الأرباح على حساب المواطنين. لكن مجاهد عمار يتجاهل دور الحكومة في الأزمة من ناحيتين: الأولى عدم قدرتها على مواجهة هذه الممارسات الاحتكارية. الثانية، عدم تقييم سعر توريد الأرز بشكل جيد يغطي تكاليف زراعته ويحقق ربحا معقولا للفلاحين. فقد كان سعر طن الأرز في موسم حصاد 2021 ينحو “3500 جنيها وهو ما تسبب في خسائر كبيرة للفلاحين لأن السعر لم يغط تكاليف الإنتاج.

ويصل عدد المضارب في القطاع الخاص بمصر إلى 352 مضربًا للأرز 50% متعاقد مع الحكومة على توريد الأرز الذي يتميز بوجود العديد من الدرجات، أولها الشعبي الذي تكون نسبة الكسر فيه 10% والتمويني بنسبة كسر 12%، كما توجد درجات أعلى تتداول في السوق مثل الأرز العادي بنسبة كسر 7% في المحال التقليدية، والأرز “السياحي” بنسبة كسر 5% وأرز “التصدير أو الفاخر” بنسبة كسر 3%.

 

الحكومة سبب المشكلة

في فبراير الماضي”23م”، ألغى مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب قرار التسعير الإجباري للأرز بعد خمسة أشهر من تطبيقه، وعللت الحكومة ذلك بأن القرار «لم يؤت القرار ثماره» حسب وصف مساعد وزير التموين، إبراهيم عشماوي، في تصريحات تليفزيونية في 18 فبراير23م.  وكان مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب قد أصدرت قرارا في سبتمبر 22م، بتحديد سعر الأرز السائب بما لا يتجاوز 12 جنيهًا للكيلو، والمعبأ بـ15 جنيهًا، قبل أن يعود بعد شهرين ويرفع سعر المعبأ إلى 18 جنيهًا بقرار رسمي آخر.

وتعود أزمة الأرز إلى نحو عامين ماضيين، حين حددت وزارة التموين في بداية موسم 2021 سعرًا استرشاديًا للأرز بلغ ثلاثة آلاف و700جنيه للطن، وهو ما رفضه المزارعون، مطالبين بزيادته إلى أربعة آلاف جنيه للطن. وبينما اشترت مضارب اﻷرز (الخاصة وقطاع اﻷعمال) من الفلاحين كميات بأسعار تراوحت ما بين أربعة آلاف و500 جنيه للطن، رفضت الحكومة شراء اﻷرز من المضارب بأزيد من سعرها الاسترشادي. ومع إصرار الوزارة على عدم رفع سعر اﻷرز في حينه، دعا وزير التموين، على المصيلحي، في أكتوبر 2021، العاملين في مضارب الأرز، لوقف المزايدة على سعر الأرز، لأن الحكومة لن تسمح بتصديره. وأكد في الوقت نفسه على وجود وفرة في المخزون تكفي حتى ثلاثة أشهر، مضيفًا: «وبالتالي اللي عايز يقعد رزُه عنده، يخليه عنده ويتصور جنبه».

ولم يذعن الفلاحون لتهديدات الحكومة مفضلين استخدامه كعلف؛ وبالتالي استمرت الموسم الماضي أيضًا (2022)، ورفض الفلاحون تسليم الأرز لمضارب «التموين» رغم رفع الحكومة لسعر التوريد، ما دفع وزارة التموين لإصدار قرار يلزم المزارعين، للمرة الأولى، بتسليمها طن أرز عن كل فدان (حوالي 25% من إنتاج الفدان)، مع توقيع عقوبات على الممتنعين عن التسليم.  ورغم التهديدات السابقة، لم تجمع الحكومة سوى 400 ألف طن من أصل مليون ونصف طن كانت تستهدفهم، ما رفع أسعار الأرز في الأسواق بشكل غير مسبوق. وأمام سعر التوريد المنخفض من جانب الحكومة والذي لا يغطي تكاليف الإنتاج، والتهديد بالحبس أو الغرامة فضل الفلاحون استخدام الأرز كعلف حيواني بدلا من الذرة الصفراء وفول الصويا مع ارتفاع سعر العلف إلى مستويات مجنونة، حيث تجاوز سعر الذرة الصفراء 19 ألف جنيه، فيما وصل الصويا إلى 36 ألف جنيه للطن. بينما يعزو آخرون أسباب ارتفاع سعر الأرز إلى زيادة الطلب من جانب التجار والمواطنين استعدادا لشهر رمضان المعظم.

 أساس المشكلة أن الحكومة لم تتعامل بشيء من المسئولية مع الفلاحين؛ ففي الوقت الذي تراجعت فيه قيمة الجنيه أمام الدولار بنحو 97%  وانخفضت قيمته بنحو 50% فإن الحكومة  في أغسطس 2022م أصدرت مجموعة قرارات متتالية بهدف «السيطرة على أسعار محصول الأرز ومنع احتكاره» لكنها فشلت ولم يتم توريد سوى ربع الكمية فقط. وهددت الحكومة الفلاحين بالحبس والغرامة حال تخزين المحصول دفعهم إلى التخلص من مخزونهم من الأرز إما من خلال تحويله لخامة علفية، أو بيعه بسعر رخيص للتجار الذين بدأوا في تخزينه.

وفي بداية موسم التوريد (سبتمبر 2022) حددت الحكومة للفلاحين توريدًا إجباريًا للمحصول بواقع طن على كل فدان بقيمة 6850 جنيهًا، ومتوسط إنتاجية الفدان ما بين 3.5 و4 أطنان في المتوسط، وعادت ورفعت سعر التوريد ليصبح 9 و10 آلاف جنيه لتشجيع المزارعين الذين أبدوا عدم رضا، خاصة بعد ارتفاع تكاليف الإنتاج لكن الأسعار الجديدة لم تحقق المستهدف من التوريد حتى الآن في ظل تقديم المنافسين لها سعرا أعلى. وفيما استهدفت الحكومة جمع مليون ونصف مليون طن، حددت سعر التوريد الإلزامي ستة آلاف و850 جنيهًا للطن الذي اعتبره الفلاحون سعرًا منخفضًا، ما أدى لقلة الأرز المورَّد لـ«التموين» الذي لم يتجاوز 400 ألف طن بما لا يتجاوز 26% من المستهدف.

 

تعزيز مافيا الاستيراد

وقد يكون السبب هو  إفساح الطريق أمام مافيا الاستيراد أيضا، فارتفاع سعر الأرز البلدي ليباع بنحو 30 جنيها للكيلو  يفسح ولا شك الطريق أمام مافيا الاستيراد بدعوى توفير الكميات المطلوبة للسوق العطشان بفعل الاحتكار، وإن كان ذلك سوف يحقق أرباحا خيالية لمافيا الاستيراد أيضا. فوزارة التموين بحكومة الانقلاب تنتظر وصول شحنة أرز هندي مستوردة بإجمالي 50 ألف طن، تعاقدت عليها قبل نحو شهر تقريبًا، بهدف خفض أسعار الأرز في الأسواق، وبالفعل بعد الإعلان عن المناقصة انخفضت أسعاره بنحو ألف جنيه في الطن، قبل أن تعود للارتفاع من جديد لمستويات غير مسبوقة، فيما ترى مصادر بقطاع الأرز، أن هذه الكمية لن تكون كافية لضبط السوق وتلبية احتياجاته الكاملة، إذ تبلغ الاحتياجات الشهرية 300 ألف طن وبالتالي لن تؤثر كثيرًا على الأسعار.

وأوضح مصطفى السلطيسى، عضو شعبة الأرز باتحاد الصناعات، في تصريحات إعلامية في فبراير 2023م أن هناك تحركات من المستثمرين لإبرام صفقات من الأرز الهندى، مشيرًا إلى متوسط الأسعار عالميًا يبلغ 470 دولارا للطن، أى أن متوسط سعر الطن سيصل للموانئ المصرية عند متوسط 15 ألف جنيه، وأضاف أن سعر البيع من المفترض أن يتجاوز 18 ألف جنيه للطن، أى يصل للمستهلك بحوالى 18 جنيها للكيلو، مقارنة بمتوسط سعر 21 إلى 24 جنيها للكيلو للمحلى. لكن سعر الأرز البلدي ارتفع بمقدار عشرة آلاف جنيه للطن  بما يسمح لمافيا الاستيراد والاحتكار بتحقيق أرباح خيالية على حساب ملايين الفقراء.

 

مافيا الاحتكار

ورغم تعدد مصنعي الأرز الأبيض لكن توجد 8 شركات ومضارب لها الانتشار الأعرض في السوق، في فئة العبوات الكبيرة  (25 و50 كيلو) وأصحابها تجار غير مشهورين، وفي سوق العبوات الصغيرة، توجد شركات متعددة لكن الأكثر شهرة هي “الضحى” التي تعمل في السوق منذ 1980 خاصة تعبئة المنتجات الجافة، بجانب  Wakalex  التي تعمل في الأرز منذ أكثر من 45 عامًا، وتصدر أكثر من  150 ألف طن متري سنويًا، ويملكها أحمد الوكيل، رئيس الغرفة التجارية في الإسكندرية والمعروف بـ”شهبندر تجار مصر”. وهناك أيضا شركة الزمردة للصناعات الغذائية منتجة أرز “الساعة” و”الوكالة” و”القبطان”، وهي الشركات التي توقفت عن طرح الأرز حين قررت الحكومة فرض تسعيرة جبرية على الأسواق.

الإشكالية في الأرز أيضًا أن الصانع ممثلاً في المضرب والتاجر ممثلاً في مضرب واحد في كثير من الأحيان، وهدفهما المشترك هو الربح في المقام الأول، بجانب تعدد حلقات التداول التي تخلق محتكرين في كل مرحلة، علاوة على سهولة تخزين المحصول في أي مكان وصعوبة رصده حتى أن بعض التجار اعتادوا على التخزين في الأدوار السفلية بالمنازل “البدرومات”، وزرائب مواشي وسط الزراعات، وحتى في شقق أرضية بالمنازل العادية.