أثار استئناف حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة والضربات الأمريكية الموجهة لليمن تساؤلات فى المنطقة العربية عن الأهداف الصهيونية الأمريكية وهل تعمل الولايات المتحدة على تهجير الفلسطينيين دون اعتبار للأمن القومى للبلاد المجاورة لقطاع غزة ؟ ولماذا انقلب رئيس وزراء الاحتلال الصهيونى على اتفاق وقف اطلاق النار ورفض الدخول فى المرحلة الثانية للمفاوضات وهى التى تمسكت بها المقاومة الفلسطينية من أجل انسحاب جيش الاحتلال من القطاع .
الخبراء يرون أن الهدف من استئناف القتال هو سعى الاحتلال لمنع تنفيذ خطة إعادة إعمار غزة بعد اعتمادها من الجامعة العربية مؤكدين أن الضربات الأمريكية على اليمن كانت بمثابة ضوء أخضر للصهاينة لاستئناف القتال فى غزة.
وطالب الخبراء بموقف عربى حاسم ضد الصهاينة والأمريكان واستبدال الدبلوماسية الناعمة بدبلوماسية خشنة وتهديد المصالح الأمريكية فى المنطقة موضحين أنه بدون هذه الإجراءات لن يوقف جيش الاحتلال الحرب .
كان جيش الاحتلال الصهيونى قد استأنف الحرب على غزة، فجر الثلاثاء 18 مارس، بشن عشرات الغارات في التوقيت ذاته على مناطق متفرقة بالقطاع، ضاربًا بمفاوضات وقف إطلاق النار عرض الحائط، ما أسفر عن استشهاد نحو 600 فلسطينيً وإصابة أكثر من 450 آخرين.
مقترح ويتكوف
وكان ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط قد قدم مقترحا بعنوان “إطار عمل للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار”، ينص على تمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار لمدة 50 يومًا إضافية، مقابل إطلاق سراح 5 محتجزين إسرائيليين وعدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، على أن يضمن الوسطاء استكمال المفاوضات خلال هذه الفترة، للتوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات اللازمة لوقف دائم لإطلاق النار وتبادل ما تبقى من المحتجزين الإسرائيليين.
كما نص المقترح على أن تقوم حركة حماس في اليوم الأول من الاتفاق، بإطلاق سراح المحتجزين الخمسة، وبينهم محتجز إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية، يدعى عيدان ألكسندر، وبعد ذلك يجري الدخول في المفاوضات بشأن الترتيبات اللازمة للوقف التام لإطلاق النار ومفاتيح تبادل باقي المحتجزين.
وتضمن دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية ودخول منظمات الأمم المتحدة وغيرها، والشروع في إعادة تأهيل البنى التحتية في قطاع غزة.
وقدمت دولة الاحتلال ردها على مقترح ويتكوف، الأسبوع الماضي، مطالبة برفع عدد من سيتم إطلاق سراحهم من المحتجزين الإسرائيليين إلى 11، إضافة إلى جثامين 16 محتجزًا لقوا مصرعهم خلال الحرب، مقابل وقف لإطلاق النار مدته 40 يومًا وإطلاق سراح 120 أسيرًا فلسطينيًا محكوم بالسجن المؤبد، وأكثر من ألف أسير من قطاع غزة اعتقلوا أثناء الحرب، دون أن تكون لهم علاقة بهجوم السابع من أكتوبر 2023، و160 جثمانًا لضحايا فلسطينيين في الحرب.
إدارة غزة
فى المقابل قال عبد اللطيف القانوع الناطق باسم حركة حماس إن الحركة تناقش مقترح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وبعض الأفكار مع الوسطاء، مشيرًا إلى أن الاتصالات لم تتوقف لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار.
وأضاف القانوع، في بيان، نشرته الحركة: جاهزون لأي ترتيبات بشأن إدارة غزة تحظى بالتوافق، ولسنا معنيين أن نكون جزءًا منها.. لا طموح لدينا في إدارة غزة، وما يعنينا التوافق الوطني ونحن ملتزمون بمخرجاته .
وأكد الموافقة على تشكيل لجنة إسناد مجتمعي في غزة لا تتضمن الحركة، مشددا على ضرورة ألا تتحول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لطرف في الحرب، وإنما من المفترض أن تمارس الضغط على إسرائيل للعودة لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأشار القانوع إلى أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو المعطل للاتفاق ويقدم بقاء حكومته على حياة الأسرى .
المرحلة الثانية
من جانبه أكد الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية أن قرار رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتياهو، باستئناف الحرب على غزة الهدف منه الضغط على حركة حماس، لقبول الشروط الإسرائيلية الأمريكية في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، بالإضافة إلى هروب الاحتلال من دخول المرحلة الثانية من اتفاق غزة، لأنها تشمل استمرار وقف إطلاق النار وانسحابه عسكريًا من القطاع وفتح المعابر وبدء عملية إعادة الإعمار .
وقال «غباشي»، فى تصريحات صحفية إن هناك أهدافًا أخرى على رأسها رغبة الاحتلال في القضاء على حركة المقاومة عسكريًا وسياسيًا، بخلاف ممارسة ضغوط على جماعة الحوثي وإيران في الوقت ذاته.
واعتبر أن ما فعلته إسرائيل إجرام بكل المقاييس، مشددا على ضرورة التوصل إلى طريقة تُلزمها بالدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة وفق المراحل الثلاثة المُتفق عليها، بدلًا من الاكتفاء بالإدانات والشجب.
وأشار «غباشي» إلى أن الضربات الأمريكية التي شنتها على اليمن، هي من أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل باستئناف الحرب على غزة مطالبا بضرورة الضغط على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية للاستجابة، لمطالب وقف إطلاق النار وتنفيذ جميع مراحل اتفاق غزة .
وحذر من أنه في حال لم يتم الضغط على الصهاينة والأمريكان بأن مصالحهما ستكون مُهددة سيستمران في نقض الاتفاق بشكل أو بآخر.
وحول اعتقاد البعض أن ما يحدث بالمنطقة من ضربات أمريكية لليمن واستئناف الحرب على غزة، يمهد لخطوات أمريكية ضد إيران، قال «غباشي» إن إيران لها حسابات أخرى، وهي معقدة جدًا، لأنها تختلف عن الحوثيين وحماس وحزب الله، فهي دولة، ولذلك سيكون هناك حسابات أخرى قبل اتخاذ أي خطوة ضدها من قبل أمريكا، لافتا إلى أن إيران حذرت من أن القواعد الأمريكية ستكون مستهدفة، فى حالة اقدام أمريكا على ضربها .
وطالب بضرورة استبدال الدبلوماسية الناعمة القائمة الآن بدبلوماسية خشنة ، وإيجاد موقف عربي إسلامي قاطع يحدد آليات التعامل بشأن القضية الفلسطينية، كأن يتم التهديد بقطع العلاقات والمصالح بين الجانب العربي والأمريكي.
إعمار غزة
وقال السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية الأسبق ان إسرائيل منذ بدء توقيع اتفاق غزة، أعلنت عشرات المرات أنها لن تنفذ إلا المرحلة الأولى، واستطاعت الحكومة اليمينية الصهيونية التأثير على الإدارة الأمريكية، في التوافق معها في هذا الرأي، بما يضمن عدم انسحاب الاحتلال من غزة، بهدف منع إعادة الإعمار .
وأضاف حسن فى تصريحات صحفية أن العودة إلى الحرب سببها تحقيق عدة أهداف، أولها منع إعادة إعمار غزة وقتل الجيل الجديد من قيادات المقاومة الفلسطينية، وإطالة فترة عدم وقف إطلاق النار لإجبار الفلسطينيين على التهجير عن طريق الحرب والحصار، بدليل تواصل أمريكا مع بعض الدول لاستقبال الفلسطينيين المُهجرين، وهذه هي الخطة الأمريكية الإسرائيلية.
وأشار إلى أن دولة الاحتلال استطاعت بمساعدة المبعوث الأمريكي الذي قدم مقترحات مخالفة لاتفاق غزة، والتي عدلتها حماس، أن تبدأ تنفيذ خطتها في العودة للحرب، بحجة رفض المقترحات .
وأكد حسن أن خرق اتفاق وقف إطلاق النار واستئناف الحرب توافق عليه الولايات المتحدة الأمريكية، في سبيل تنفيذ مخطط التهجير، رغم تصريحات ترامب التي استخدم خلالها تعبيرات خادعة عندما قال: لا يرغم أحد الفلسطينيين على التهجير، إلا أن الظروف المحيطة والحصار الذي صنعته أمريكا وإسرائيل هي من تفعل ذلك، بخلاف التجويع الذي فرضته إسرائيل على أهالي القطاع.
وشدد على أن التخاذل العربي والإقليمي والدولي، أمام حصار الاحتلال لغزة على مدار 12 يوما قبل استئناف الحرب، هو من شجع الاحتلال على نقض اتفاق غزة، والانتقال إلى المرحلة الثانية التي تتمثل في قتل وتدمير القطاع، وتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين، بدليل أن نتنياهو كلف وزير الدفاع الصهيوني بعمل خطة لتهجير الفلسطينيين، وعليه تم إنشاء إدارة بالوزارة تعمل على الخطة وبدأت بالتواصل مع بعض الدول لقبول الفلسطينيين المُهجرين مقابل مساعدات ربما تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية .
واشار حسن إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، متوافقة مع إسرائيل ما يجعل من الصعب جدًا تراجع الاحتلال عن مخططاته، إلا إذا تم معاقبة إسرائيل اقتصاديا وسياسيًا وتجاريًا وإن لم تُعاقب فما هي الخسارة التي ستخسرها!