السيسي بين مطرقة صندوق النقد وسندان الجيش: إصلاحات انتقائية تترك الشعب يدفع الثمن

- ‎فيتقارير

 

في تقريره الأخير الصادر منتصف يوليو الجاري، كشف صندوق النقد الدولي عن فجوة متسعة بين ما تطالب به المؤسسة الدولية من إصلاحات شاملة، وما ينفذه نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي على أرض الواقع. وبينما يسارع النظام إلى تطبيق السياسات الأكثر وطأة على المصريين – من إلغاء الدعم، وتحرير أسعار الطاقة، وتعويم الجنيه – فإنه يتباطأ بشكل لافت في الاستجابة للمطلب المحوري للصندوق: تقليص هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد.

 

التقرير، وهو المراجعة الرابعة لاتفاق قرض بقيمة 8 مليارات دولار، لم يُخفِ انتقاداته الحادة لهيمنة الجيش على الاقتصاد، محذرًا من أن هذه السيطرة «تخنق القطاع الخاص» و«تعيق خلق فرص العمل»، في إشارة إلى اقتصاد يحتضر بفعل تضخم الأجهزة السيادية على حساب المواطن العادي.

 

الصندوق كشف أن القوات المسلحة المصرية تمتلك 97 شركة، بينها 73 في القطاع الصناعي، وتسيطر على حصص سوقية تصل إلى 36% في مجالات مثل الرخام والجرانيت والإسمنت والصلب. وبلهجة غير معتادة، أشار إلى أن هذه الشركات «تتمتع بامتيازات تنافسية غير عادلة»، مثل الإعفاءات الضريبية واستخدام المرافق مجانًا، ما يثني المستثمرين عن دخول الأسواق التي يحتكرها الجيش.

 

ورغم موافقة الحكومة على طرح شركات مملوكة للجيش – مثل وطنية للبترول وصافي للمياه – في البورصة، فإن عمليات البيع تعثرت مرارًا، وهو ما اعتبره التقرير سببًا رئيسيًا لتراجع حصيلة الخصخصة من 3 مليارات دولار إلى 600 مليون دولار فقط في السنة المالية الماضية.

 

في المقابل، لم يتردد النظام في تمرير قرارات موجعة اجتماعيًا، مثل تخفيض دعم الطاقة، وزيادة الأسعار، وتعويم الجنيه أكثر من مرة منذ 2016. الصندوق نفسه أوصى مجددًا «بالحفاظ على مرونة سعر الصرف» وهو ما يفتح الباب أمام موجة جديدة من تراجع قيمة الجنيه وارتفاع الدولار، خاصة مع استمرار مصر في مواجهة فجوة تمويلية تقدر بـ5.8 مليارات دولار العام المقبل.

 

هذا التناقض الصارخ بين سرعة تنفيذ الإجراءات التي تطحن الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والتباطؤ في كبح جماح الجيش الاقتصادي، يعكس – وفق خبراء – حسابات سياسية دقيقة لدى السيسي. فبينما يمكن للنظام أن يتحمل سخط شعبي متصاعد بفعل الغلاء، إلا أن أي مساس بمصالح المؤسسة العسكرية قد يثير ارتدادات خطيرة داخل النظام نفسه، وربما يقوض استقرار حكمه.

 

في الخلفية، يظل المشهد الاقتصادي المصري قاتمًا: ديون خارجية مرشحة لتجاوز 202 مليار دولار بحلول 2032، وعجز مزمن في النقد الأجنبي يدفع الحكومة لبيع أصول الدولة وحتى أراضٍ لمستثمرين أجانب لسد الفجوات التمويلية. ومع ذلك، يبقى الجيش «دولة داخل الدولة» كما وصفه الصندوق، يرفض التفريط في إمبراطوريته الاقتصادية.

 

المفارقة الأكبر أن الشعب المصري يُترك وحيدًا لتحمل كلفة هذه الإصلاحات الجزئية، التي تطبق دائمًا على الفئات الأضعف، فيما يظل جوهر الأزمة – احتكار الدولة ومؤسساتها السيادية للاقتصاد – بلا علاج، فقط لأن كسر هذا الاحتكار قد يعني بالنسبة للنظام مجازفة أكبر من أن يتحملها.