حريق سنترال رمسيس يفضح هشاشة البنية التحتية الرقمية وتواطؤ النظام العسكري في مشهد يكشف هشاشة دولة العسكر وفشلها الذريع في إدارة الأزمات، التهمت النيران مساء الإثنين الماضى الطابق السابع من مبنى "سنترال رمسيس" التاريخي، أحد أعمدة الاتصالات في مصر، لتتسبب في كارثة رقمية شلت قطاعات حيوية، من الإنترنت والبنوك إلى البورصة والطيران.
ورغم أن المبنى، الذي يعود تاريخ إنشائه لعام 1927، يمثل "العقل المدبر" للبنية التحتية الرقمية بالعاصمة، فإن النظام الحاكم ظهر عاجزًا عن حماية ما تبقى من مقدرات الدولة، مكتفيًا بإرسال قوات الحماية المدنية التي أخفقت في السيطرة على الحريق إلا بعد ست ساعات كاملة.
خسائر فادحة وضحايا بشرية والنظام يتكتم بينما تصاعد الدخان الأسود من قلب القاهرة، أعلن عن مصرع أربعة موظفين وإصابة 14 آخرين من العاملين بالموقع، وسط تكتم رسمي على حجم الخسائر الاقتصادية، التي قد تتجاوز عشرات الملايين من الجنيهات وفق تقديرات خبراء.
في المقابل، تعطلت أكثر من 40% من حركة الإنترنت والاتصالات الأرضية بالقاهرة الكبرى، وخرجت خدمات الدفع الإلكتروني عن الخدمة، فيما شُلت أنظمة البورصة المصرية لأول مرة منذ 2011، ما دفع إدارتها لتعليق التداولات بشكل غير مسبوق لأسباب تقنية.
لماذا لم يتدخل الجيش؟
ورغم امتلاك الجيش المصري أسطولاً من الطائرات القادرة على الإطفاء، لم تُحرك القيادة العسكرية ساكنًا، الأمر الذي أثار موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل مصريون: "لماذا تدخلت طائرات السيسي لإطفاء حرائق إسرائيل عام 2019، ولم تتحرك لحماية شريان اتصالات مصر؟" انهيار خدمات حيوية وتعطيل الطوارئ الحريق امتد تأثيره إلى تعطيل خطوط الإسعاف والطوارئ، وتأثرت كذلك شبكات الإعلام ومدينة الإنتاج الإعلامي، ما أدى لاضطراب محدود في البث لبعض القنوات.
وحتى مع محاولات التحويل إلى سنترالات بديلة، استمرت المعاناة لساعات طويلة، ما يعكس غياب أي خطة طوارئ حكومية لمواجهة مثل هذه الكوارث.
مطالب بالتحقيق ومساءلة الوزير تحت ضغط برلماني وشعبي، اضطر مجلس النواب لاستدعاء وزير الاتصالات عمرو طلعت بشكل عاجل، حيث أقر مسؤولون بوجود "أخطاء جسيمة" في إدارة الأزمة، فيما طالب نواب مستقلون بفتح تحقيق شفاف حول أسباب اندلاع الحريق ومن يتحمل المسؤولية عن انهيار الخدمات.
بين الفشل والتكتم
هل هناك أسرار مخفية؟ اللافت أن الشركة المصرية للاتصالات (WE) لم تصدر بيانًا تفصيليًا عن حجم الأضرار أو الخطط لتعويض المتضررين، فيما تحدث مراقبون عن "خسائر غير معلنة" تمس تجهيزات فنية ووثائق تشغيلية قد تشل قطاعات كاملة لشهور.
أزمة تكشف دولة هشة الحادث أعاد للأذهان مخاوف خبراء الاقتصاد الرقمي من تركيز البنية التحتية في نقاط محدودة دون توزيع جغرافي ذكي، ما يجعل البلاد عرضة للشلل في حال تعطل مركز رئيسي واحد، وفي وقت يُترك فيه "العقل المدبر" للاتصالات ليحترق، يتساءل المصريون: هل مقدرات مصر أقل قيمة عند السيسي من أراضي إسرائيل؟ أم أن النظام العسكري لا يعبأ سوى بحماية مصالحه، ولو على حساب دولة بأكملها؟