هذه المخاطر تضرب بيوت المصريين بعد الملء الرابع لسد النهضة

- ‎فيتقارير

يبقى التعامل المصري المتراخي مع أثيوبيا منذ بدأت إنشاء سد النهضة دليلا دامغا على وهن النظام العسكري، الذي لا يعمل إلا لمصالح قياداته الضيقة، سواء البقاء على سُدة الحكم للسيسي أو المنافع والمشاريع والأموال التي تنهال على حسابات قيادات الجيش، في ظل نظام العسكرة المتسع بعموم مصر، حتى لو تجبر النظام على المصريين بالداخل، وأظهر عليهم قوته ووحشيته.

فعلى الرغم من تأكيدات النظام المصري قبل السيسي وأثناء انقلابه، بأن سد النهضة خطر وجودي يهدد مصر، إلا أن السيسي ونظامه العسكري، عملوا ضد مصلحة مصر، ورضوا بأن يرضى عن انقلاب السيسي الاتحاد الأفريقي، ويعيد عضوية مصر المعلقة عقب الانقلاب العسكري،  من أجل شرعية نظام السيسي، وهو ما منح أثيوبيا لأول مرة في تاريخها القديم والحديث الحق في إقامة السدود على النيل، بغض النظر عن تضرر مصر منها، فوقع السيسي في 2015 اتفاق المبادئ مع أثيوبيا والسودان، ورغم ذلك الاتفاق  إلا أن مصالح مصر وحقوقها لم تراعَ من قبل أثيوبيا، التي تتعامل مع مطالب مصر باستهتار شديد.

وهو ما جعل وضع مصر المائي خطير للغاية، ووفق الخبير ضياء الدين القوصي، فإن العام الحالي والذي يليه أيضا، يمكن لمصر أن تسد العجز الناتج عن ملء سد النهضة، من خلال الاستدانة من بحيرة ناصر، لكن في حال استمر التصرف الإثيوبي على هذا النحو، فإن مصر ستدخل أزمة مياه خطيرة للغاية، تصل إلى حد العطش، بعد عامين على أبعد تقدير، في ظل اعتماد مصر بنسبة 97%  على هذه المياه الواردة من النيل.

ومع استمرار العجز المصري والتشدد الأثيوبي، فسيكون هناك ملء خامس وسادس وسابع حتى تصل كمية المياه المحجوزة خلف السد إلى 74 مليار متر مكعب، وفي حال كان هناك فيضان ضعيف أو أقل من متوسط، فإن مصر والسودان لن يحصلا على أي حصة من النيل، وبالتالي سندخل في أزمة مياه شديدة ستنعكس على كافة مناحي الحياة، وهو ما يحتاج موقف حاسم وخشن من قبل مصر، خاصة وأن إثيوبيا تتعامل برعونة شديدة حتى اللحظة، وكأنها لا تستوعب العبث الذي تقوم به بحق مصر والسودان.

 

 

كما أنه من ضمن الآثار الكارثية للملء الرابع لسد النهضة، أن وزارة الري المصرية، لن تسمح بخروج الحصة المصرية التي تُقدّر بـ55 مليار متر مكعب في السنة، من بحيرة ناصر، وستقلص ذلك إلى نحو 12 مليارا فقط، وبالتالي تخرج 40 إلى 45 مليار للشعب المصري على مدار السنة، وفق أستاذ السدود د.محمد حافظ.

وقد تكرر هذا الأمر ما بين عامي 2013 و2019، عندما حسمت وزارة الري من الحصة المصرية الدستورية البالغة 55.5 مليارا، 10 إلى 11 مليارا تخزنها في السد العالي، بينما حسم الكمية هذا العام والعام المقبل، يأتي للحرص على المياه في بحيرة ناصر، قبل أن تنفد بشكل كامل، وهذا سيؤدي إلى حرمان بعض الأراضي من الري وتقليص مساحات قصب السكر والأرز وعدم ضخ مياه إلى مساحات كبيرة من الأراضي خصوصا التي تعتمد على مياه الترع، فيما يصل إجمالي ما خزنته إثيوبيا  21 مليار متر مكعب، بشكل حي، لكنها حجزت 28 مليارا كان من المفترض أن تصل إلى بحيرة ناصر، لكن حُرمت  منها مصر.

 

وتتعاظم المخاطر، في حال كان الفيضان أقل من المتوسط (شبه جاف)، فقد تقل تدفقات النيل الأزرق عن 40 مليارا، وفي أحسن أحوال التدفق الضعيف لهذا العام، وهي أولى السنوات العجاف، قد يكون 40 مليارا، بينما قد يقل عن ذلك لاحقا.

وقد حجزت إثيوبيا منها على مدار العام 28 مليارا، والسودان يحجز 8.5 مليارات، بإجمالي 36.5، وهنا فإنه من الممكن أن يصل في أحسن الأحوال إلى مصر 3.5 مليارات، قد تنخفض لـ2 أو إلى 1 أو إلى صفر، وقد تصل إلى مستوى أن السدود السودانية لا تجد مياها لاستكمال التخزين، ونتيجة لما سبق، فإن الدولة المصرية ستضطر إلى أن تستورد العديد من الأطعمة التي كان المفترض زراعتها في مصر.

كما أنه من أضرار التخزين المائي في إثيوبيا، تنقسم إلى: أضرار مائية واقتصادية وسياسية واجتماعية وبيئية.

 

فالأضرار المائية والاقتصادية تتمثل في أن أي كمية مياه تخزن في سد النهضة قليلة أو كبيرة، هذا العام أو في الأعوام المقبلة، هي مياه مصرية – سودانية، وهي الخسارة الأولى المباشرة، والتي لو استغلت في الزراعة لحققت عائدا اقتصاديا قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب، بالإضافة إلى تحديد مساحة الأرز بحوالي 1.1 مليون فدان، والتكاليف الباهظة بعشرات المليارات من الجنيهات في إنشاء محطات معالجة المياه لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتبطين الترع، وتطوير الري الحقلي، والتوسع في الصوب الزراعية وغيرها.

 

 

أما الأضرار البيئية للملء الرابع، تتعلق بزيادة الفاقد من البخر، مع اتساع سطح البحيرة، وكذلك التسرب في الصخور المحيطة لخزان السد من خلال التشققات والفراغات، وزيادة الحمل الناتج من وزن السدين الرئيسي والمكمل (إجمالي 75 مليون طن) والمياه والطمي (نحو 45 مليار طن) على الأرض المتشققة، ما يزيد من استعدادها لحدوث الزلازل بجانب نشاط الأخدود الأفريقي العظيم، الذي يعتبر أكبر فالق على يابس الكرة الأرضية، ويشكل أنشط المناطق الزلزالية والبركانية في أفريقيا، ووفق أستاذ المياه بجامعة القاهرة عباس شراقي، في تصريحات صحفية، فمن المتوقع أن تتحلل الأشجار الغارقة في مياه البحيرة، وتؤثر على نوعية المياه، كما سيحدث تغير في التنوع البيولوجي للمنطقة، وغرق بعض المناطق التعدينية، وانتقال بعض العناصر الثقيلة مثل الرصاص والنحاس واليورانيوم والمنجنيز إلى المياه، وتغير محلي في المناخ لإقليم بني شنقول من حيث درجة الحرارة والأمطار.

 

تلك المخاطر والانعكاسات السلبية على مصر، تزداد تأثيرا  في حال كان الفيضان ضعيفا، أو خلال السنوات العجاف التي بدأت هذا العام وفق تقديرات خبراء المياه.

وهو ما يفرض على النظام الحاكم أن يواجه تلك التداعيات بحسم وخشونة، موصلا رسالة قوية لأثيوبيا المتلاعبة بمطالب المصريين، فهل يستطيع السيسي أن يفعلها؟.