ما حدث في الجيزة خلال الأيام الماضية ليس مجرد عطل فني، بل نتيجة مباشرة لسياسات نظام المنقلب السفيه السيسي الذي اختار أن يستثمر في "ديكورات دولة النخبة" بينما ترك البنية التحتية للمواطنين تتآكل حتى الانهيار. إنها ليست مجرد أزمة خدمات، بل صورة حقيقية لمصر المنقسمة إلى درجتين: واحدة تنعم بها النخبة في العاصمة الإدارية والعلمين، وأخرى تقبع في العتمة تحت حر الجوع والعطش.
يأتى ذلك بينما تنعم العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة بإضاءة فاخرة ومياه لا تنقطع، يعيش ملايين المواطنين في محافظة الجيزة لليوم الثالث على التوالي معاناة شديدة بسبب انقطاع الكهرباء والمياه وسط موجة حر خانقة تجاوزت فيها درجات الحرارة 44 درجة مئوية.
العطل الفني الذي ضرب محطة محولات جزيرة الذهب، وهي إحدى المحطات الرئيسية في الجيزة، كشف هشاشة البنية التحتية في واحدة من أكبر محافظات مصر وأكثرها كثافة سكانية. فقد أدى "انسحاب الجهد" من إحدى دوائر المحطة إلى تعطل التيار في مناطق كإمبابة والعمرانية والهرم وفيصل والحوامدية، وترتب على ذلك توقف خدمات مياه الشرب أيضاً.
ورغم إعلان المحافظة، أمس الاثنين، عن إصلاح كابل الجهد العالي في منطقة ساقية مكي، وبدء تشغيل محطة مياه جزيرة الذهب تدريجياً، ما زال الوضع الميداني يشير إلى استمرار الأزمة، حيث أفاد سكان في مناطق فيصل والهرم بانقطاع الكهرباء لما يصل إلى خمس ساعات متواصلة، يليها عودة مؤقتة لا تتجاوز الساعتين، بالإضافة إلى انقطاع تام للمياه لأكثر من 30 ساعة في بعض المناطق.
الفشل المستمر والتصريحات المستفزة
وفي حين تكابد الجيزة ظلاماً وعطشاً، خرج المتحدث باسم وزارة الكهرباء، منصور عبد الغني، من مقر إقامته في مدينة العلمين الجديدة ليلقي باللوم على المواطنين، مدعياً أن "سرقات التيار" واستخدام التكييفات هي السبب في الأعطال، متجاهلاً مسؤولية الدولة عن التقصير المزمن في تطوير البنية التحتية، والتخطيط للطوارئ في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
وفي مشهد زاد من الغضب الشعبي، اكتفت الحكومة بإرسال عدد محدود من المولدات الكهربائية وسيارات مياه الشرب إلى بعض المناطق، في حلول وُصفت بالترقيعية، وسط تكدس المواطنين أمام هذه السيارات في طوابير طويلة للحصول على أبسط حقوقهم الأساسية، في مشاهد وثقتها وسائل التواصل الاجتماعي وأثارت موجة سخط كبيرة.
تمييز مناطقي صارخ: "يوتوبيا" للضباط و"الطوارئ" للشعب
وبينما يعيش سكان الجيزة تحت رحمة الأعطال، تنقل الحكومة اجتماعاتها الصيفية إلى العلمين الجديدة، حيث تم تخصيص شاليهات فخمة وفيلات فندقية لكبار المسؤولين والوزراء وعائلاتهم، على شاطئ البحر المتوسط. هذا التمييز الطبقي والمناطقي بات سياسة معلنة؛ فمناطق النخبة تعيش في رفاهية، بينما يعيش المواطنون في ما يشبه الكارثة الإنسانية.
وكتب أحد المواطنين على مواقع التواصل: "ماذا فعلت الحكومة حيال انقطاع المياه والكهرباء عن الجيزة؟ لا شيء سوى بناء القصور والعاصمة الإدارية ومدن الأشباح". فيما قالت ناشطة أخرى: "12 ساعة من العطش والحر في أغلب مناطق الجيزة.. ولا مسؤول خرج ليعتذر".
أين ذهبت المليارات؟
اللافت أن الأزمة تتزامن مع تصريحات رسمية متكررة عن ضخ استثمارات بمليارات الجنيهات في مشاريع البنية التحتية، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول جدوى هذه المشروعات ومصير تلك الأموال. فمن غير المفهوم أن تظل محافظة الجيزة، بجوار العاصمة، عاجزة عن توفير خدمات الكهرباء والمياه الأساسية لأيام متواصلة في ظل طقس قاتل.