يبقى الأزهر، رغم كل الضغوط، واحدًا من المؤسسات القليلة التي لا تزال تتمتع بقدر من الاستقلال في مصر، بزمن الانقلاب العسكرى، وتملك أدواتها في مواجهة تغوّل السلطة، حين تختار تفعيلها.
وفي خطوة تعكس توجس نظام المنقلب السيسى من اتساع نفوذ الأزهر وهيئة كبار العلماء، تراجع البرلمان عن دعمه لمشروع حكومي كان يمنح دار الإفتاء ووزارة الأوقاف أدوارًا موازية في تنظيم الفتوى، ليقر في النهاية التعديلات التي اقترحها الأزهر الشريف، مانحًا المؤسسة الدينية العريقة اليد العليا في الملف.
الأزهر يفرض كلمته من جديد
شهدت الأيام الأخيرة تراجعًا مفاجئًا من البرلمان المصري عن مشروع "تنظيم إصدار الفتوى الشرعية"، وذلك بعد اجتماع طارئ لهيئة كبار العلماء، التي نجحت في فرض رؤيتها كما فعلت في عام 2020، حين أجهضت محاولة فصل دار الإفتاء إداريًا وتشريعيًا عن الأزهر.
محاولات حكومية متكررة لتقليص دور الأزهر
الصيغة الحكومية لمشروع القانون كانت تهدف إلى منح وزارة الأوقاف ودار الإفتاء سلطات مستقلة في إصدار الفتاوى، في تغييب واضح لدور هيئة كبار العلماء، ما اعتبره مراقبون جزءًا من محاولات مستمرة لتحجيم المرجعية الدينية التاريخية للأزهر.
تقدم الأزهر، عبر وكيله محمد الضويني، بتعديلات نوعية على المشروع، تضمنت منح الأزهر حق إعداد اللائحة التنفيذية للقانون، وإشراف هيئة كبار العلماء على ذلك. وتم تمرير هذه التعديلات بإجماع شبه كامل، رغم المعارضة السابقة من النواب أنفسهم.
مواقف متبدلة: الأزهري وجمعة في صف الأزهر؟
في موقف لافت، رحب وزير الأوقاف أسامة الأزهري بالتعديلات قائلاً: "يشرفني قبول مقترح الأزهر"، واصفًا الوزارة بأنها "ابنة بارة". كذلك قبل المفتي السابق علي جمعة، المعروف بقربه من أجهزة الأمن، التعديلات كاملة، وهو ما اعتبره مراقبون "تجميلًا لتراجع الدولة".
صراع المرجعية مستمر
رغم التراجع النيابي، إلا أن التوتر بين الدولة والأزهر لم ينتهِ. فالمحاولات الحكومية للسيطرة على الخطاب الديني تعود إلى عام 2017، حين رفض الأزهر توثيق الطلاق كشرط للوقوع، ما أثار خلافًا علنيًا مع الرئيس السيسي.
وفي 2020، حاولت الدولة فصل الإفتاء ماليًا وإداريًا عن الأزهر، لكنها فشلت أمام ضغط هيئة كبار العلماء.
مراقبون: معركة النفوذ لم تُحسم بعد
يرى مراقبون أن الدولة لم تنجح بعد في "هندسة الحقل الديني" لصالحها، رغم دعمها لشخصيات موالية داخل المؤسسة الدينية. ولا يزال الأزهر يتمتع برمزية دينية ومكانة تاريخية تعيق السيطرة الكاملة عليه.
ويؤكد هؤلاء أن التراجع الأخير ليس نهاية الصراع، بل هدنة مؤقتة قد تنقضّ عليها السلطة مجددًا من بوابات أخرى، مثل التشريع أو التمويل أو تحجيم التأثير المؤسسي للأزهر.