سقوط مئذنة مسجد سيدي سلامة…قائمة طويلة من الآثار تم هدمها وسرقتها فى زمن الانقلاب

- ‎فيتقارير

 

 تسبب سقوط مئذنة مسجد سيدي سلامة الأثري بمدينة سمنود بمحافظة الغربية فى موجة من الغضب بسبب إهمال حكومة الانقلاب للآثار الإسلامية كما أثار الحادث تساؤلات عن المسئولية القانونية وسط اتهامات متبادلة بين وزارتي الأوقاف والآثار بحكومة الانقلاب بالتقصير والإهمال، في ظل غياب واضح للرقابة والمحاسبة.

الحادث أعاد إلى الواجهة أزمة العلاقة المعقدة بين الجهتين، خاصة فيما يتعلق بملكية وصيانة الآثار الإسلامية، حيث تنص المادة رقم «6» من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته على أن جميع الآثار تُعد من الأموال العامة للدولة، باستثناء ما كان منها وقفًا.

وتشير المادة «30» من القانون ذاته إلى أن أعمال الصيانة والترميم من اختصاص المجلس الأعلى للآثار، بينما تتحمل أوقاف الانقلاب وهيئة الأوقاف نفقات ترميم وصيانة الآثار التابعة لها.

ورغم وضوح النصوص القانونية، إلا أن الواقع يكشف عن غياب التنسيق، وتبادل الاتهامات، وتكرار حوادث الإهمال، ما يطرح تساؤلات حول من يتحمل المسئولية القانونية؟ وأين الجهات الرقابية من هذه الكوارث المتكررة؟

 

هيئة الأوقاف

فى هذا السياق كشفت مصادر مطلعة عن خطاب رسمي صادر عن رئيس هيئة مستشاري مجلس وزراء الانقلاب إلى وزير السياحة والآثار، الانقلابى حول قيام هيئة سيادية بأعمال رفع كفاءة لسبيل «أم محمد علي الصغير» و«دار كسوة الكعبة» بالقاهرة، وهما مبنيان أثريان مسجلان رسميًا.

المفاجأة كانت في توقيع هيئة الأوقاف عقد انتفاع مع الهيئة لمدة 50 عامًا مقابل 100 جنيه سنويًا لكل عقار، ما يعني أن قيمة الانتفاع الإجمالية للعقارين لا تتجاوز 10 آلاف جنيه خلال نصف قرن.

وأثار هذا العقد تساؤلات حول جدوى مثل هذه الاتفاقات، خاصة في ظل الحديث عن قانون الإيجارات الجديد الذي أقره مجلس نواب السيسي، ما اعتبره البعض تناقضًا صارخًا في السياسات الحكومية.

 

قائمة طويلة

 

من جانبه، قال الدكتور محمد حمزة، أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد كلية آثار القاهرة سابقا، إن أزمة مسجد سيدي سلامة ليست الأولى، مؤكدا أن هناك قائمة طويلة من الآثار التي تم هدمها أو سرقتها أو تشويهها، وسط غياب قاعدة بيانات دقيقة، ووجود آثار نادرة في مخازن الأوقاف أو داخل مقابر وأحواش لا تعلم عنها وزارة اثار الانقلاب شيئًا.

وانتقد «حمزة»  في تصريحات صحفية صمت وزارة أوقاف الانقلاب إزاء هدم المقابر التراثية في مناطق مثل صلاح سالم، والسيدة عائشة، والإمام الشافعي، وعين الصيرة، رغم أن معظمها أوقاف، في حين تبرر وزارة آثار الانقلاب موقفها بعدم تسجيل هذه المواقع كآثار، وهو ما يُعد تقصيرًا في حد ذاته.

وطالب بإلغاء القوانين المتعددة ذات الصلة بالآثار والتراث، وعلى رأسها قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته وقانون الحفاظ على التراث العمراني رقم 144 لسنة 2006، وقانون التخطيط العمراني رقم 119 لسنة 2008 وقانون حماية المخطوطات رقم 8 لسنة 2009.

وشدد «حمزة» على ضرورة استصدار قانون موحد للآثار والتراث، تكون وزارة السياحة والآثار بحكومة الانقلاب هي الجهة الوحيدة المسئولة عن تنفيذه، لضمان وضوح المسئولية، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة.

وكشف انه سبق وأن طالبوا الجهات المسئولة باصدار قانون الآثار والتراث الموحد بدلا من تلك القوانين الأربعة المعنية بالآثار والتراث حتى لا يتفرق دم آثارنا وتراثنا بين القبائل، أى بين الوزارات والجهات المختلفة كما هو حادث الآن من حيث حدوث التعارض والتضارب ومن ثم ضياع المسئولية وتوزيعها بين عدة جهات.

 

وزارة مستقلة

واوضح «حمزة» أن الآثار والتراث ليست جزرا منعزلة وإنما هي وحدة واحدة يجب التعامل معها على هذا النحو لأنهما في النهاية هما الذاكرة الحية للفرد وللمجتمع؛ ومن ثم يجب التفكير في أن تكون هناك وزارة مستقلة للآثار والتراث، وقانون موحد للآثار والتراث ومسئولية جهة واحدة عن الآثار والتراث في مصر، مؤكدا أن السنوات الأخيرة شهدت شطب العديد من المواقع الأثرية المهمة، مثل «طابية فتح» في أسوان، التي تعود للعصر الفاطمي، دون مبررات واضحة، في ظل إهمال كبير للآثار الإسلامية مقارنة بالاهتمام الممنوح للآثار الفرعونية.

وأكد أن بعض المواقع الأثرية تم هدمها تحت لافتة التطوير، مثل مشهد «آل طباطبا» بعين الصيرة، في حين أن مواقع أخرى خضعت لعمليات ترميم مكلفة، لكنها كشفت عن عيوب فنية جسيمة، كما حدث في قصر البارون، الذي تحوّل إلى مثال على سوء التنفيذ رغم ما أُنفق عليه من أموال.

 

مقابر الإمام الشافعي

 

وانتقد «حمزة» بشدة ما وصفه بالاستغلال التجاري للآثار الإسلامية، حيث تُقام الحفلات والأفراح داخل بعض المواقع الأثرية، في مشهد يتكرر حتى في بعض المعابد والمواقع الفرعونية، ما يُفقد هذه الأماكن قدسيتها التاريخية ويحولها إلى فضاءات تجارية.

وأشار إلى كارثة هدم المقابر التراثية في منطقة الإمام الشافعي، التي تضم مدافن شخصيات بارزة من عصر أسرة محمد علي رغم أنها مسجلة رسميًا وتخضع لحماية قانونية ودستورية، مؤكدا أن وزارة آثار الانقلاب تتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية، بسبب تقصيرها في تسجيل العديد من المقابر والمواقع التراثية الأخرى.

ولفت «حمزة» إلى ما يحدث حاليًا في جبانة باب النصر شمال القاهرة، حيث يجري إنشاء موقف سيارات متعدد الطوابق على حساب أحد أقدم المواقع الجنائزية الإسلامية في العاصمة.

 

نماذج أجنبية

وعلى مستوى التخطيط العمراني، أكد أن روح العمارة الإسلامية غائبة تمامًا عن مدننا الجديدة، مشيرًا إلى أن التصميمات المعمارية الحديثة تعتمد على تقليد الطرز الغربية دون مراعاة للهوية المصرية أو الإسلامية.

وأوضح «حمزة» أن غياب الرؤية التخطيطية، وعدم الاستعانة بمهندسين متخصصين في العمارة الإسلامية، أدى إلى الاعتماد على «القص واللصق» من نماذج أجنبية، دون فهم لجوهر العمارة الإسلامية التي تتميز بالبساطة، والوظيفية، والجمال الروحي.

ودعا إلى دمج العناصر والزخارف الإسلامية الأصيلة في التصميمات الحديثة، من أجل خلق هوية معمارية مميزة تعكس تاريخ مصر وحضارتها الإسلامية العريقة، مؤكدًا أن الحفاظ على التراث لا يعني الجمود، بل هو استثمار في الذاكرة الوطنية والهوية الثقافية.