في ظل نظام لا يُمكن وصفه إلا بالخائن والمضيع لمصير ومستقبل وطن بأكمله، وتحت سمع وبصر جميع مؤسسات الدولة وقواها السياسية، يُسارع السيسي الزمن للتخلص من كل ما هو مصري، وكل الأصول الاقتصادية التي لا تقوم إلا بها الدولة المصرية، من أجل لا شيء ذي قيمة، فهو لا يبني مصانع أو شركات بديلة، ولا يحسن خدمات المواطنين، من صحة وتعليم وغيرها، دون أي عمل يضمن المستقبل، سوى سداد ديونه الناجمة عن فشله الاقتصادي في إدارة موارد الدولة أو التدفقات التي حصل عليها من مليارات الدولارات التي أضاعها في إنشاءات في الصحراء ومنتجعات لا تسكن إلا أيامًا معدودة في السنة، ولا يستفيد منها سوى أقل من 1% من المصريين، بينما يُعاني الملايين من الفقر والبطالة والقهر والعوز، في ظل كل ذلك، انتهز المستعمرون الجُدد من الإماراتيين الفرصة ليقبضوا ثمن ما قدموه للسيسي منذ دعمه لانقلابه العسكري ليصبح قائدا لدولة مصر عبر الانقلاب العسكري والجرائم والمجازر بحق أبناء مصر.
وتسارعت وتيرة الاستحواذات على مصر بلا توقف وبلا مراعاة للأمن القومي المصري.
وتصدرت شركة “أبو ظبي القابضة” أو “إيه دي كيو” (ADQ)، الحكومية الإماراتية، ثالث أكبر صندوق ثروة سيادي مملوك لإمارة أبو ظبي والسادس عربيًا، والتي تملك مشروع “رأس الحكمة” في الساحل الشمالي الغربي لمصر، والمثير للجدل.
وكان آخر استحواذ للشركة الإماراتية في مصر هو على ثلاث شركات بترول مصرية دفعة واحدة؛ حيث وافق “جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية” بمصر يوم الأحد، على ثلاث طلبات مقدمة من شركة “ألفا أوركس ليمتد” التابعة لـ”إيه دي كيو” في 30 أكتوبر الماضي، للاستحواذ على حصص من ثلاث شركات بترول مصرية، في صفقة بقيمة 800 مليون دولار، تم الاتفاق عليها في 21 أكتوبر 2023.
وبذلك جرى الاستحواذ على 25% من أسهم شركة “الحفر المصرية”، الحكومية الرائدة بمصر والشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمملوكة للهيئة المصرية العامة للبترول، والتي تأسست عام 1976 وتدير 70 منصة حفر ومنصتين بحريتين، ويعمل بها نحو خمسة آلاف مصري.
إلى جانب الاستحواذ على 30% من أسهم شركة “المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته” (إيثيدكو)، الرائدة في مجال البتروكيماويات بمصر وإفريقيا، والتي تأسست عام 2011 بإجمالي استثمارات 1.9 مليار دولار، وتقدم منتجات عالية الجودة للصناعات العالمية.
كما جرى الاستحواذ على نحو 35% من أسهم الشركة “المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي” (إيلاب)، إحدى شركات قطاع البترول المصري، والتي تأسست عام 2003 لإنتاج الألكيل بنزين الخطي المستخدم في المنظفات الصناعية بطاقة إنتاجية تبلغ 100 ألف طن سنويًا.
إلى ذلك، استحوذت “إيه دي كيو” على عشرات الأصول المصرية العامة الهامة في صفقات ضخمة، منها تملك 40% من صفقة الفنادق التاريخية السبعة، مطلع العام الجاري.
وشملت تلك الفنادق: “سوفيتيل ليجند أولد كتراكت أسوان”، ومنتجع “موفنبيك أسوان”، و”سوفيتيل وينتر بالاس” الأقصر، وفندق “شتيغنبرغر التحرير”، وفندق “شتيغنبرغر سيسيل” الإسكندرية، و”ماريوت مينا هاوس” القاهرة، و”ماريوت عمر الخيام” الزمالك.
وفي 15 يناير 2024، استحوذت “إيه دي كيو” وتابعتها “أدنيك” على حصة 40.5% في سبعة فنادق تاريخية بشركة “آيكون”، الذراع في قطاع الضيافة لمجموعة طلعت مصطفى، والتي تملك 15 فندقا بالقاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ، بقيمة 882.5 مليون دولار.
وفي 4 أكتوبر الماضي، بدأت “إيه دي كيو” تنفيذ أعمال الإنشاءات بمشروع رأس الحكمة السياحي، حيث دشن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد المشروع باستثمارات 35 مليار دولار.
وجاء ذلك إثر توقيع اتفاق في فبراير الماضي، تستحوذ بموجبه “إيه دي كيو” على حقوق تطوير “رأس الحكمة” مقابل تعزيز موارد مصر الدولارية بمبلغ 24 مليار دولار على دفعتين.
وبهذا، تسيطر الشركة الإماراتية على مساحة 170 مليون متر مربع، منها 44 كيلومترا مربعا تطل على البحر المتوسط، حيث يجري بناء 190 ألف فيلا وشقة تستوعب مليوني نسمة على مساحة 80 مليون متر مربع، إضافة إلى 12 مليون متر مربع مخصصة لتجارة التجزئة والترفيه والاستجمام، بجانب منطقة استثمارية وأخرى حرة خاصة، وخمسة مراسٍ، ومطار وميناء بحري.
خطر تمرير الاستثمارات لأطراف أخرى
تتزايد المخاوف من تمرير المشاريع والأراضي والأصول المصرية لأطراف أخرى، نظرا لارتباطات الشركة الإماراتية بشراكات إقليمية ودولية قد يكون لها علاقة بالكيان المحتل.
ويرى الكثير من الخبراء أن الإمارات هي الوكيل الحصري لإسرائيل، مشيرين إلى أدوارها التي وصفوها بـ”المشبوهة” في المنطقة، وما أثير حول شراء شركات ورجال أعمال تابعين لها منازل في القدس الشرقية من الفلسطينيين وبيعها لمستوطنين إسرائيليين في 2018 و2019 و2020، إضافة إلى طموحاتها التوسعية في البحر الأحمر وخليج عدن واليمن وليبيا، وقبل كل شيء في الشركات والمصانع والموانئ المصرية.
يشار إلى أنه منذ نوفمبر 2019، وبعد تأسيس “إيه دي كيو” بعام، أقامت مصر والإمارات منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار في مجموعة من القطاعات والأصول، يديرها “صندوق الثروة السيادي المصري” و”صندوق أبو ظبي السيادي” التابع له “إيه دي كيو”.
وفي عام 2022، استحوذ صندوق الثروة السيادي في أبوظبي على حصص من أقوى الشركات المدرجة في البورصة المصرية.
ففي أبريل 2022، باعت القاهرة حصصا في خمس شركات لـ”إيه دي كيو” مقابل 1.8 مليار دولار، ليرتفع إجمالي عدد الشركات التي استحوذ عليها الصندوق السيادي الإماراتي إلى سبع شركات خلال العام.
والشركات هي: “البنك التجاري الدولي” (340 مليون سهم)، وشركتا الأسمدة “موبكو” (46 مليون سهم) و”أبوقير” (271 مليون سهم)، و”فوري” للتكنولوجيا المالية (215 مليون سهم)، و”الإسكندرية لتداول الحاويات” (476 مليون سهم)، و”سوديك” و”آمون” للأدوية.
كما امتلكت “إيه دي كيو” مع “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي حصصا في أكبر شركتي أسمدة مصرية، بنسبة 41.5% من “أبوقير للأسمدة” و45% من “مصر لإنتاج الأسمدة” (موبكو).
وفي القطاع المالي، أصبحت “إيه دي كيو” أكبر مساهم مستقل في “البنك التجاري الدولي”، أكبر بنوك القطاع الخاص المصري، بشرائها حصة 17.2% منه مقابل 911.5 مليون دولار، بجانب شراء نحو 11.8% من شركة “فوري” في مجال التكنولوجيا المالية مقابل نحو 55 مليون دولار.
وفي قطاع الأغذية وتجارة التجزئة، استحوذت “إيه دي كيو” على حصة حاكمة في مجموعة “عوف للأغذية الصحية”، المالكة لعلامة “أبوعوف” التجارية الشهيرة.
وفي القطاع العقاري، استحوذت “إيه دي كيو” مع شركة “الدار العقارية” الإماراتية على شركة “السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار” (سوديك) نهاية 2021.
وفي قطاع الموانئ والشركات البحرية، استحوذت “إيه دي كيو” على ثلث شركة “الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع”، المدرجة بالبورصة المصرية مقابل 186.1 مليون دولار في أبريل 2022.
وفي 2 يوليو 2022، استحوذت “موانئ أبوظبي”، التابعة لـ”إيه دي كيو”، على حصة الأغلبية بنسبة 70% من شركة الشحن والخدمات اللوجستية المصرية “إنترناشونال أسوشييتد كارغو كارير” (آي إيه سي سي)، التي تمتلك شركتي الخدمات اللوجستية البحرية “ترانسمار” ومشغل المحطات “ترانس كارغو الدولية” (تي سي آي)، مقابل 140 مليون دولار.
وفي النصف الأول من 2021، اشترت “إيه دي كيو” الحصة الكاملة لشركة “بوش هيلث” الكندية في “آمون للأدوية” المصرية مقابل 740 مليون دولار.
وفي أكتوبر 2020، اشترت “إيه دي كيو” حصة مجموعة “اللولو العالمية” في سلاسل “الهايبر ماركت” و”السوبر ماركت” في مصر.
استثمارات “إيه دي كيو” في إسرائيل
بعد تطبيع الإمارات وإسرائيل في 13 أغسطس 2020، توالت الاتفاقيات بين الجانبين في مجالات الدفاع، والاقتصاد، والشراكات التجارية، وكانت “إيه دي كيو” على رأس هذه الاتفاقيات في مجالات عديدة.
وفي ديسمبر 2020، بعد إعلان اتفاقية “إبراهام”، وقّعت مجموعة “أبوظبي للإعلام” التابعة لـ “إيه دي كيو” وقناة “آي 24 نيوز” الإسرائيلية مذكرة تفاهم تتضمن تغطية إخبارية متبادلة بين المؤسستين، خاصة باللغة العربية.
وفي فبراير 2022، ووفقاً لتعهد منحه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قررت أبوظبي استثمار 10 مليارات دولار في شركات إسرائيلية في مجالات متنوعة، بحسب موقع “غلوبس” الإسرائيلي.
وقرر “صندوق أبوظبي للتنمية” (ADG) التابع لـ”إيه دي كيو” استثمار ملياري دولار في السوق الإسرائيلي، بمعدل 200 مليون دولار سنوياً على مدار 10 سنوات.
وخلال زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى الإمارات في مايو 2022، التقى رئيس “صندوق أبوظبي للتنمية” (ADG) فارس محمد المزروعي لمناقشة كيفية مساعدة الهيئات الإسرائيلية في التواصل مع الشركات الإماراتية.
بعد زيارة إسحاق هرتسوغ الثانية إلى الإمارات في 6 ديسمبر 2022، قادت “إيه دي كيو” في 14 ديسمبر تحالفاً لشراء حصة في “فينيكس غروب المالية” الإسرائيلية بقيمة 855 مليون دولار.
كما استثمرت “إيه دي كيو” في شركة اللحوم الإسرائيلية “ألف فارمز”.
وفي إطار الحضور القوي للشركات الإماراتية في إسرائيل، افتتحت عدة شركات وصناديق إماراتية مكاتب هناك، بما في ذلك شركة “الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية” (G42) ومكتب “أبوظبي للاستثمار”.
وقد اشترى “صندوق الثروة الإماراتي” أو شركة “مبادلة” حصة قدرها مليار دولار في ثاني أكبر حقل للغاز الطبيعي في إسرائيل عام 2021.
كما أنشأت مجموعة “غروب 42” بأبوظبي شراكة مع شركة “رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة” الإسرائيلية لتطوير الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة.
وفي 26 مارس 2023، دخلت اتفاقية التجارة الحرة بين الإمارات وإسرائيل حيز التنفيذ، مما قلل التعريفة الجمركية بنسبة 96%، بعد اتفاق سابق في مايو 2023، يسمح للشركات الإسرائيلية بالمشاركة في المناقصات الحكومية بالإمارات، ويهدف إلى زيادة التجارة البينية إلى 10 مليارات دولار سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة.
ووفقًا لتصريحات سابقة لوزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق، تتطلع الإمارات إلى زيادة العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل لتصل إلى تريليون دولار خلال العقد المقبل.
تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن ما يحدث في مصر هو تفريط غير مسبوق في أصول البلاد بدون ثمن حقيقي، وهو ما قد يدفع الجميع ثمنه مستقبلاً، حيث تعتبر مصر فرصة ذهبية ورخيصة جدًا للاستثمار.
تجدر الإشارة إلى أن “أبوظبي التنموية القابضة” تأسست عام 2018 كشريك استراتيجي لحكومة أبوظبي، وتغير اسمها في 2020 إلى “إيه دي كيو”، لتضم قطاعات رئيسية في اقتصاد الإمارات وتملك 25 شركة كبرى يعمل فيها أكثر من 86 ألف موظف، وتغطي استثماراتها 132 دولة في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والأغذية، والزراعة، والرعاية الصحية، والنقل، والخدمات، والسياحة، والترفيه، والعقارات، والخدمات المالية.
تمثل “ADQ” صندوق الثروة السيادي الذي يرأس مجلس إدارته مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد، ويُدير أصولاً بقيمة 190 مليار دولار وفقاً لبيانات معهد “SWFI”.
حققت المجموعة إيرادات مجمعة بقيمة 111.7 مليار درهم (30.41 مليار دولار) لعام 2023، فيما بلغت قيمة الأصول 720.5 مليار درهم، والالتزامات 358.5 مليار درهم.