آثار إعلان وزارة المالية بحكومة الانقلاب عن إصدار "صكوك إسلامية" قبل نهاية يوليو الحالي، على عدة شرائح، يُجرى تنفيذها على مستوى مرحلي حتى نهاية عام 2025، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو ملياري دولار انتقادات خبراء الاقتصاد محذرين من تفاقم أزمة الديون وعدم قدرة عصابة العسكر على السداد .
كما حذر الخبراء من خطورة انفراد مالية الانقلاب بإصدار وإدارة السندات السيادية، دون رقابة مشددة من برلمان السيسي ومشاركة البنك المركزي، على طريقة إصدارها وتوظيف عوائدها.
وأكدوا أن سندات اليورو بالعملة الأجنبية سبّبت ارتفاعاً حادّاً في إجمالي الدين الخارجي، مع ارتفاع عائد الإقراض التجاري.
وشدد الخبراء على أن معظم سندات اليورو وأدوات الدين الجديدة في الأسواق لم يتم هيكلتها بشكل سليم، ما أدى إلى تضاعف قيمتها مع ارتفاع احتمالات مخاطرها السيادية، الناتجة عن نقص خبرة مسؤولي إدارة الديون بوزارة مالية الانقلاب في التفاوض على شروط صفقات الديون، والإشراف على إصدار السندات، ولجوئهم إلى التواصل المباشر مع البنوك الاستثمارية ووكلاء التصنيف الائتماني لتكليفهم بإصدار السندات.
كانت وزارة المالية بحكومة الانقلاب قد طرحت إصدارًا من الصكوك السيادية في بورصة فيينا نهاية يونيو الماضي، بقيمة مليار دولار، في صورة طرح خاص لصالح بيت التمويل الكويتي، بأجل استحقاق مدته 3 سنوات، وبعائد سنوي 7.87%.
ويُعد هذا الطرح هو الثاني من نوعه، مع توقعات بتحويل ودائع الكويت المباشرة لدى البنك المركزي، البالغة 4 مليارات دولار، إلى صكوك سيادية.
ويأتي ذلك في إطار برنامج دولي لإصدار صكوك سيادية بقيمة 5 مليارات دولار، بدأ أول إصدار منه عام 2023.
كما لجأت مالية الانقلاب إلى إصدار سندات بفائدة مرتفعة تجاوزت 11%، بقيمة 1.5 مليار دولار، خلال الفترة من 2022 إلى 2024، لمساعدتها في سداد ديون خارجية تُقدّر بنحو 21 مليار دولار، بنهاية يونيو الماضي .
أسواق المال
في هذا السياق، قال الدكتور رشاد عبده استاذ التمويل والاستثمار بالجامعات المصرية إن إصدار سندات اليورو والمصدرة بعملات أجنبية يحتاج إلى هندسة مالية متقدمة، تتضمن نماذج التسعير وفهمًا عميقًا لأسواق المال، ومهارات في السياسات العامة، بما في ذلك إدارة الديون، وتحليل المخاطر، ومعالجة معاملات الديون.
وكشف عبده فى تصريحات صحفية أن مسؤولي الديون السيادية يُجرى تهميشهم في مفاوضات إصدار السندات الدولية وعمليات تنفيذها، حيث تقتصر مهمتهم على الدعم الإداري للوزير المختص، الذي ينفرد بالقرار لإتمام مهمته بأسرع وقت، في عملية قانونية معقدة.
وحذّر من تجاهل المسؤولين عن إصدار السندات لقواعد الشفافية وآلياتها، ما يؤدي إلى عقود غير تنافسية وغامضة تصب في صالح المستثمرين والبنوك الذين يفضلون التعامل مع الوزراء لتسريع توقيع صفقات الإصدار، التي قد تُقبل بشروط مجحفة لدولة العسكر .
وأشار عبده إلى أن مخاطر إصدار السندات باليورو وأدوات الدين بالعملات الأجنبية تتفاقم بسبب غياب الفصل بين دور الوزير مخططاً ومفاوضاً وصاحب التوقيع، وتغييب دور الأجهزة الرقابية والصحافة والمجتمع المدني في مساءلة قرارات الدين العام، التي يتحمل تبعاتها المجتمع بأسره.
وأوضح أن القرار التنفيذي والتفاوض على أسعار السندات الدولية والشروط والتوقيت يتم داخل مكتب الوزير المختص، ويُحال في النهاية مباشرة إلى مكتب وزير مالية الانقلاب .
واستبعد عبده أن يكون لبرلمان السيسي دور في الرقابة على إصدار الصكوك السيادية، لأنه يتشكّل عبر تحالفات بين حكومة الانقلاب والأجهزة التنفيذية التابعة لها، مما أفقده القدرة على الرقابة، واقتصر دوره على اعتماد القروض الناتجة عن إصدار السندات في السوق الدولية.
وأشار إلى أن توصيات برلمان السيسي بشأن توظيف عوائد السندات السيادية والقروض الموجهة للمشروعات الحكومية والعامة تظل غير ملزمة لحكومة الانقلاب التي تروّج إنجازاتٍ اقتصاديةً لا يلمسها المواطنون على أرض الواقع.
توريق الأصول
ودعا الخبير الاقتصادي هاني توفيق حكومة الانقلاب إلى عدم التعويل على بيع أدوات الدين الحكومية والأموال الساخنة لتوفير النقد الأجنبي، معتبرًا توريق الأصول عبر إصدار السندات السيادية من السياسات الجيدة لتدبير العملة الصعبة، بشرط توظيف تلك العوائد في إقامة مشروعات إنتاجية مدرة للعائد، بدلًا من توجيهها لسداد ديون أخرى، بما يُدخل البلاد في دائرة ديون غير منتهية ومتصاعدة القيمة، بسبب الأعباء المترتبة من فوائد الدين وخدماته.
وطالب توفيق في تصريحات صحفية حكومة الانقلاب بضرورة التركيز على تذليل المعوقات التي تواجه المستثمرين، مؤكدًا أن جذب الاستثمارات الخارجية والمحلية هو المنقذ الوحيد للبلاد من حافة الإفلاس، التي نعيشها منذ فترة.
عاجزة عن السداد
وأكد الخبير الاقتصادي زهدي الشامي أن دولة العسكر تسلك طريقًا واضحًا في الاعتماد المتزايد على بيع الأصول كحل مؤقت لأزمة الديون المتفاقمة.
وقال الشامي فى تصريحات صحفية: دولة العسكر تسير في سكة الديون الكبيرة التي أصبحت عاجزة عن سدادها في أوقاتها المحددة، والحل الذي تلجأ إليه هو الاستغناء عن الأراضي المملوكة للدولة لصالح مستثمرين من دول الخليج، كما حدث في رأس الحكمة، وما أثير عن المنطقة الاقتصادية الخاصة بقناة السويس.
وأوضح أن دولة العسكر تتحرك في هذا الاتجاه تحت مسميات مختلفة، سواء بيع أو حق انتفاع، لكن النتيجة واحدة، أراضي مصر تُخصص لصالح شركاء أجانب، ولن يجدي هذا نفعًا ما دامت السياسات الاقتصادية الخاطئة مستمرة، دون معالجة حقيقية للأزمات أو مراجعة للنهج القائم.
وأشار الشامي إلى أن دولة العسكر تربط مباشرة بين بيع الأرض وسداد الديون، لأنها دولة مديونة وعاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، محذرا من أن هذه السياسات تفتح الباب واسعًا لتساؤلات خطيرة حول تهديد الأمن القومي، خصوصًا أن الأراضي المستهدفة بالتخصيص غالبًا تكون في مناطق استراتيجية، وتذهب لمستثمرين من دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، التي أصبحت منافسًا اقتصاديًا لمصر.
واعتبر أن وجود مستثمرين أجانب في الموانئ على سبيل المثال يشكل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي، لا سيما في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة والحروب الدائرة.