العصفور الطائر.. مصر تفتح ذراعيها للأموال الساخنة مرة أخرى

- ‎فيأخبار

تدفقت مليارات الدولارات من المستثمرين الأجانب إلى أذون خزانة مصر بعد إعلان القاهرة عن اتفاق دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار في 6 مارس.

جاءت هذه التطورات بعد صفقة استثمارية ضخمة بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة، تزامناً مع انخفاض حاد في قيمة الجنيه المصري وقرار البنك المركزي برفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، مما ساعد المالية العامة المتعثرة على التعافي.

كان المستثمرون الأجانب قد ابتعدوا عن أذون وسندات الخزانة المصرية في أواخر عام 2021 بسبب مخاوف من ارتفاع قيمة العملة وعدم قدرة الحكومة على السداد، وعرفت هذه الاستثمارات باسم “الأموال الساخنة” لسهولة تحركها بين الأسواق بحثاً عن أعلى عائد وأقل مخاطر.

والأموال الساخنة، هي استثمارات قصيرة الأجل، عادةً ما تكون في شكل سندات حكومية أو أدوات الدين، تهدف إلى تحقيق أعلى عائد ممكن.

وتتحرك الأموال الساخنة بسرعة بين البلدان، تبقى في أي بلد لفترة قصيرة (بضعة أشهر أو سنوات)، ثم تُحوّل إلى عملات أو استثمارات أخرى مع تغير الظروف.

وقد تنتقل الأموال الساخنة من بلد إلى آخر بسبب تغير أسعار الفائدة، أو بسبب تغيرات في قيمة العملات، أو تغيرات في الظروف السياسية أو الاقتصادية.

 

مخاطر وفوائد الأموال الساخنة

وقد تؤدي تحركات الأموال الساخنة إلى تقلبات كبيرة في أسعار الأصول والعملات، وقد تؤدي إلى عدم استقرار الاقتصادات، خاصة في البلدان النامية.

وقد تؤدي الأموال الساخنة إلى زيادة السيولة في الأسواق المالية، وقد تساعد الأموال الساخنة في تمويل التنمية الاقتصادية في البلدان النامية.

ويُعد مصطلح “الأموال الساخنة” مثيراً للجدل، حيث يرى البعض أنّه مصطلح سلبي يشير إلى مخاطر هذه الاستثمارات، بينما يرى البعض الآخر أنّه مصطلح محايد يشير إلى نوع من الاستثمارات.

 

انخفاض استثمارات المحافظ الأجنبية

وتراجعت استثمارات المحافظ الأجنبية، التي كانت مصدرًا رئيسيًا للدولار لمصر، بمقدار 20.98 مليار دولار في عام حتى نهاية يونيو 2022، وانخفضت هذه الاستثمارات بمقدار 3.77 مليارات دولار أخرى في العام التالي.

ترجع هذه التراجعات إلى مخاوف المستثمرين من مخاطر عدم استقرار الاقتصاد المصري.

 

تحسن المعنويات بعد اتفاق صندوق النقد

وأدى اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي والدعم المالي الآخر إلى تحسن معنويات المستثمرين، وساعد ذلك على عودة بعض الأموال الساخنة إلى مصر.

وقال جيمس سوانستون من “كابيتال إيكونوميكس”: “كانت السندات المحلية المصرية تُتداول بعوائد مرتفعة للغاية، ولا تزال في ظل توفير صندوق النقد الدولي واتفاق الدعم الثنائي الآخر الثقة في عدم التخلف في سداد الديون السيادية”.

 

عودة الاستثمارات الأجنبية

تشير التقديرات إلى أن المستثمرين الأجانب اشتروا أذون وسندات خزانة بقيمة خمسة مليارات دولار من خلال السوق الأولية و9.5 مليارات دولار أخرى من السوق الثانوية.

وقدر تقرير ثان إجمالي الاستثمارات الأجنبية في السوقين بما يتراوح بين 11 و12 مليار دولار حتى يوم الاثنين.

وارتفعت استثمارات المحافظ الأجنبية في مصر بمقدار 228.8 مليون دولار فقط خلال النصف الثاني من عام 2023، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري الصادرة يوم الاثنين. وحتى 31 نوفمبر 2023، اشترى المستثمرون الأجانب أذون خزانة بقيمة 389.7 مليار جنيه مصري (حوالي 12.6 مليار دولار) بآجال استحقاق عام أو أقل.

 

ليست استثمارا حقيقيا

وحذر الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، من عودة الأموال الساخنة على الاقتصاد المصري، وقال إن “النظام المصري أدمن الاقتراض ولا يمكن منعها في ظل عدم وجود مؤسسات منتخبة أو مجتمع مدني تناقش الأزمات التي تحدث في البلد، الأمر الآخر، مصر هي من سعت للأموال الساخنة وليس العكس من خلال رفع الفائدة على أذون الخزانة أعلى من 32% وخفض قيمة الجنيه 60%”.

وأضاف الولي في تصريحات لـ”عربي21″ أن “هذه المؤسسات والبنوك تبحث على الفائدة المرتفعة في الدول النامية وتواجه مشاكل في السيولة الدولارية، وبعد توفير الفائدة المرتفعة وخفض الجنيه من المتوقع أن يزيد الإقبال على أدوات الدين من جهة وأن يرتفع العائد على أذون الخزانة من ناحية أخرى ولن تتراجع إلا إذا كانت هناك وفرة دولارية، وهو بحاجة إلى بعض الوقت”.

وأشار إلى أن “هذه الأموال بلغة الاقتصاد العصفور الطائر ليست استثمارا حقيقيا، يبحث عن حبة الطعام في أي مكان ثم يطير، ومسألة تعلم الحكومة الدرس من عدمه هو أمر لا يعتد به؛ لأنه تكرر في أكثر من مناسبة وفي أكثر من حدث ونسمع كلام ولا نرى تطبيقات على أرض الواقع والأمثلة على ذلك كثيرة لا مجال لحصرها، كان آخرها عدم خفض الجنيه”.

ويساعد إقبال المستثمرين الأجانب على خفض تكلفة تمويل عجز الميزانية المرتفعة، ويساعد على سد الفجوة حتى يتم تلقي المزيد من الدعم خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة. وتعهدت مصر العام الماضي لصندوق النقد الدولي بتطوير أدوات دين بأسعار فائدة متغيرة وآجال أطول.

وارتفع متوسط العائد على أذون الخزانة لأجل عام واحد، عقب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في السادس من مارس، إلى 32.30% من 29.91%، وذلك بعد زيادة أسعار الفائدة 600 نقطة أساس. لكن الطلب الدولي المتزايد على هذه الأذون منذ ذلك الحين أدى إلى انخفاض العائد إلى 25.75%.

وقال أحد المتعاملين في البنوك المصرية إن تدفق الأموال الأجنبية كان هائلاً لدرجة أنه “خرب السوق على اللاعبين المحليين”.

ووفقاً لبيانات وزارة المالية، شكلت مدفوعات الفائدة ما يقرب من 55% من إجمالي الإنفاق الحكومي في الأشهر الثمانية حتى نهاية فبراير، ارتفاعاً من 41% فقط قبل عام.

وحذر الخبير الاقتصادي جيمس سوانستون من أن صناع السياسات يجب أن يكونوا حذرين من الاعتماد بشكل مفرط على “الأموال الساخنة”، لأن ذلك يجعل مصر عرضة للتوقف المفاجئ لتدفقات رأس المال أو خروجها.