كشفت الأرقام الصادرة عن منظمات دولية وأوروبية، عن فشل نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي فى منع الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلى آوروبا رغم إعلان السيسي أكثر من مرة عن نجاحه المزعوم فى منع المهاجرين غير الشرعيين من الوصول إلى الدول الآوروبية
وأكدت المنظمات الدولية والآوروبية أن هناك تصاعد مستمر في أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من مصر، مشيرة إلى أنه في عام 2022، وصل عدد المصريين الذين عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا بطريقة غير قانونية إلى أكثر من 21,700 مهاجر، ما وضع مصر ضمن قائمة الدول العشر الأعلى في تصدير المهاجرين غير النشرعيين
كانت وكالة فرونتكس الأوروبية ووزارة الداخلية الإيطالية قد أعلنت عن رصد ارتفاع ملحوظ فى حركة الهجرة غير الشرعية القادمة من مصر نحو إيطاليا خلال السنوات الماضية ، مدفوعة بالأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة التى تشهدها البلاد فى زمن العسكر
وقالت الداخلية الإيطالية ان عدد المصريين الذين عبروا البحر المتوسط إلى إيطاليا. في عام 2022، وصل لنحو 20 ألف شخص، وارجعت هذا الارتفاع إلى تفاقم الأزمات المحلية، من تراجع قيمة الجنيه إلى ارتفاع معدل البطالة.
عصابة العسكر
حول هذه الأزمة قال نور خليل، المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين إن عمليات الترحيل التي يتعرض لها مصريون من إيطاليا أو دول أوروبية أخرى أصبحت تأخذ أشكالًا متعددة ومعقدة، تهدف في مجملها إلى الالتفاف على القوانين الدولية، وحرمان الأشخاص من حقوقهم الأساسية وعلى رأسها الحق في اللجوء. موضحًا أن هناك عدة أنواع من عمليات الترحيل الجارية حاليًا، أبرزها تلك المرتبطة بالاتفاق بين إيطاليا وألبانيا، والذي ينص على إنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين على الأراضي الألبانية، يتم تسويقها إعلاميًا باعتبارها “مراكز استقبال”، بينما هي في الواقع عبارة عن سجون مغلقة محرومة من أدنى معايير حقوق الإنسان.
وأكد خليل فى تصريحات صحفية أن الترحيل لا يقتصر على المصريين، بل يشمل جنسيات أخرى مثل التونسيين، في إطار توجه أوروبي أشمل يستهدف الحد من الهجرة، وحرمان الأفراد من طلب اللجوء، سواء عبر مراكز المعالجة الخارجية، أو من خلال القوائم التي تُسمى “قوائم الدول الآمنة”. وهو مفهوم غير قانوني، لأن القانون الدولي يشترط دراسة كل طلب لجوء على حدة، حيث إن الخطر يختلف من شخص لآخر، حتى داخل نفس الدولة. ما قد يكون آمنًا لرجل بالغ، قد لا يكون آمنًا لامرأة أو لأشخاص من الأقليات الدينية أو العرقية أو لأصحاب الرأي المعارض.
وأشار إلى أن الحكومة الإيطالية تتبع عدة وسائل لتسريع إجراءات الترحيل، منها ما يسمى بالمعالجة الخارجية في مراكز خارج إيطاليا، ومنها الإجراءات السريعة داخل الأراضي الإيطالية، التي لا تمنح الشخص الوقت الكافي لجمع الأدلة أو الحصول على مساعدة قانونية حقيقية، وهو ما يؤدي إلى رفض أغلب طلبات اللجوء من المصريين، حيث أن أقل من 5% فقط من الطلبات المقدمة خلال السنوات الثلاث الماضية تم قبولها.
وكشف خليل أن عصابة العسكر متورطة في هذا الملف، حيث تتعرض الغالبية العظمى من المرحلين لانتهاكات جسيمة عند عودتهم، تبدأ من اتهامهم بقضايا تهريب، حتى لو سبق لهم قضاء أحكام في أوروبا مرتبطة بنفس الاتهامات، فضلًا عن تعرضهم لظاهرة “التدوير”، أي الزج بهم في قضايا جديدة بنفس التهم، لضمان استمرار احتجازهم. لافتا إلى أن سلطات الانقلاب تستخدم الأرقام المرتفعة لحالات القبض على المهاجرين كمؤشر لترويج كفاءة أجهزتها الأمنية أمام الجهات الممولة، سواء الاتحاد الأوروبي أو غيره، رغم أن أغلب المقبوض عليهم ليسوا مهربين فعليين، بل مهاجرين تم إجبار بعضهم على قيادة القوارب مقابل إعفائهم من دفع تكاليف الرحلة.
جريمة مكتملة الأركان
وأضاف : في إيطاليا مثلًا، هناك مصريون قضوا ست سنوات في السجون بتهم التهريب، وبعد انتهاء محكوميتهم تم احتجازهم في مراكز الترحيل سيئة السمعة مثل “سي بي آر”، وتم الضغط عليهم لتوقيع أوراق عودة طوعية رغم عدم رغبتهم في ذلك، ليجدوا أنفسهم بعد الترحيل متهمين مجددًا بنفس القضايا في دولة العسكر، ويتم تدويرهم في قضايا مختلفة بنفس التهم.
ولفت خليل إلى أن هناك مصريين حصلوا على أحكام بالسجن وصلت إلى آلاف السنين، في محاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة، حيث يتم استهداف المصريين على متن القوارب بشكل عنصري، والتحقيق معهم لمجرد جنسيتهم، وسط غياب الترجمة أو الدفاع القانوني.
وأكد أن الاتفاقيات الأوروبية التي يتم ترويجها مع عصابة العسكر، خاصة المتعلقة بجعلها دولة “هاب”، أي مركز لإعادة المهاجرين غير الشرعيين سواء المصريين أو من جنسيات أخرى، تعيد إلى الأذهان النموذج الألباني الذي تطبقه إيطاليا، وهو ما يكرس لانتهاكات واسعة بحق هؤلاء الأشخاص. لافتًا إلى أن دولة العسكر، وفق تقارير الأمم المتحدة، تشهد انتهاكات ممنهجة في مراكز الاحتجاز وأقسام الشرطة، تشمل التعذيب والمعاملة القاسية، ما يجعل ترحيل أي شخص إليها من دول أوروبية مخالفة صريحة للقوانين الدولية، خاصة الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب.
ووصف خليل ما يحدث بأنه جريمة مكتملة الأركان، تبدأ من البحر ولا تنتهي بالترحيل، بل تتواصل بانتهاكات واسعة في دول الوصول، وعلى رأسها دولة العسكر، وكل ما نملكه الآن هو فضح هذه السياسات وكشف تفاصيلها للرأي العام .
الوضع الاقتصادي
وأكد أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور كريم العمدة ، أن الهجرة غير الشرعية باتت ظاهرة واسعة الانتشار في القارة الإفريقية، ولا تقتصر أسبابها على العوامل الاقتصادية فحسب، بل تتداخل معها أزمات أخرى مثل الحروب والنزاعات السياسية والاضطهاد بأنواعه المختلفة، ما يدفع الآلاف للمغامرة بحياتهم عبر طرق هجرة غير قانونية بحثًا عن واقع أفضل.
وقال العمدة فى تصريحات صحفية إن الوضع الاقتصادي في زمن الانقلاب لا يبشّر بحلول قريبة تُخفف من معاناة الشباب، مشيرًا إلى أن ضيق الفرص، وارتفاع تكاليف المعيشة، يدفع كثيرين للتفكير في الهجرة كخيار قائم، حتى وإن كان محفوفًا بالمخاطر.
وأشار إلى أن دراسات دولية أظهرت أن المصريين يمثلون نسبة مؤثرة من المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط، لا سيما عبر السواحل الليبية، وهو ما يؤكد استمرار الدوافع الاقتصادية والاجتماعية في تغذية تلك الظاهرة.
وأضاف العمدة أن الحلول الأمنية، التى تلجأ إليها حكومة الانقلاب، لا يمكن أن تكون كافية وحدها. موضحا أن سلطات الانقلاب قد تحقق تقدمًا مؤقتًا حين تلاحق شبكات التهريب وتقدم المتورطين إلى العدالة، لكن تلك الإنجازات تظل محدودة الأثر إذا لم تُعالج الأسباب الحقيقية للهجرة، لتعود الظاهرة للواجهة مع أي تراجع في الجهود الأمنية.
وأعرب عن أسفه لغياب التنمية الشاملة، وانعدام الأفق المستقبلي أمام الشباب، إلى جانب هشاشة الحماية القانونية، وهذه كلها عوامل تستمر في تغذية ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وشدد العمدة على أن مواجهة تلك الظاهرة تستلزم رؤية متكاملة تعالج جذور الأزمات، بدل الاكتفاء بالمعالجات الأمنية المؤقتة التي ثبت عدم قدرتها على القضاء على الهجرة غير الشرعية بشكل جذري.