في خطوة محدودة من حيث العدد والدلالة، أعلنت نيابة أمن الدولة العليا بسلطة الانقلاب العسكرى، إخلاء سبيل 37 معتقلاً احتياطيًا على ذمة قضايا ذات طابع سياسي، وسط ترحيب حذر من منظمات حقوقية ومراقبين رأوا في ذلك محاولة تجميل جزئية لسجل حقوق الإنسان في البلاد، دون أي تغيير جذري في منهج السلطة القائمة تجاه المعارضين، وخاصة المنتمين لجماعة "الإخوان المسلمين".
ورغم الطابع الإنساني للقرار، فإن المراقبين يعتبرونه استمراراً لنهج انتقائي في التعامل مع ملف المعتقلين السياسيين، في ظل استبعاد تام لأسماء المحسوبين على "الإخوان"، حتى أولئك الذين لم تُدانهم المحاكم أو صدرت بحقهم قرارات بالإفراج منذ سنوات. وهو ما يعكس العداء العميق الذي يكنه عبد الفتاح السيسي للجماعة، رغم أنه صعد إلى قمة السلطة عبر تعيينه وزيراً للدفاع في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، المنتمي للإخوان.
إفراجات بلا مصالحة
الدفعة الأخيرة من قرارات إخلاء السبيل شملت معتقلين في ثماني قضايا، من بينها القضية رقم 2135 لسنة 2022، التي أُفرج فيها عن 16 شخصاً، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بنشاط مدني أو تعبير عن الرأي، مثل القضايا 325 و585 و2064 لسنة 2023، وغيرها.
ورغم ترحيب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" بهذه الإفراجات باعتبارها "خطوة إيجابية نحو الحد من التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي"، فإنها أكدت على أن جوهر الأزمة لا يزال قائماً، مطالبة بالإفراج عن جميع سجناء الرأي، ووقف ممارسات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وفتح تحقيقات شفافة في قضايا التعذيب داخل السجون ومقار الأمن.
قمع الاحتجاجات السلمية.. نموذج العريش
وفي حادثة موازية تفضح حجم التضييق الأمني على أي تحرك شعبي، أعلنت "منظمة سيناء لحقوق الإنسان" أن السلطات أفرجت عن تسعة من سكان حي الميناء بمدينة العريش، كانوا قد اعتُقلوا أثناء مشاركتهم في وقفة احتجاجية ضد قرارات إزالة منازلهم لمصلحة توسعة ميناء العريش. ولا يزال خمسة آخرون محتجزين، دون توجيه اتهامات واضحة أو إعلان رسمي لأسباب الاعتقال.
انتقائية السيسي.. لا مصالحة مع الإخوان
القرارات الأخيرة تكشف، بحسب محللين، عن تكتيك سياسي أكثر منه توجه نحو المصالحة أو احترام الحقوق. إذ أن الإفراجات لا تشمل المنتمين للإخوان، الذين يُعاملون كأنهم خارج أي مسار قانوني أو سياسي، رغم أن الرئيس الشهيد محمد مرسي، وهو أحد أبرز قيادات الجماعة، كان سبباً رئيساً في صعود السيسي وتعيينه وزيراً للدفاع في 2012، قبل أن ينقلب عليه في 2013.
ويرى حقوقيون أن تجاهل آلاف المعتقلين من الإخوان، فضلاً عن رموز الثورة والمعارضة المدنية، يعكس أن السلطة تمضي في خط لا يعترف بالمصالحة أو العدالة الانتقالية، بل يركز على فرض الهيمنة الأمنية ومقايضة الإفراجات المحدودة بتخفيف الضغط الدولي، أو توظيفها لتحسين صورة النظام في مناسبات بعينها.
الحقوقيون: الإفراج ليس حلاً
ويؤكد خبراء قانونيون وحقوقيون أن الإفراجات الجزئية لا تكفي، ما لم تُصحب بمراجعة شاملة للبنية التشريعية والقضائية التي تسمح بالحبس الاحتياطي بلا ضوابط، واستمرار محاكمات الطوارئ، وتفويض الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين.
وفي ظل استمرار غياب الإرادة السياسية الحقيقية لإحداث انفراجة حقوقية شاملة، تبقى هذه الإفراجات بمثابة رسائل موجهة للخارج، أكثر من كونها تعبيراً عن نية داخلية في إنهاء الحقبة الأمنية التي بدأت منذ انقلاب 2013، والتي جعلت من مصر واحدة من أكبر السجون المفتوحة للمعارضين في العالم.