مضاعفة الصادرات.. أحلام تتحطم على صخرة إمبراطورية الجيش وغياب التخطيط

- ‎فيتقارير

أعلن رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب، مصطفى مدبولي عن طموحات مصر لمضاعفة صادراتها الخارجية بحلول عام 2030، مع زيادة سنوية تتراوح بين 15 و 20%.

 

وتهدف هذه الخطة إلى رفع مساهمة الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي المصري من 15% إلى 30% خلال ست سنوات.

 

ولم يكشف مدبولي عن تفاصيل محددة لكيفية تحقيق هذا الهدف، لكنه أشار إلى خطط لزيادة الاستثمارات في قطاعات الإنتاج الرئيسية، وتعزيز التكامل بين الصناعات المختلفة، وتحسين كفاءة البنية التحتية، كما شدد على أهمية تعزيز تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق العالمية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لزيادة قدرتها على التصدير.

 

وتواجه مصر العديد من التحديات في تحقيق هذه الأهداف، بما في ذلك، نقص الاستثمارات في قطاعات الإنتاج الرئيسية، مما يعيق قدرتها على زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات، والبيروقراطية المعقدة التي تواجه الشركات المصرية وتعيق عمليات التصدير، واالبنية التحتية الضعيفة، خاصة في مجال النقل واللوجستيات، مما يزيد من تكاليف التصدير، وعدم الاستقرار السياسي في السنوات الأخيرة، مما أثر سلبا على جاذبيتها للمستثمرين الأجانب.

 

وخلال العقد الماضي، خصصت حكومة السيسي عشرات مليارات الدولارات لتمويل مشروعات ضخمة في إطار خططها للنهوض بالبنية التحتية وتنفيذ مشروعات قومية طموحة.

 

لكن على الرغم من حجم الاستثمارات الهائلة، واجهت هذه المشاريع انتقادات واسعة، حيث يرى البعض أنها لم تحقق النتائج المرجوة ولم تساهم بشكل فعال في تحفيز الاقتصاد المصري وزيادة حجم الصادرات.

 

يرى منتقدون أن العديد من هذه المشاريع، مثل المدن الجديدة والعواصم الإدارية، لا تُساهم بشكل مباشر في زيادة الإنتاج أو الصادرات، بل قد تُشكل عبئا على الميزانية على المدى الطويل، إذ اعتمد تمويل هذه المشاريع الضخمة بشكل كبير على الاقتراض، مما أدى إلى تراكم الديون وزيادة العبء على كاهل الدولة.

 

وأشار البعض إلى وجود ثغرات في التخطيط لبعض هذه المشاريع، مما أدى إلى تأخيرات في التنفيذ وتجاوزات في التكاليف، كما أن بعض مشروعات البنية التحتية لم تُربط بشكل فعال بالقطاعات الإنتاجية، مما قلل من أثرها على نمو الاقتصاد.

 

غياب خطة واضحة

وأعرب الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني عن تشككه في قدرة الحكومة المصرية على تحقيق هدفها الطموح بمضاعفة الصادرات المصرية ثلاث مرات بحلول عام 2030.

 

وبينما يقر الميرغني بأهمية هذا الهدف، يرى أن تحقيقه يتطلب خطوات جوهرية تتجاوز مجرد رفع الأرقام، منها معالجة تحديات بيئة الأعمال، وتعزيز تنافسية المنتجات، وتنويع أسواق التصدير، واستغلال الاتفاقيات التجارية، وتفعيل دور القطاع الخاص، ووضع استراتيجية شاملة لتحقيق هذا الهدف.

 

وهاجم في حديثه لـ”عربي21″ تصريحات مدبولي قائلا: “الاستسهال في إطلاق التصريحات وإعلان الأرقام دون خطة واضحة يضر كثيرا بثقة المستثمرين في بيئة الاستثمار في مصر، ولا بد النظر إلى آلاف المصانع المتعثرة التي تعاني من ضعف التمويل، وآخرها إلغاء مبادرات إقراض المصانع بـ8% و11% بعد أن اشترط صندوق النقد الدولي إلغاء الفوائد المدعمة للأنشطة الاقتصادية، وبالتالي ارتفعت تكلفة الاستثمار بالنسبة لتلك الشركات، خاصة بعد رفع الفائدة إلى أكثر من 27%”.

 

شو إعلامي

من جانبه، انتقد الدكتور مراد علي، استشاري الاستثمار والاستراتيجيات، تصريحات حكومة السيسي بشأن مضاعفة الصادرات 3 أضعافها بالقول: “في البداية، تصريحات رئيس الوزراء عن حجم الصادرات غير دقيقة؛ لأن صادرات مصر كانت 42 مليار دولار في عام 2023، بل انخفضت 20% مقارنة بعام 2022 عندما بلغت 52 مليار دولار بعد زيادة صادرات الغاز الطبيعي لحل أزمة نقص الغاز في أوروبا”.

 

وقال في تصريح لـ”عربي21″: إن “الصادرات في الربع الأول من عام 2024 زادت 5% فقط، وجاءت بسبب تحسن العلاقات مع تركيا، التي أصبحت أكبر مستورد من مصر، والحكومة لم تفصح عن أي خطط توضح لنا كيفية تحقيق هدفها المعلن، ولا يعدو كونه إعلاميا أكثر منه واقعيا، والوضع الحالي لا يشجع على تحقيق هذا الهدف؛ لأن الاستثمار الأجنبي المباشر حتى الآن هو عبارة عن بيع أصول مصرية أو استثمارات عقارية، كما هو الحال في صفقة رأس الحكمة”.

 

الصادرات المصرية ارتفعت خلال الربع الأول من عام 2024 بنسبة 5% فقط، وهو رقم أقل بكثير من الهدف الطموح لمضاعفة الصادرات ثلاث مرات، ويُعزى جزء من هذا الارتفاع إلى تحسن العلاقات مع تركيا، التي أصبحت أكبر مستورد من مصر.

 

وأوضح أنه ومع ذلك، لم تُقدم حكومة السيسي أي تفاصيل ملموسة حول كيفية تحقيق هدفها المُعلن لمضاعفة الصادرات، مشيرا إلى أن غياب خطة عمل واضحة إلى أن الهدف المعلن قد يكون ذو دوافع إعلامية أكثر من كونه واقعيا.

 

عقبات أمام تحقيق الهدف

يُواجه تحقيق هدف مضاعفة الصادرات العديد من التحديات، أبرزها: انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ يُوجه الاستثمار الأجنبي المباشر الحالي بشكل أساسي إلى شراء الأصول المصرية أو الاستثمارات العقارية، مثل صفقة رأس الحكمة، بدلا من دعم القطاعات المُصدرة.

 

وحذر علي من أن أزمة نقص الدولار التي واجهتها مصر خلال الفترة الماضية قد أدت إلى إغلاق بعض المصانع أبوابها، وأرجع هذا الإغلاق إلى عدم قدرة هذه المصانع على استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج الأساسية، نتيجة لصعوبة الحصول على العملة الأجنبية.

 

وأشار على أيضا إلى هيمنة الجيش على مفاصل الاقتصاد المصري، مما يشمل شركات الإنتاج والتصنيع، مضيفا أن هذه الهيمنة تُشكل مُنافسة غير عادلة للقطاع الخاص، مما أدى إلى خروج بعض الشركات من السوق لفقدانها القدرة على التنافس، محذرا من أن غياب التنافسية في السوق المصرية يُشكل خطرا على مستقبل الصناعة الوطنية.

 

وربط استشاري الاستثمار والاستراتيجيات، تحقيق هدف مضاعفة الصادرات المصرية بإجراء تغييرات جذرية في الاقتصاد المصري على مختلف المستويات، قائلا: “تحتاج إلى استراتيجية كاملة في الاقتصاد، وتغيير هيكل الاقتصاد كاملا، وتغيير فكر وفلسفة الدولة بالأساس، بدءا من التعليم والتعليم الفني، ومحاربة التضخم، ومنع الفساد، والسماح بالتنافسية، والشفافية، ومنح حوافز للتصنيع، وتوجيه استثمارات الدولة إلى المشاريع والمناطق الصناعية وليس المشروعات عديمة الجدوى، زيادة الصادرات هي نتاج منظومة اقتصادية كاملة وليس تصريحات إعلامية”.