أطاحت ما يسمى "الهيئة الوطنية للإعلام" بأَيمن عبد المجيد من رئاسة رئيس تحرير بوابة روزاليوسف جراء ما اعتبرته الهيئة "خطأ مهني جسيم" في تقرير نشر على الموقع الإلكتروني بعنوان: "مسجد رابعة العدوية في القاهرة"، ووصف التقرير (الذي يبدو أن عبدالمجيد مرره) ما حدث في مصر بأنه انقلاب عسكري ضمن سرديات الموقع.
وتضمن التقرير عبارة خاطئة حول اعتصام رابعة وإغلاق المسجد بعد الفض، تم تداولها داخل دوائر صحفية قبل أن يُحذف النص بعد أن مضى عليه أكثر من ثلاثة أشهر دون مراجعة دقيقة.
وعين الصحفي أيمن عبدالمجيد عضو منتخب بمجلس نقابة الصحفيين في أبريل 2024 وأُطيح به في 16 يوليو 2025، بعد قرار الهيئة الوطنية للصحافة في مصر تعيين أحمد نصر السيد إمبابي رئيسًا لتحرير بوابة روز اليوسف الإلكترونية بدلاً من أيمن عبد المجيد محمد عبد المجيد.
ولم يُسجّل سابقًا أن أيمن عبد المجيد ارتكب خطأ مشابها بهذا الحجم أو أدى إلى فقدانه منصبًا آخر، رغم أنه رُقّي إلى رئيس تحرير جريدة روز اليوسف الأسبوعية، وتم ضم بوابة ومطبوع المؤسسة تحت إشرافه، ما يشير إلى ثقة مصداقية مرتفعة في تلك المرحلة.
https://twitter.com/moashoor/status/1946646334242767141
وفي التحقيق أشار صحفيون إلى تداول داخلي ومراقبة صحفية قبل اكتشاف الخطأ، في حين أنه سجله المهني يعتمد على ثقة في فترته السابقة واستدراكا "لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها أيمن عبد المجيد لمساءلة، لكنها تعتبر المرة الوحيدة المعروفة بعلنية الخطأ كبيرة الأثر، والتي أدّت إلى تغيير رسمي في موقعه".
.
وداخل روزاليوسف سبق أن أحيل رئيس تحرير مجلة روزاليوسف للتحقيق في يونيو 2020، بعدما قررت الهيئة الوطنية للصحافة إحالة رئيس تحرير المجلة إلى التحقيق بسبب ما ورد على غلاف أحد الأعداد من إساءة للكنيسة، وتم وقف المحرر المسؤول عن الملف القبطي حتى انتهاء التحقيقات، كما أمرت المجلة بالاعتذار رسميًا للكنيسة في العدد التالي.
ومع تعيين نصر إمبابي عين بالتزامن؛ محمود صبري أحمد محمود رئيسًا لتحرير مجلة الأهرام الرياضي، وأحمد محمود هاشم خليفة لمجلة آخر ساعة، ومصطفى يس عبد الرحيم محمد لجريدة عقيدتي، لأسباب إدارية أو بلوغ سن المعاش.
حالات مماثلة
وفي الصحف والمجلات الحكومية، خلال السنوات الـ11 الماضية (2014–2025)، وقعت حالات متعددة من الإطاحة أو الإبعاد أو التحقيق مع رؤساء تحرير صحف ومجلات حكومية في مصر، بسبب: أخطاء مهنية جسيمة، وتجاوزات تحريرية أو سياسية، وصدام مع تعليمات "الهيئة الوطنية للصحافة" أو "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، وتغييرات إدارية "تحت غطاء التطوير" وكانت في جوهرها عقابية.
وقالت مراقبون: إن "الإقالات زادت بعد إنشاء "الهيئة الوطنية للصحافة" في 2017، واعتمدت في التحقيق والإقالة على؛ أخطاء تحريرية، ومواد محرجة للسلطات، ملفات ثقافية حساسة، فكانت العقوبة بين الإقالة، والاستبدال، والنقل الإداري بلا أسباب معلنة، وهو ما يعني أمرين غياب الشفافية، حيث يغيب عن المتابعين السبب الحقيقي رسميًا، تجت زعم التطوير".
وأقيل محمد شعير من رئيس تحرير “أخبار الأدب” (2016) لسبب غير معلن، قال زملاؤه :إنه "نشر موضوعات ذات صبغة يسارية ونقدية للسلطة، وأثار الملف الثقافي حول "ماركس" ونقد السياسات الاقتصادية حينها توترًا، رغم الشعبية الثقافية للمجلة".
وأوقف في 2017 رئيس تحرير “الأهرام الرياضي لنشر صورة ومانشيت اعتُبر مهينًا لرئيس اتحاد الكرة أو جهة سيادية ضمن تقرير صدر بـ"عنوان ساخر" عن إدارة اتحاد الكرة، فتم سحبه.
وفي 2019 أبعد رئيس تحرير روزاليوسف اليومي وهو شخصية صحفية بارزة قالت تسريبات: إنه "نشر مقالا جريئا عن أداء الحكومة بنقد للموازنة".
وفي 2020 أوقفت الهيئة الوطنية نشر “عدد الأهرام المسائي” قبل صدوره بسبب عنوان رئيسي “غير منضبط سياسيًا” حول ملف اقتصادي حساس، أقيل على إثرها؛ مدير التحرير المسؤول، وتوجيه إنذار داخلي لرئيس التحرير.
وأجرت الهيئة الوطنية للصحافة تحقيقا مع رئيس تحرير مجلة "الإذاعة والتلفزيون" في 2022، بسبب نشر ملف يحمل تلميحات سياسية غير مرغوبة خلال فترة شديدة التوتر (قبل الانتخابات الرئاسية)، وإن كان الناشر خضع للتحقيق النقابي والإداري دون إقالة فورية. ولاحقا في العام 2023 -2024 غيرت الهيئة رئاسة تحرير مجلتي "الهلال" و"الإذاعة والتلفزيون".
ومن بين إقالاتها غير المبررة، لحقت برئيس التحرير بالأهرام(حتى ديسمبر 2024): علاء ثابت (علاء الدين كمال ثابت)، ضمن تغييرات الهيئة الوطنية للصحافة.
ومن الأهرام أيضا أقيل في عام 2021، عبد الناصر سلامة رئيس التحرير الأسبق لجريدة الأهرام، ثم اعتقل بعد التحقيق معه بتهم تتعلق بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة"، وهو كان قُيل إنه تم تعيينه أثناء فترة حكم الإخوان وعزل لاحقًا بشروط قانونية!
وفي صحيفة الأخبار وأخبار اليوم، جرت تغييرات في قيادات التحرير بلا إعلان لأسماء رؤساء التحرير مباشرة من الهيئة، مع تغييرات شملت جريدة الأخبار وآخر ساعة وأخبار الحوادث وأخبار الرياضة، كما لم تبرز حالة فتح تحقيق علني، لكنها طويت كجزء من التحديث الدوري لهياكل العمل التحريري في المؤسسة.
وعيّن عبد الرازق توفيق رئيسًا لتحرير صحيفة الجمهورية الرئيسية، وكذا رؤساء تحرير لمجلات "المساء"، و"حرية" وغيرها، ضمن تغييرات عامة داخل مؤسسة الجمهورية. ولم تُظهر المصادر وجود حالات إقالة بسبب أخطاء مهنية علنية، بل كانت تغييرات إدارية دورية.
وفي دار الهلال (مجلات "المصور" و"حواء" و"الكواكب") عينت قيادات جديدة ففي مجلات: المصور (رئيس التحرير أحمد أيوب)، حواء (سمر الدسوقي)، الكواكب (محمد المكاوي)، ومجلات أخرى ضمن تغييرات داخل الهيئة والنظام الإداري لمؤسسة الهلال
ووفق مؤشر حرية الصحافة لمنظمة (صحفيون بلا حدود) Reporters Without Borders (RSF) ، تصنّف مصر ضمن أكثر الدول قمعًا للصحافة، في المركز 170 من أصل 180 في عام 2024 و2025
ورصد المؤشر غياب التنوع الإعلامي، حيث الصحف الكبرى مثل "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" مملوكة بالكامل للدولة أو لجهات موالية لها، كما تعيين رؤساء التحرير يتم عبر هيئات سياسية وليس عبر آليات مهنية، مما يقضي عمليًا على استقلال التحرير.
وقال تقرير حقوقي حول الفترة بين مايو 2023 ومايو 2024 سجل 367 انتهاكًا لحقوق الإعلاميين والصحفيين في مصر رصدت منظمة (People in Need) من بينها حالات فصل أو ضغط إداري أو براءات اختلاق لإجبار الصحفيين على الخضوع، كما يشير التقرير إلى أن الخوف يولّد رقابة ذاتية واسعة.
وكشف تقرير للمجلس الأطلسي في تقرير بعنوان "Dismissals and Convictions Plague Egyptian Media" أن رئيس تحرير "الجمهورية" السابق (جمال عبد الرحيم) أقيل من منصبه، بسبب نشر خبر كاذب يتعلق بقيود على سفر قيادات عسكرية، وتمت الإقالة بناءً على قرار سياسي وليس تقييم مهني مستقل.
هذا فضلا عن المداهمات واستهداف مستقلين، كما حدث مع موقع "مدى مصر" الذين استهدفت الأجهزة صحفييها ومواردها الإعلامية المستقلة، تعكس استراتيجية القمع الشامل لغير الخاضعين للخط التحريري الرسمي.
وكانت خلاصة المراقبين أن الدولة ممثلة بالأجهزة الأمنية تتدخل في تعيينات رؤساء التحرير وإقالتهم، وليس عبر قرارات مهنية مستقلة، مما يفقد الصحفي البيئة الأمنة للعمل، ويظل مهددا بالتضييق قانوني، أو الاعتقالات كما في حالة عبد الناصر سلامة او الاستدعاء كما في حالة منة عطا الله لتصبح هذه الاجراءات بعيدة عن القرارات التنظيمية الفنية البحتة، قريبة من أدوات رقابية أمنية لضبط "الخطاب الإعلامي".
يشير المراقبون إلى أن الدولة تمارس "رقابة ناعمة" قوية، عبر التهديد بالفصل أو النقل الإداري في حال تجاوز "الخطوط الحمر" الحكومية ليكشف أن ما حدث مع أيمن عبد المجيد وغيرها من تغييب الاستقلال المهني الحقيقي يُعد امتدادًا مباشرًا للنمط العام المستمر في مصر منذ سنوات، ولا يقتصر على حالة واحدة مثير للصدفة بظل ضعف التفاعل المجتمعي، واستدعاء نمط متكرر للتحكم في المناصب الإعلامية الرسمية عبر قرارات واجهتها "الهيئة الوطنية للصحافة"، ما يولّد رقابة ذاتية قوية، قد تكون أقوى من الرقابة المباشرة.