ثلاثة تفسيرات للحريق الذي التهم مديرية أمن الإسماعيلية.. من يقف وراء الجريمة؟

- ‎فيتقارير

في ظل انعدام الشافية وعدم الكشف عما توصلت إليه تحقيقات النيابة العامة في أسباب الحريق الهائل الذي التهم مبنى مديرية أمن الإسماعلية فجر الإثنين أكتوبر 2023م وأسفر عن مقتل “8” وإصابة العشرات حسب صيحفة العربي الجديد” اللندنية؛ يذهب فريق من الخبراء والمحللين إلى أن سبب الحريق هو ماس كهربائي؛ فالحرائق التي غالبا ما تنجم من ماس كهربائي ليست نادرة الحدوث في مصر حيث تعاني البنى التحتية من التهالك وضعف الصيانة. ففي أغسطس 2022، أدى حريق عرضي إلى مقتل 41 مصليا داخل كنيسة في شارع بحي شعبي في القاهرة، ما أثار جدلا حول البنية التحتية ومدى سرعة استجابة رجال الإطفاء. وفي مارس 2021، قتل ما لا يقل عن 20 شخصا جراء حريق في مصنع للنسيج في الضواحي الشرقية للقاهرة. وفي عام 2020، تسبب حريقان في مستشفيين إلى مقتل 14 شخصا.

التفسير الثاني، يذهب فريق آخر من المحللين إلى أن الحريق قد يكون مدبرا بفعل فاعل؛ وقد يكون عملا إرهابيا، تتكتم سلطة السيسي على حقيقته وأسبابه والمتورطين فيه لأسباب سياسية واقتصادية؛ ويمكن الاستدلال على ذلك بعدة مؤشرات:

أولا، حالة التكتم الشديد التي فرضها السلطة على الحادث وما يتعلق به من تحقيقات، وصدور توجيهات عليا من أجهزة الدولة (المخابرات والأمن الوطني) بعدم تناول توابع الحريق إخباريا إلا ما يصدر عن الجهات الرسمية. ومثال ذلك التغطية التي قامت بها صحيفة “الشروق”، حيث نشرت ثلاثة مواد فقط عن الحريق رغم خطورته، الأول في تمام الساعة “5.36” فجراتحت عنوان: (حريق هائل يلتهم مديرية أمن الإسماعيلية.. صور وفيديو). والثاني في الساعة “8.08” صباحا تحت عنوان (حريق أمن الإسماعيلية.. حالة طوارئ بالمستشفيات). والثالث في الساعة “8.15” صباحا، تحت عنوان (الصحة: الدفع ب”50″ سيارة إسعاف لموقع حريق مديرية الإسماعلية). وبعد ذلك صدرت توجيهات عليا بوقف نشر أي شيء عن الحادث الغامض. وكل ما نشر بعد ذلك سواء على التلفزيون الرسمي أو فضائيات السلطة وصحفها ومواقعها الإخبارية هو الحديث عن تمكن فرق الإطفاء من السيطرة على الحريق، وإنقاذ من كانوا محاصرين داخل المبنى المحترق.

ثانيا، لا ننسى أن الإسماعيلية هي أقرب المحافظات إلى سيناء وتمثل ظهيرا خغرافيا لعناصر تنظيم ولاية سيناء الذين فروا إلى المحافظات المجاورة بعدما اشتد الحصار والتضييق عليهم في الشهور الأخيرة من 2022 والشهور الأولى من 2023م؛ وقد تعرض كمين للشرطة قرب مسجد الصالحين في شارع شبين الكوم بحي السلام بمحافظة الإسماعلية مساء الجمعة 30 ديسمبر 2022م لهجوم مسلح، وأسفر عن مقتل 3 من عناصر الشرطة ومقتل مواطن رابع، وإصابة نحو عشرة آخرين من عناصر الشرطة، فيما فر الجناة بسيارات الدفع الرباعي هاربين قبل وصول التعزيزات الأمنية. وهو الهجوم الذي تبناه تنظيم “ولاية سيناء” بعد يومين من حدوثه.

ثالثا، من المهم حتى نفهم الصورة بشكل أكثر شمولا، أن نربط بين حريق مديرية الإسماعيلية (فجر 2 أكتوبر)، والهجوم الذي تعرض له مقر الأمن الوطني في العريش في 30 يوليو 2023م والذي أفضى إلى مقتل وإصابة نحو 30 بينهم قيادات رفيعة بالشرطة والأمن الوطني. ولا ننسى أن حريق مبنى مديرية أمن الإسماعلية قد التهم الأدوار العليا المخصصة للأمن الوطني، والتي تدمرت بشكل كامل. ولا يعرف بالضبط مصير المحتجزين داخل زنازين وسجون مبنى المديرية، تماما كما حدث مع عشرات المحتجزين في مبنى الأمن الوطني بالعريش.

رابعا، تعرضت أيضا القوات المسلحة لاعتداءات أسقطت عددا من الضحايا خلال الشهور الثلاثة الماضية (يوليو ـ أغسطس ـ سبتمبر) فقد وقع انفجار غامض في قوة من الدفاع الجوي في إحدى القواعد العسكرية بمحافظة شمال سيناء، في منتصف سبتمبر 2023م، وأدى إلى مقتل نحو “7” عسكريين بخلاف الجرحى والمصابين، القتلى هم رائد دفاع جوي عبدالرحمن محمود الزهري ربيع، ورائد دفاع جوي ضياء علاء الدين سعد، ومقدم دفاع جوي هشام درباز، والمجندان في الدفاع الجوي حلمي يونس، ومحمود الفيشاوي، وصابر عيد، ونور السنهورى. ورغم فداحة الكارثة إلا أن المؤسسة العسكرية لم تصدر أي بيان بشأن هذه الحادث وامتنعت المصادر العسكرية عن الكشف عن أي معلومة بشأن الهجوم أو الحادث. كما قتل وأصيب نحو “9” من ضباط وأفراد القوات المسلحة خلال سبتمبر2023م، إثر تعرض إحدى الناقلات المحملة بالذخائر ـ حسب بيان المتحدث العسكري ـ لانقلاب مفاجئ في إطار تنفيذ القوات المسلحة لإحدى الأنشطة التدريبية المخططة، في نطاق منطقة الروبيكي جنوبي مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية. كما قتل الملازم أول، أحمد فراج عبد الصبور، من حي حلوان جنوب القاهرة، بعد إصابته في انفجار عبوة ناسفة في أثناء عملية تمشيط وتفكيك عبوات ناسفة في بئر العبد، منتصف سبتمبر الماضي أيضا. وشُيعت جنازة الضابط من مسجد الإمام المراغي في حلوان. وقتل أيضا الملازم أول، أحمد محسن خيري، إثر هجوم مسلح على نقطة عسكرية بالقرب من الحدود المصرية-السودانية شرق العوينات، وشُيعت الجنازة منتصف سبتمبر ، بمراسم عسكرية من قرية أبو هلا في كفر المنصورة بمحافظة المنيا.

هذه الهجمات والصدمات تؤكد أن إعلان النظام واحتفاله يوم 26 فبراير 2023م بالقضاء على الإرهاب وتطهير سيناء من المسلحين المتمردين على السلطة العسكرية إنما كان ادعاء بلا دليل؛ وأن الهدف كان دعائيا ولا يمت للواقع بصلة؛ بل تؤكد هذه الحوادث أن تقديرات السيسي وأجهزته المخابراتية والأمنية حول القضاء على المسلحين في سيناء كانت خاطئة. وأن التنظيم لا يزال يتمتع بشيء من الوجود القادر على إيذاء النظام وإسقاط بعض ضباطه وعناصره قتلى في هجمات متفرقة. أما امتناع النظام عن وصف بعض هذه الحوادث بالإرهابية إنما هو لأهداف سياسية؛ وذلك في محاولة للإبقاء على الحالة الإعلامية التي روج لها كذبا خلال الشهور الأولى من سنة 2023م بأنه تمكن من القضاء على الإرهاب وتطهيرسيناء من تنظيم “داعش”، وأن دعاية القضاء على الإرهاب قد تمثل إنجازا للسيسي يمكن أن يوظفه في مسرحية الرئاسة المرتقبة، لكن هذه الهجمات أفسدت هذه المخططات رغم التعتيم الإعلامي المفروض علي تناول هذه الحوادث وما توصلت إليها التحقيقات بشأنها.

وأخيرا، يمكن تفسير هذه الحوادث والصدمات بأن فريقا داخل السلطة حريص على بقاء الإرهاب كحالة مرضية مزمنة في مصر؛ لأن هذه الحرب العبثية على الإرهاب إنما تمثل بابا من أبواب الاسترزاق الواسع لآلاف الضابط والإعلاميين والخبراء الأمنيين وشركات الأمن ومراكز البحث وغيرها=؛ كما أن الاحتلال الإسرائيلي حريص على بقاء حالة الإرهاب في مصر لأسباب تتعلق بوصفها غطاء مهما للوجود الإسرائيلي في سيناء لملاحقة شبكات تهريب السلاح لحركات المقاومة الفلسطينية في غزة.

التفسير الثالث، أن الحريق جرى بفعل فاعل من داخل السلطة نفسها في سياق تسوية الصراع على السلطة والنفوذ والثروة والترقيات؛ وقد يقف وراء هذه الحوادث جناح داخل السلطة يريد الإطاحة بالسيسي من خلال زعزعة الوضع الأمني في سياق الصراع على السلطة بعدما احتكر السيسي كل شيء، واستأثر بكل المناصب، وكمم أفواه الجميع بالحديد والنار. ولنظام السيسي سابقة في ذلك؛ حين تم تفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية مساء الثلاثاء 24 ديسمبر 2013م ، وهو التفجير الذي أدى إلى مقتل 16 وإصابة نحو 150 آخرين وفق بيان وزارة الداخلية، وفي اليوم التالي الأربعاء 25 ديسمبر 2013م، أصدرت حكومة حازم الببلاوي العلمانية قرارا أعلنه وزير التضامن الاجتماعي الدكتور أحمد البرعي، باعتبار جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا؛ وتحميل الجماعة مسئولية التفجير! وهو قرار عجيب في شكله ومضمونه؛ ذلك أن الحكومة استبقت أي تحقيقات بشأن تحديد هوية المتهمين فاتهمت الجماعة دون بينة وقررت العقوبة بذاتها في سابقة خطيرة وغير مسبوقة. لاحقا أعلن تنظيم بيت المقدس مسئوليته عن الحادث؛ لكن الأكثر خطورة اتضح لاحقا وهو أن الذي نفذ الحادث مرشد يتعاون مع الأمن الوطني كان معتقلا وجرى إخراجه بمعرفة الجهاز، حسبما نقلت صحيفة “المصري اليوم” عن مصادر أمنية سيادية. اتضح لاحقا أن هذه المصادر هي رئيس جهاز المخابرات اللواء محمد فريد التهامي الذي تمت إقالته وإحالته إلى التقاعد وتعيين اللواء خالد فوزي بديلا له في ديسمبر 2014م عقوبة له على تسريب هذه المعلومات الخطيرة.

وقد يكون السيسي نفسه هو من يقف وراء هذه الجريمة، وأشار إلى هذا الاحتمال الكاتب العلماني علاء الأسواني حين كتب إن خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة ثورة 1952 كتب في مذكراته ان عبد الناصر دبر انفجارات عام 1954 في الجامعة وفي محل جروبي ومحطة السكة الحديد وقد اعترف ناصر بذلك امام عبد اللطيف البغدادى وكمال حسين وحسن ابراهيم. ويضيف: “كان الغرض من التفجيرات تخويف المصريين من الديمقراطية لأنها ستؤدي الى الفوضى”، وعقب الأسواني رابطا حادث حرق مديرية الأمن بسيناريو عبد الناصر والسيسي قائلا: “نفس السيناريو”!