رغم مرور أيام على حريق سنترال رمسيس الكارثي في قلب القاهرة، لا تزال خدمات الإنترنت والاتصالات تعاني شللًا واسعًا، مع إعلان مصدر مطلع بوزارة الاتصالات عن عدم عودة الشبكات إلى عملها الكامل قبل نهاية الأسبوع الجاري، نتيجة تجدد الحرائق بالمبنى الخميس الماضي.
أزمة تتجدد.. ولا حلول جذرية
الحريق الذي اندلع أولًا يوم الاثنين الماضي تسبب في تلف كابلات رئيسية وسيرفرات حيوية، وامتد الدخان الكثيف ليعطل حركة المرور والاتصالات والخدمات الرقمية. ومع تجدد النيران بعد أيام، تعطلت جهود استعادة الخدمة بالكامل، لتتضح هشاشة البنية التحتية الرقمية في البلاد.
ورغم تصريحات المسؤولين عن “تعافي شبه كامل” لشبكة المصرية للاتصالات، إلا أن عملاء فودافون وأورنج و&E ما زالوا يواجهون انقطاعًا واسع النطاق.
مجلس نواب بلا جدوى.. والحكومة في موقف دفاعي
في مشهد متكرر يعكس غياب الشفافية، قرر مجلس النواب بسلطة الانقلاب استدعاء وزير الاتصالات لاجتماع عاجل للرد على استفسارات النواب، بينما اكتفى وزير الشؤون النيابية المستشار محمود فوزي بالقول إن “قطع الخدمة كان اختياريًا”، دون أي اعتراف رسمي بالتقصير أو إعلان عن خطة طوارئ واضحة.
في المقابل، أشار مركز “مسار” الحقوقي إلى ضرورة إجراء مراجعة شاملة للبنية التحتية الرقمية التي وصفها بـ“الهشة”، محذرًا من تكرار مثل هذه الكوارث في غياب استراتيجية وطنية حقيقية للأمن الرقمي.
خسائر بالمليارات.. وصمت حكومي على التعويضات
اتحاد مستثمري المشروعات الصغيرة والمتوسطة قدّر خسائر انقطاع الإنترنت والاتصالات بنحو 20 إلى 30 مليار جنيه، مطالبًا الحكومة بصرف تعويضات عاجلة لصغار المستثمرين الذين شُلّت أعمالهم بسبب توقف الخدمات المالية الرقمية والتعاملات الإلكترونية.
نظام جباية لا دولة مؤسسات
الحادث يعكس فشلًا متكررًا لنظام السيسي في إدارة الأزمات، حيث ينشغل النظام بفرض المزيد من الرسوم والجبايات على المواطنين – من كروت الشحن إلى الضرائب على خدمات الإنترنت – بينما يغيب الاستثمار الجاد في تطوير البنية التحتية، أو وضع خطط طوارئ لمواجهة الكوارث.
بل إن تصريح الوزير بأن “قطع الخدمة كان اختياريًا” يثير المخاوف من أن الحكومة قد تستخدم مثل هذه الأعطال كأداة للسيطرة على الفضاء الرقمي أو التغطية على إخفاقات تقنية.
دروس من الجوار.. مقارنة تكشف الفارق
في المقابل، تكشف مقارنة بسيطة مع دول مجاورة حجم التراجع المصري:
الإمارات نجحت خلال أزمة حريق مماثل في أحد مراكز البيانات بدبي عام 2021 في إعادة تشغيل 85% من الخدمات خلال 12 ساعة فقط، بفضل نظام إنذار مبكر وتوزيع الأحمال على مراكز بيانات احتياطية.
السعودية أعادت تشغيل خدمات الاتصالات بعد عاصفة السيول بجدة خلال 24 ساعة عبر خطط طوارئ مُسبقة وتعاون بين القطاعات المدنية والعسكرية.
حتى الأردن تعامل مع انهيار شبكة اتصالات جزئي عام 2020 بإعادة توزيع الشبكات مؤقتًا لتقليل أثر الانقطاع على المواطنين والشركات.
أما في مصر، فإن غياب التخطيط، والاعتماد المفرط على مركزية الخدمة من جهة واحدة، وغياب استثمارات حقيقية في الأمن الرقمي، يجعل كل حريق أو عطل بمثابة كارثة وطنية تهدد الاقتصاد والمجتمع.
أزمة تكشف أولويات السلطة
السلطة التي تنفق المليارات على “عواصم إدارية” ومشاريع رفاهية، وتفرض ضرائب على كل خدمة رقمية، لم تخصص جزءًا كافيًا من هذه الأموال لصيانة الشبكات الوطنية أو بناء مراكز بيانات احتياطية. والنتيجة أن ملايين المصريين عالقون بين نظام يفرض الجباية بلا خدمات وبين قطاع خاص متضرر بشدة من الانقطاع.