دعم أوروبي بشروط مهينة .. “قروض تغرق مصر لعقود ومشاريع ‘السبوبة’ تبتلع المليارات”

- ‎فيتقارير

 

في مشهد يتكرر كل بضعة أشهر، أعلنت سلطات الانقلاب رسميًا حصولها على قرض جديد، وهذه المرة من الاتحاد الأوروبي، الذي اعتمد البرلمان الأوروبي خلال جلسته العامة في ستراسبورج الشريحة الثانية من قرض ضخم بقيمة 4 مليارات يورو، ضمن حزمة دعم مالي كلي تصل إلى 5 مليارات يورو. ويأتي ذلك بعد اتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي وقعه الاتحاد مع مصر، والذي تبلغ قيمته الإجمالية 7.4 مليار يورو.

 

ورغم محاولات الحكومة الانقلابية تصوير الدعم الأوروبي كمؤشر على "ثقة المجتمع الدولي في الاقتصاد المصري"، يرى مراقبون وخبراء اقتصاديون أن ما يحدث لا يخرج عن كونه دوامة مديونية خطيرة، ستكبل الأجيال القادمة لعشرات السنين، دون أن تنعكس على حياة المواطنين بأي تحسن ملموس، فهذه القروض، بحسب تقارير وتحليلات متطابقة، تهدر على مشروعات "عديمة الجدوى الاقتصادية"، تخدم بالأساس شبكة من المصالح المرتبطة بقيادات في المؤسسة العسكرية، تُستخدم فيها هذه المشاريع كـ"سبوبة" لتمرير الأموال والعقود بالأمر المباشر.

 

شروط مهينة وسداد طويل الأمد

البرلمان الأوروبي نفسه لم يخفِ أن صرف القرض مشروطٌ بتنفيذ مصر لبرامج صندوق النقد الدولي، وتدابير سياسية صارمة سيتم الاتفاق عليها في مذكرة تفاهم بين الطرفين، تشمل مراقبة الأداء الاقتصادي، والتزامات بالإصلاح المؤسسي، وتحسين مؤشرات الحوكمة. كما أوضح أن القرض سيُسدد على مدى 35 عامًا، ما يعني تحميل الأعباء على ميزانيات حكومات لم تأتِ بعد، ولا شعوب لم تولد بعد.

 

ويشترط الاتفاق أيضًا تقديم مصر تقريرًا سنويًا مفصلًا عن الأوضاع الاقتصادية، ومستوى احترام حقوق الإنسان، والديمقراطية، وسيادة القانون، وهو ما يثير تساؤلات حول التناقض بين هذه الشروط، والواقع الحقوقي المتدهور في البلاد.

 

دعم أوروبي.. أم تأمين مصالحهم؟

وعلّقت النائبة الفرنسية عن حزب الشعب الأوروبي، سيلين إمارت، بأن دعم القرض يعكس تقدير البرلمان لمصر كدولة شريكة، مشيرة إلى حرص بروكسل على "رعاية مصالح الاتحاد الأوروبي في منطقة غير مستقرة". ويقرأ مراقبون هذه التصريحات على أنها اعتراف ضمني بأن المساعدات لا تستهدف مصلحة الشعب المصري بقدر ما تحمي مصالح أوروبا في ملف الهجرة والطاقة، مقابل غض الطرف عن الانتهاكات الحقوقية، وغياب المساءلة عن سلوك السلطة.

 

مشاريع عملاقة بلا عائد

منذ انقلاب يوليو 2013، دخلت مصر في دوامة قروض غير مسبوقة، تخطت بموجبها الديون الخارجية حاجز الـ170 مليار دولار، في ظل توسع غير محسوب في مشاريع عملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والقطار السريع، ومحطات التحلية، وغيرها من المشاريع التي لا تدر دخلًا إنتاجيًا حقيقيًا، بقدر ما تمثل منصات استهلاك للموارد العامة، وتفريغًا للخزينة عبر الإنفاق المفرط على المقاولات الموجهة.

 

ويتساءل خبير اقتصادي بارز ـ رفض ذكر اسمه ـ: "ما جدوى الحصول على عشرات المليارات من القروض إذا كانت تُهدر في مشاريع ترفيه لا يشعر المواطن بثمرتها؟"، مضيفًا: "نحن أمام نموذج اقتصادي يقوم على الجباية، والديون، وصفقات السمسرة، وليس على الصناعة أو التصدير أو الزراعة المنتجة".

 

"التسول المنظم" باسم الشراكة

يرى مراقبون أن النظام المصري بات يدير ملف القروض والدعم الخارجي بمنطق "التسول المنظم"، عبر استخدام أوراق مثل الأمن الإقليمي والهجرة والإرهاب، مقابل صفقات مالية تسيل لعاب المانحين، وتُستخدم لاحقًا في تكريس حكم الفرد ومكافأة شبكة المصالح الأمنية والبيروقراطية.

 

ويخلص أحد تقارير المراكز البحثية الأوروبية إلى أن "النظام المصري لا يريد إصلاحًا حقيقيًا، بل يبحث عن شرعية مالية خارجية تضمن بقاءه، بأي ثمن".

 

انفجار في الأسعار، وتدهور في الخدمات

في وقت يعاني فيه المواطن المصري من انفجار في الأسعار، وتدهور في الخدمات، وتقلص فرص العمل، تتجه الحكومة إلى تحميله المزيد من أعباء الديون طويلة الأمد، في مقابل مشاريع تتضخم ميزانياتها، وتتضاءل جدواها، في معادلة لا يبدو أن لها نهاية قريبة سوى الخراب المالي والانفجار الاجتماعي المنتظر.