أشارت بيانات جهاز الإحصاء المصري إلى نمو قيمة التجارة بين مصر وإسرائيل بنسبة 35% خلال الشهور الأربعة الأولى من الحرب على غزه، لتصل إلى 800 مليون دولار، مقابل 562 مليون دولار في نفس الشهور المقابلة، وذلك بسبب نمو واردات مصر من إسرائيل بنسبة 42 % خاصة من الغاز الطبيعي، وحققت إسرائيل فائضا تجاريا مع مصر بقيمة 754 مليون دولار خلال الشهور الأربعة من الحرب.
وكانت تجارة مصر مع إسرائيل قد زادت خلال عام 2023 بنسبة عشرة في المائة بالمقارنة بعام 2022، لتصل إلى مليارين و359 مليون دولار، وتوزعت التجارة ما بين صادرات مصرية لإسرائيل بقيمة 144 مليون دولار، وواردات مصرية من إسرائيل بلغت 2.2 مليار دولار، وبينما انخفضت قيمة الصادرات المصرية لإسرائيل بنسبة 27 % خلال العام، فقد زادت قيمة الواردات المصرية من إسرائيل بسبب الغاز الطبيعي بنمو 14%.
وهكذا تسبب تدني الصادرات المصرية لإسرائيل في احتلالها المركز الحادي والأربعين بين الدول التي صدرت لها مصر في العام الماضي، وبنصيب ثلاثة بالألف في المائة من إجمالي الصادرات المصرية، أي أنها لم تصل إلى نصف في المائة، في حين احتلت الواردات من إسرائيل المركز الثاني عشر بين الدول التي استوردت منها مصر، الأمر الذي رفع مرتبة تجارة مصر مع إسرائيل إلى المركز الخامس عشر بين شركائها التجاريين، وهي التجارة التي أسفرت عن عجز تجاري مصري بلغ أكثر من ملياري دولار، مع تدني نسبة صادرات مصر إلى إسرائيل إلى 6.5 % من مجمل وارداتها منها.
الكويز واستيراد الغاز زادا التجارة
تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، مع تراجع إنتاج حقل ظُهر، وكذلك تراجع إنتاج الحقول بحكم تقادمها، مما أربك المشهد الصناعي خاصة للصناعات التي تعتمد على الغاز الطبيعي كمادة خام مثل صناعة الأسمدة، كما تسبب في انقطاع الكهرباء لمدة ساعتين يوميا عن المنازل المصرية، بسبب نقص الغاز اللازم لتشغيل مولدات إنتاج الكهرباء، الأمر الذي زاد من كميات استيراد الغاز الإسرائيلي.
وباستعراض بيانات التجارة المصرية مع إسرائيل منذ توقيع اتفاق التجارة معها عام 1981، فقد ظلت قيمة تلك التجارة محدودة بالقياس إلى مجموع تجارة كلا البلدين، لاستمرار الموقف النفسي من قبل التجار المصريين تجاه إسرائيل، وتشهير صحف المعارضة بمن يتعاملون مع إسرائيل، وجاء توقيع اتفاقية الكويز أواخر عام 2004 بين مصر وإسرائيل، والتي تكفل دخول الصادرات المصرية الولايات المتحدة بدون جمارك إذا كانت محتوية على نسبة من المكونات الإسرائيلية، لتزيد من حجم التجارة بين البلدين نسبيا، خلال السنوات التالية على توقيع الكويز.
وهذا الأمر استفادت منه بشكل أكبر صناعة الملابس الجاهزة المصرية، إلى جانب تصدير مصر للغاز الطبيعي لإسرائيل عام 2008 حتى توقف في عام 2012 مما أدى لرفع إسرائيل قضية تحكيم ضد مصر كسبتها عام 2015، وما تلاها من زيادة إنتاج إسرائيل من الغاز الطبيعي لتتحول لدولة مصدرة له.
وتسبب بداية استيراد مصر للغاز الطبيعي من إسرائيل منذ يناير 2020، في ارتفاع معدلات التجارة مرة أخرى، لكنها ظلت محدودة أيضا حتى جاء توسع مصر في استيراد الغاز الإسرائيلي منذ منتصف عام 2022، كي تستطيع الاستفادة من تسييله محليا وتصديره لأوروبا بعد تحجيمها لاستيراد الغاز الروسي، الذي كانت تعتمد عليه بصورة كبيرة قبل حرب روسيا على أوكرانيا، مما تسبب في طفرة للواردات المصرية من إسرائيل لتصل إلى 2.1 مليار دولار عام 2022 مقابل 191 مليونا فقط في العام السابق، ومثلت واردات الغاز الطبيعي نسبة 95 % من تلك الواردات المصرية من إسرائيل.
وتكرر الأمر في العام الماضي الذي شهد تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، مع تراجع انتاج حقل ظُهر وكذلك تراجع إنتاج الحقول بحكم تقادمها، مما أربك المشهد الصناعي خاصة للصناعات التي تعتمد على الغاز الطبيعي كمادة خام مثل صناعة الأسمدة، كما تسبب في انقطاع الكهرباء لمدة ساعتين يوميا عن المنازل المصرية بسبب نقص الغاز اللازم لتشغيل مولدات إنتاج الكهرباء، الأمر الذي زاد من كميات استيراد الغاز الإسرائيلي لترتفع قيمة واردات مصر من إسرائيل إلى مليارين و359 مليون دولار العام الماضي، 96 % منها من الغاز الطبيعي.
صادرات محدودة وفائض خدمي صغير
وهكذا بلغت واردات مصر من الغاز الطبيعي من إسرائيل في العام الماضي مليارين و128 مليون دولار، لتتبقى 87 مليون دولار فقط لواردات مصر من إسرائيل من كافة السلع الأخرى، والتي كان أبرزها الأقمشة وخيوط الخياطة ومواد التلوين والعلب والصناديق الورقية وأصناف الحشو لصناعة الملابس، التي تستوردها مصانع الملابس الجاهزة المصرية لتساعدها على النفاذ للأسواق الأمريكية بدون جمارك.
أما صادرات مصر لإسرائيل في العام الماضي والبالغة 144 مليون دولار، فقد كانت أبرز سلعها شاشات التلفزيون والسماد والأسمنت والخضر والفاكهة خاصة الفراولة، وورق التواليت وكرتون تعبئة البيض وقضبان الألومنيوم والسجاد والزيتون.
وفي ضوء استمرار تراجع الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي، وعجز مصر عن الوفاء بتعهداتها لإمداد أوروبا بجانب من احتياجاتها للغاز الطبيعي، بعد أن تبنت إنشاء منظمة خاصة بالغاز الطبيعي لدول شرق المتوسط، وأعلنت عن اتجاهها لتكون سوقا إقليمية لتصدير الغاز الطبيعي، بينما تعجز عن الوفاء بتوفير احتياجات محطات توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي، مما تسبب في استمرار ظاهرة انقطاع الكهرباء عن المنازل منذ شهر يوليو الماضي وحتى الآن، وهي الظاهرة توقفت فقط خلال شهر رمضان وأيام عيد الفطر لتعود بعدها.
وجاء الإعلان مؤخرا عن قيام مصر باستيراد شحنات من الغاز المُسال لإعادة تحويله إلى حالته الغازية، من خلال سفينة تحويل نرويجية سيتم استئجارها لمدة خمس سنوات، بخلاف استيرادها للغاز الإسرائيلي من خلال الأنابيب، الأمر الذي يشير إلى توقع استمرار وزيادة كميات استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل خلال الفترة القادمة، وبالتالي استمرار العجز بالميزان التجاري المصري مع إسرائيل.
وتشير البيانات المصرية للتجارة مع إسرائيل خلال السنوات الأربعة والعشرين الأخيرة، والممتدة ما بين عام 2000 وحتى العام الماضي، إلى أنه خلال تلك السنوات حققت مصر فائضا تجاريا خلال 14 عاما مقابل تحقيق عجز تجاري خلال عشر سنوات منها، وبلغت قيمة الفائض خلال السنوات العشر 557 مليون دولار، في حين حققت ثماني سنوات من العجز حتى عام 2021 نحو 173 مليون دولار وهو ما يعني غلبة كفة سنوات الفائض.
إلا أن التوسع في استيراد الغاز الإسرائيلي قد تسبب في عجز تجاري خلال العامين الماضيين وحدهما بلغ 3.8 مليار دولار، مما أسفر عن عجز تجاري لمصر مع إسرائيل بقيمة 3.4 مليار دولار خلال السنوات الأربع والعشرين الماضية، وهو العجز المرشح للاستمرار في الفترة المقبلة في بلد يعاني أصلا من العجز التجاري المزمن خلال الأعوام الخمسين الأخيرة، والذي تسبب في الضغط على سعر صرف العملات الأجنبية وتراجع قيمة الجنيه المصري أمامها بشكل متكرر.
وربما يقول البعض: ولكن مصر تحقق فائضا بتجارتها الخدمية مع إسرائيل حتى السنوات الأخيرة، والتي تشمل السياحة وخدمات النقل ورسوم العبور بقناة السويس والخدمات الأخرى، وهو الفائض الذي بلغ 57 مليون دولار في العام المالي 2022-2023، لكن العجز التجاري السلعي لمصر مع إسرائيل في العام الماضي بلغ أكثر من ملياري دولار، استمرارا للعجز التجاري السلعي مع إسرائيل والذي بلغ 1.8 مليار دولار في عام 2022.