أفتى بشرعية بيعة الرئيس مرسي وتصدى للعلمانية والإلحاد..  علماء ينعون  د. محمود مزروعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر

- ‎فيتقارير

 

نعى الأزهر الشريف وعدد من علماء الأمة الدكتور محمود محمد مزروعة، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الذي وافته المنية يوم الجمعة 25 يوليو 2025، عن عمر ناهز الثمانين عامًا، باعتباره أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي المعاصر.

كان للدكتور مزروعة مسيرة علمية وفكرية حافلة، وامتدت مواقفه الدينية والسياسية لعقود، أبرزها موقفه الداعم للرئيس الراحل الدكتور محمد مرسي، الذي اعتبر بيعته "شرعية" وحرّم الخروج عليه. كما عُرف بفتواه الشهيرة في قضية مقتل الكاتب فرج فودة، والتي أثارت جدلًا واسعًا.

مواجهته للتيارات الفكرية والدينية

شغل مزروعة منصب عميد كلية أصول الدين والدعوة بفرع جامعة الأزهر في المنوفية، وتبنّى مواقف فكرية حاسمة، محذرًا من "التيارات الوافدة والفرق الضالة"، وعلى رأسها الشيوعية والماركسية، واعتبرها "أفكارًا هدامة تهدد الدين والعقيدة". كما هاجم التصوف المنحرف، مثل مفاهيم وحدة الوجود والحلول، ووصفها بأنها تقوم على "تزوير نصوص الشريعة وتحويلها إلى رموز غامضة لا يلتفت إليها إلا القلة"، حسب تعبيره في تصريحات سابقة لمنصة "الألوكة".

ورأى أن التصدي لهذه التيارات يبدأ من تمسّك المسلم بعقيدته، معتبرًا العقيدة الإسلامية السليمة "الخط الأول للدفاع" في وجه الضلال والتيه الحضاري. ودعا إلى ضرورة إعادة الاعتبار لمنهج أهل السنة والجماعة، واعتبره السبيل للخروج من أزمات الأمة المعاصرة.

فتواه في قضية فرج فودة

في القضية المعروفة بمقتل فرج فودة، روى مزروعة أن جماعة إسلامية استفتته في "حكم المرتد"، فأجاب بأن "قتله واجب"، مضيفًا: "إذا لم يقم بذلك الحاكم، تصبح رقاب عامة المسلمين مسؤولة". وخلال شهادته أمام المحكمة، اعتبر فودة "كافرًا" لرفضه تطبيق الشريعة، لكنه فرّق بين "الردة" و"الافتئات على السلطة"، مؤكدًا أن المحاكمة تتعلق بتجاوز السلطة وليس بالمعتقد فقط.

انتقاده لسياسات الإفتاء والإعلام

انتقد الدكتور مزروعة قوائم المفتين المعتمدين للظهور الإعلامي، واعتبرها "مرفوضة شكلاً وموضوعًا"، واصفًا من أعدّها بأنهم "جهّال لا يعرفون شيئًا عن الفقه الإسلامي"، وطالب بمراجعة هذه السياسات لحفظ هيبة الفتوى في المجتمع.

كما رفض التصنيفات الدينية الحديثة كالصوفيين أو السلفيين أو الإخوان، معتبرًا أن الإسلام "لا يُجزأ"، وأن هذه التسميات مستحدثة، ولا تعكس حقيقة الدين كما كان في عهد النبي والصحابة.

ارتباطه بالإخوان وموقفه من الانقلاب

أشارت تقارير إلى اعتقاله في عام 1956 بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين. وفي عام 2013، صرّح بأن انتخاب محمد مرسي يمثل "بيعة شرعية" لا يجوز نقضها، ما وضعه في دائرة الشخصيات المصنفة على صلة بالجماعة داخل الأزهر، إلى جانب الدكتور عبد الغفار عزيز.

ووفقًا لشهادات معاصريه، عارض الدكتور مزروعة بشدة الانقلاب العسكري، واعتبر عزل مرسي "أعظم الكوارث"، وقال:

"من أعان على إزهاق الأرواح قاتل، ومن أحل الحرام مرتد، والمهلل لسفك الدماء شريك في الإثم".
كما رأى أن "الطغمة العلمانية" لا تتوقف عن محاولات تغيير هوية الأمة، وأن "مصيرهم الفشل".

مقارنة الأديان وشهادات طلابه

نعاه الدكتور إسماعيل علي، أحد طلبته، بقوله:

"رحل عن دنيانا أستاذي العالم الجليل الدكتور محمود مزروعة، الذي درّس لنا 'مقارنة الأديان' في الدراسات العليا عام 1988، وتعلمنا منه العلم والخلق".

وأضاف:

"كان له موقف مشهود في الدفاع عن الدين، لا سيما خلال شهادته في قضية فرج فودة، إلى جانب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وقد وثّق تلك الشهادة في كتاب خاص".

مواقف إنسانية وتعليمية

الإعلامي الدكتور حمزة زوبع روى ذكرياته مع الدكتور مزروعة، خلال دروسه في مسجد الفتح بشبرا الخيمة، حيث تحدث عن تواضعه وعلمه، وعن موقف إنساني جمعه مع أحد الشباب الذين خالفوه الرأي علنًا، فردّ عليه بأدب وحكمة، قائلاً:

"أنا أشرح للناس البسطاء، ولست في لقاء أكاديمي. راجع كتبي وستجد كل الأدلة".

كما ذكر أنه حذّر الشيخ محمد سيد طنطاوي – حين كان جارًا له – من تولي منصب الإفتاء، وقال له:

"جاؤوا بك لتحليل ربا البنوك"، لكن الشيخ طنطاوي، بحسب رواية مزروعة، لم يقدّر حجم الضغوط، وتراجع لاحقًا عن فتوى التحريم.

مؤلفاته وأعماله الأكاديمية

ولد الدكتور محمود محمد مزروعة عام 1945، وبدأ حياته إمامًا وخطيبًا بوزارة الأوقاف، قبل أن ينتقل إلى المجال الأكاديمي بجامعة الأزهر، حيث تدرّج حتى أصبح رئيسًا لقسم العقيدة والفلسفة، وعميدًا لكلية أصول الدين والدعوة بفرع المنوفية.

درّس في عدد من الجامعات العربية والإسلامية، منها: جامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (السعودية)، والجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، وجامعة قطر، وجامعة الشارقة، كما عمل أستاذًا زائرًا في المعهد الإسلامي بجنيف.

من أبرز مؤلفاته:

  • دراسات في اليهودية

  • دراسات في النصرانية

  • دراسات في التشيع

  • دراسات في الأديان المقارنة

  • دراسات في مناهج المستشرقين في تفسير القرآن

  • التيارات الفكرية المعاصرة وموقف الإسلام منها

وداع العلماء والدعاة

نعاه الشيخ محمد عبد المقصود بالدعاء قائلاً:

"انتقل إلى جوار ربه عز وجل الدكتور محمود مزروعة، صاحب شهادة الحق في قضية فرج فودة… فاللهم اغفر له وارحمه، ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وألحقه بالصديقين والشهداء".

كما كتب أحد محبيه على "فيسبوك":

"اللهم ارحم عبدك محمود مزروعة، واجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر… إنا لله وإنا إليه راجعون".