قضية المذيعة “سارة خليفة”.. كبش فداء أم غطاء لانهيار الإمبراطورية الإعلامية المشبوهة للجيش ؟

- ‎فيتقارير

 

في واحدة من أخطر القضايا التي هزّت الوسط الإعلامي والقضائي في مصر، أحالت النيابة العامة بسلطة الانقلاب  الإعلامية سارة خليفة حمادة، و27 متهماً آخرين، إلى محكمة الجنايات، بتهم تتعلق بتأسيس تنظيم إجرامي متخصص في تصنيع وترويج المخدرات المُخلقة، وحيازة أسلحة نارية وذخائر دون ترخيص. لكن خلف هذه العناوين الصاخبة، تلوح تساؤلات أكثر خطورة: أين ذهب ضابط المخابرات القوي أحمد شعبان؟ وأين اختفى الصحفي المُقرَّب أحمد الطاهري؟ ومن المستفيد من سقوط سارة خليفة؟

 

أين "رئيس تحرير مصر"؟

في السنوات الماضية، لم يكن هناك اسم أكثر سطوة في الوسط الإعلامي من الضابط أحمد شعبان، الذي كان يُلقَّب بـ"رئيس تحرير الصحف المصرية"، نظراً إلى دوره في إدارة المشهد الإعلامي خلف الستار، وتوجيه السياسات التحريرية للصحف والقنوات، بما يخدم توجهات النظام. هذا الرجل الذي أمسك بمفاصل الإعلام، اختفى فجأة من المشهد، دون بيان أو تحقيق، بعد الإطاحة به من المشهد الأمني والإعلامي.

 

رحيل شعبان لم يكن مجرد حركة تنظيمية، بل كان بداية لانهيار "غرفة العمليات الإعلامية" التي طالما أدارت الخطاب العام من خلف الكواليس. ومن بعده، جاء الدور على أحمد الطاهري، الصحفي محدود الكفاءة الذي صعد بسرعة صاروخية بعد دعمه من نفس الجهة، ليُعيَّن رئيساً لقطاع الأخبار في "المتحدة للإعلام"، قبل أن يُقال لاحقاً بعد اتهامات باختلاسات ضخمة في قناة "القاهرة الإخبارية"، تجاوزت المليارات.

 

هل سارة كبش الفداء؟

في ظل سقوط الرؤوس الكبيرة، يطفو اسم الإعلامية سارة خليفة، التي أُحيلت إلى الجنايات وسط ضجة إعلامية، وكأنها العقل المدبر لشبكة تصنيع وترويج المخدرات المُخلقة. ولكن، هل هي حقاً المتهمة المركزية، أم مجرد كبش فداء لتغطية انهيار منظومة أوسع؟ وهل الترويج المكثف للقضية هدفه إلهاء الرأي العام عن اختفاء القيادات الأمنية والإعلامية المتورطة في إدارة مشهد فاسد ومختل من الأساس؟

 

حجم الشبكة التي تحدثت عنها النيابة – من جلب المواد الخام، وتصنيعها في معامل سرية، وتوزيعها داخل البلاد – يحتاج إلى قدرات أكبر من تلك المنسوبة لمذيعة كانت بالكاد تظهر في الشاشة. كما أن القضية تأتي في توقيت غريب يتزامن مع تفكك المنظومة الإعلامية التي كان يُشرف عليها ضباط أمن بدرجات مختلفة من النفوذ.

 

المخدرات المُخلقة… تجارة في حماية من؟

صحيح أن قضية سارة خليفة خطيرة، بالنظر إلى حجم المضبوطات (750 كيلوغراماً من المواد المُخلقة وكميات ضخمة من المواد الخام)، إلا أن السؤال الأهم: من الذي كان يحمي هذه الشبكات طوال الفترة الماضية؟ وكيف تعمل هذه المعامل في قلب العاصمة دون أن ترصدها أجهزة الدولة إلا بعد أن سقطت رؤوس كبرى داخل الأجهزة الإعلامية والأمنية؟

 

لا يمكن إغفال تزامن القضية مع موجة انهيارات صامتة داخل أذرع الدولة غير الرسمية. فهل بدأ النظام التخلص من الحلقات الوسطى التي أصبحت عبئاً عليه؟ وهل يُعَدّ تفجير هذه القضية أداة لتبييض وجه النظام أمام المجتمع الدولي الذي يتزايد قلقه من تصاعد إنتاج وتداول المواد المخدرة المُخلقة في مصر؟

 

الدولة تُطارد الأعراض… وتتجاهل الأسباب

رغم الإشادة بتحرك النيابة العامة، إلا أن هذا التحرك يعيد فتح ملفات أخطر، حول من يملك السيطرة الفعلية على الإعلام والاقتصاد غير الرسمي، وما إذا كانت هناك قوى أمنية أو سياسية تستثمر في هذه الأنشطة بصمت، ثم تُطيح بأدواتها عندما تحترق أوراقها.

 

القضية مفتوحة على أسئلة أعمق من مجرد شبكة مخدرات، إنها تكشف عن تصدّع في بنية النظام نفسه، الذي لطالما حكم البلاد عبر الأذرع الأمنية والإعلامية، ثم راح يتخلص منها واحدة تلو الأخرى، عندما تجاوزت دورها أو فشلت في حماية صورته.

 

هل سارة خليفة تبيع المخدرات؟ أم أن هناك من باع الجميع للهروب من الحساب؟

الأيام المقبلة ستكشف، لكن الأكيد أن المشهد الإعلامي والأمني في مصر لم يعد كما كان.