من ربح ومن خسر؟ .. فوز أردوغان جدد آمال الربيع العربي وأنهى الانقلابات ودفن العلمانية

- ‎فيعربي ودولي

 

لم تكن الحفاوة التي استقبل بها العرب والمسلمون فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئاسة تركيا مجددا ليبدأ معها تنفيذ مشروعه “قرن تركيا” لاستعادة هويتها الإسلامية المفقودة كليا، عفوية أو مصادفة لأن الجميع رأى في التجربة التركية أملا في بقاء حصن داعم للإسلام والديمقراطية ومستقل ومتحرر الإرادة، كما كان دعاة الربيع العربي يأملون في بلدانهم قبل أن يسطو على ربيعهم العسكر ويحولونه شتاء دمويا.

مؤيدو الربيع العربي اعتبروا أن تركيا أضاءت “شعلة أمل” لشعوب المنطقة، بأن التغيير ممكن، وأن الانكسار ليس قدرا، وأن النهضة واجبة، والإرادة والعزيمة أساس.

احتفاء الشعوب وفرحها على امتداد العالم العربي كان عنوانا للشوق للديمقراطية، وتجديدا لأمل الوصول لحكم عادل لشعوبهم بعيدا عن الاستبداد الحالي الذي طال، كما قال العديد من المفكرين العرب.

من الطبيعي والحال هكذا أن يكون أكثر الرابحين من فوز أردوغان هو بجانب شعب تركيا، محبي وأنصار الربيع العربي الذين يرغبون في أي يروا نموذجا كان سيتحقق في مصر مع فوز الرئيس الشهيد محمد مرسي مثل أردوغان بـ 52% لولا انقلاب عبد الفتاح السيسي وجنرالاته بحثا عن السلطة والبيزنس.

وأن يكون أكثر الخاسرين هم دعاة الثورة المضادة في مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل والغرب وغيرهم الذين نصبوا خيام العزاء ووصفوا أردوغان بأنه ديكتاتور، مع أنه لم يفز من الجولة الأولى وفاز في الثانية بـ 52% لا 98% كما يفعل السيسي والطغاة العرب.

تزامن الانتخابات أيضا مع ذكرى أول انقلاب وفتح القسطنطينية، كان بشرى بشر بها أردوغان شعبه لـ “رؤية قرن تركيا” أو “مئوية تركيا”، وهي رؤية أعلنها في أكتوبر 2022، وتتضمن برامج وأهداف الجمهورية الثانية له.

هذه الأهداف هي دستور جديد بدل الدستور المرقع العلماني الحالي الذي وضعه العسكر عقب انقلابهم في التسعينات، بحيث يكون الجديد نتاج الإرادة الوطنية، وجعل بلادنا واحدة من أكبر عشر دول في العالم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية.

الربيع العربي

جدد فوز الرئيس أردوغان الأمل في قلوب الملايين في المنطقة العربية والإسلامية وفي العالم، الذين قمعت أنظمة الثورة المضادة أحلامهم في ربيع ديمقراطي.

لم تكن حالة الاهتمام غير العادي في كافة البلدان العربية بهذه الانتخابات وما تبعها من احتفالات في غالبية الدول، بما فيها القدس والمسجد الأقصى، سوى مؤشر على تجدد الأمل لدى الجميع الطامحين في الحرية والديمقراطية.

لذا اعتبر مراقبون أن الرابحين في الخارج من فوز أردوغان، هم شعوب دول الربيع العربي، في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن، الذين حفظ وأبقى لهم أردوغان الأمل في التخلص من أنظمة الثورة المضادة وستلهمهم تجربته الناجحة في تركيا.

قالوا: إن “الفرح سيكون في تركيا بينما ستنصب بيوت العزاء في دول الثورة المضادة مصر وسوريا والخليج”.

وتزامن الفوز مع نشر مركز دراسات “تشاتام هاوس” البريطاني، 23مايو 2023 دراسة تؤكد أن “الأنظمة الاستبدادية العربية تأمل بأن القمع والصراعات قد أنهكت الشعوب، ولم يعد لديها الإرادة للقيام بالتغيير، والمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي”.

وأن “مستقبل المنطقة لا يزال في متناول اليد، وسيكون الأمر متروكا لأولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية والتقدم لتحقيقها”.

وتأكيد صحيفة “اندبندانت” البريطانية 21 مايو 2023 أنه رغم الواقع القاتم الذي يشير إلى أفول “الربيع العربي”، وعودة ازدهار الأنظمة الاستبدادية، ورغم قمع مطالب الديمقراطية والإصلاح والتغيير لايزال المستقبل بيد الشعوب.

قالت: “لا تزال الفرصة مهيأة لأولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية والتقدم للعودة”.

وأن الربيع العربي لم يكن عبثا، بل كان لحظة تاريخية من الصحوة السياسية للشعوب، وأفرزت جيلا مهتما بالسياسة، وعليما بالتجارب، وشاهدا على هشاشة الأنظمة الاستبدادية، رغم الانتصار المؤقت لهذه الأنظمة على إرادة الشعوب.

كان ملفتا في هذه الانتخابات، تحفظ الإعلام المصري نسبيا عن الدخول في موقعة دعم المعارضة التركية ضد أردوغان لأسباب تتعلق بالمصالحة التي بدأت بين النظامين منذ لقاء عبد الفتاح السيسي وأردوغان في قطر نوفمبر 2022.

هذا التحفظ جاء انتظارا لمعرفة من يفوز وعدم خسارة تركيا مرة ثانية، وهي أبرز بلد وقف مع الربيع العربي في مصر وساند الرئيس الراحل محمد مرسي وانتقد انقلاب عبد الفتاح السيسي العسكري 3 يوليو 2023.

لذا يري محللون أن نظام السيسي من أبرز الخاسرين، برغم التقارب الأخير، وتهئنة السيسي لأردوغان، لأن تجربة أردوغان الديمقراطية وفوزه بـ 52 بالمائة، على غرار الرئيس الراحل محمد مرسي ستحرج السيسي في تمثيلية الانتخابات الرئاسية الثالثة التي ستجري 2024، حين تُعقد مقارنة بينها وبين انتخابات تركيا.

وقد ظهر هذا الحرج حين قال المتحدث الرسمي للرئاسة المستشار أحمد فهمي إن “عبد الفتاح السيسي بعث رسالة للرئيس التركي بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية، وإعادة انتخابه رئيسا لتركيا لفترة رئاسية جديدة، دون أن يحدد طبيعة الرسالة”.

لكن نفس المتحدث الرئاسي قال في نفس الرسالة بالإنجليزية أنها رئاسة تهنئة بعدما رفض في بيانه في النسخة العربية أن يذكر لفظ التهنئة، ما أثار سخرية عالمية، وتدارك السيسي الأمر حين اتصل بأردوغان وهنأه رسميا.

https://www.facebook.com/Egy.Pres.Spokesman/posts/pfbid0AfjbMHt7rKH5pGeLaPNKjrEgMLb2ozLGFb3mFQxWAZVx4kdB7Ff6eeRa6YYBdUzGl

ولأن أردوغان ارتبط بالربيع العربي الذي تخشى أنظمة خليجية تأثيره عليها، فقد أصبح سقوطه رغبة مُلحة لدى نظامي الحكم في السعودية والإمارات.

ظهر هذا في التغطية المنحازة لإعلام الإمارات والسعودية بصورة فجة حتى أن قناة العربية زعمت توزيع الرئيس التركي أردوغان أموالا بقيمة 200 ليرة على أنصاره خارج مراكز الاقتراع، خلال جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية، رغم أنه كان يوزع عيديات على أطفال صغار.

لذا تعتبر أبو ظبي والرياض من الخاسرين من فوز أردوغان رغم مسارعة النظامين لتهنئته بحكم البروتوكول الدولي.

وظهرت الحسرة من فوزه على لسان مستشار القصر الرئاسي الإماراتي الدكتور عبد الخالق عبد الله الذي كتب معلقا على فوز أردوغان أنه فاز بفارق 4 نقاط فقط، وأن أكثر من 47% من الشعب التركي لم يصوت له ولا يرغب به رئيسا، ما أثار سخرية منه على مواقع التواصل.

أيضا سيكون من الخاسرين أيضا بشار الأسد في سوريا، حيث سيستمر المشروع التركي في دعم المعارضة وقد يعيد النظر في تقاربه من الأسد بعد تحرره من قيود الانتخابات.

أيضا أبرز الخاسرين عربيا الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا الذي دعم أردوغان حكومة طرابلس ضده وأفشل مشروعه مع مصر والإمارات للسيطرة على الحكم في ليبيا وإجهاض ربيعها الديموقراطي.

خسارة العلمانيين والانقلابيين

يمكن القول: إن “نتائج صناديق الانتخابات أظهرت أن الخاسر الأكبر داخليا هو التيار الانقلابي العلماني، بعدما اختار الأتراك بالأغلبية العودة إلى جذورهم الإسلامية ودفن العلمانية التي حرفت بلادهم عن التقدم سنوات طويلة”.

النتائج أكدت أنهم هزموا “سياسيا” التيار الانقلابي، بعدما هزموه في الشارع شعبيا بالتصدي لدبابات انقلاب 2016.

الخاسرون داخليا هم كل أحزاب الطاولة السداسية المعارضة، وأولهم كمال أوغلو الذي يتوقع الضغط عليه ليستقيل من رئاسة حزب أتاتورك الشعب الجمهوري، والذي كان رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو يتحين الفرصة ليحيل محله.

وخسر معهم، الحزبان المنشقان عن حزب أردوغان (العدالة والتنمية)، وهما حزبا المستقبل برئاسة رئيس وزراء أردوغان السابق داوود أوغلو، و”الديمقراطية والتقدّم” بزعامة “علي باباغان” وزير الاقتصاد والخارجية السابق.

فيما فاز نجل نجم الدين أربكان رئيس الوزراء السابق وأستاذ أردوغان “فاتح أربكان” الذي انشق عن حزب والده (السعادة) الذي تحالف مع المعارضة العلمانية، وفاز حزبه الجديد بخمسة مقاعد ضمن تحالف أردوغان في البرلمان.

تحديات المستقبل

ولكن كيف سيستفيد أردوغان من هذه المكاسب والخسائر على المستوى المحلي والدولي؟

يرصد الدكتور محمد مختار الشنقيطي أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر ستة تحديات ستواجه الرئيس أردوغان بعد فوزه، خلال السنوات الخمس القادمة التي ستكون تدشينا للقرن الثاني من عمر الدولة التركية المعاصرة.

أوضح في مقال بموقع “الجزيرة” 29 مايو 2023 أن أبرز هذه التحديات هي “التغلب على انشطار الهوية الذي عانت منه تركيا طوال 100 عام، بعد أن فرضت عليها أقلية متغربة مهزوزة موقع المتسول على موائد الغرب”.

أشار إلى أن أردوغان وزملاؤه في حزب العدالة والتنمية قطعوا شوطا بعيدا في تضميد جرح الهوية هذا، وتحقيق شيء من المصالحة مع الذات لشعبهم، لكن الأمر لا يزال يحتاج إلى عمل كثيف في مجال التعليم والثقافة وغيرهما.

التحدي الثاني هو معضلة الاستقطاب السياسي والطائفي والعنصري الحاد، ويعتقد أن تراجع حزب الشعب الجمهوري في هذه الانتخابات وفشل قادته، قد يكون فرصة لتحول هذا الحزب من كتلة طائفية صلبة، لقوة سياسية أكثر تنوعا ومتصالحة مع عقيدته الإسلامية، وجذوره العثمانية المعروفة.

التحدي الثالث هو “التحضير لخلافة أردوغان في الحزب وفي الدولة” لأن هذه هي الولاية الأخيرة للرئيس أردوغان دستوريا، ويجب أن يستمر المشروع الذي بدأه أردوغان، بصناعة القادة الذين يخلفونه، ويحملون الراية من بعده.

التحدي الرابع هو صياغة دستور جديد لتركيا يتناسب مع الوقائع الاجتماعية والثقافية للمجتمع التركي بدل الدستور العلماني الحالي الذي وضعه العسكر وتم إدخال العديد من التعديلات عليه.

أما التحدي الخامس فهو الانخراط أكثر في حل بعض المعضلات الإقليمية المؤثرة على تركيا مثل معضلة الحرب في سوريا، بالتوصل مع الروس إلى صيغة عملية لتغيير سياسي في دمشق، يستجيب لمطامح الشعب السوري.

وأخيرا، تحدي إعادة التموضع الاستراتيجي في المنطقة، بحيث يكون تموضعا يتناسب مع مكانة تركيا وريادتها التاريخية في العالم الإسلامي، في ظل تغير النظام الدولي بسرعة، وأن تسعى لتحقيق ما تعلقه عليها شعوب العالم الإسلامي من آمال.