“شقق الفقراء بملايين.. كيف يحوّل السيسي الإسكان الاجتماعي إلى “حلم ” بعيد المنال ؟

- ‎فيتقارير

 

في خطوة تُبرز حجم التناقض في خطاب النظام الانقلابي فى مصر أعلنت الحكومة عن زيادات ضخمة في أسعار وحدات الإسكان الاجتماعي بمشروع "سكن لكل المصريين 7"، تراوحت بين 200 إلى 250 ألف جنيه مقارنة بالطرح السابق، رغم تراجع سعر صرف الدولار واستقرار نسبي في السوق.

هذا الارتفاع الفاحش يثير أسئلة مشروعة عن دوافع هذه القفزة في الأسعار، ومدى حقيقة "الدعم" الذي تروج له الدولة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمحدودي الدخل.

 

بحسب الأرقام الرسمية، وصل سعر الوحدة 90 مترًا في مدن مثل حدائق العاصمة و15 مايو إلى نحو 850 ألف جنيه، تُضاف إليها 10% زيادة سعرية وقت التسليم، و5% وديعة صيانة، لتصبح التكلفة الإجمالية قبل فوائد التمويل العقاري نحو مليون جنيه. وفي حالة الشقق التي تندرج تحت ما يسمى "الإسكان الأخضر"، وصل السعر إلى 1.035 مليون جنيه، دون احتساب الفائدة البنكية التي تبلغ 8%، وهي فائدة تتحملها الدولة كما تقول، مقارنة بـ20% في السوق المصرفي.

 

لكن أين الدعم إذًا؟ كيف يتحول مشروع مخصص لمحدودي الدخل إلى مشروع يطلب من المواطن دفع مليون جنيه، وهو ما يعادل 30 عامًا من دخل موظف حكومي بسيط؟

 

الرد الرسمي جاء بأن ارتفاع الأسعار يعود إلى زيادة تكلفة البناء ومواد التشييد مثل الأسمنت. لكن الحقيقة أن هذه المبررات لا تصمد أمام الواقع الاقتصادي:

 

الدولار تراجع بالفعل منذ مطلع العام.

 

سوق الأسمنت خضع لتدخل حكومي مباشر بقرار من جهاز حماية المنافسة لزيادة الإنتاج وتقليل الأسعار.

 

ومع ذلك، الأسعار تقفز بشكل فجّ وغير مبرر.

 

الجيش والمشروع.. من يدفع ومن يربح؟

الحقيقة الأكبر التي لا يجرؤ كثيرون على الحديث عنها هي أن الجيش المصري يشرف بشكل مباشر على تنفيذ مشروعات الإسكان، بما فيها "سكن لكل المصريين". فهل أصبحت أراضي الدولة ملكًا خالصًا للمؤسسة العسكرية؟ أليست تلك الأراضي التي تُقام عليها المشاريع ملكًا عامًا من المفترض أن تُستخدم لخدمة المواطنين وليس لجباية الأرباح منهم؟

 

الأدهى أن كل أجهزة الدولة باتت تعمل لصالح بقاء السيسي في السلطة بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو تحويل محدودي الدخل إلى عبيد أقساط وقروض وفوائد لعقود. فالجيش الذي يُسيطر على كل شيء من الإسكان إلى المواد الغذائية والمقاولات، بات يتعامل مع كل شبر من أرض مصر باعتباره ممتلكات خاصة يديرها ويستغلها ويتربح منها، بمباركة من رأس النظام الذي أطلق يده في كل اتجاه مقابل دعمه السياسي والعسكري.

 

مواطنون يدفعون ثمن البقاء

إن محاسبة المواطن البسيط على "سكنه فوق أرض الدولة" هو منطق مقلوب. فبدلًا من أن توفر الدولة الأرض مجانًا أو بأسعار رمزية للمواطن الفقير، نجدها تُحمله تكاليفًا باهظة تحت مسميات "ودائع" و"فوائد" و"تكاليف بناء"، وكأن المواطن شريك في مشروع استثماري، لا مستحقًا لحق دستوري في السكن.

 

ما يجري اليوم ليس إسكانًا اجتماعيًا، بل نهب منظم تحت مظلة مشاريع وطنية، تُسوق إعلاميًا كمنجزات، بينما في الحقيقة تُثقل كاهل المواطن وتفرغه من آخر ما تبقى من طاقته وماله وأمانه الاجتماعي.

 

ختامًا:

إذا كان مشروع "سكن لكل المصريين" بهذا الشكل والعبء، فكيف ستكون المشاريع الموجهة للطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة؟

وهل نحن أمام دولة تسعى لتأمين السكن، أم دولة تفتح الباب لتجار العقارات وذراعها العسكرية لتكديس الأرباح على حساب حياة البسطاء؟

 

إن الإجابة المؤلمة أن النظام لا يرى في المصريين إلا زبائن جُدد لمشاريعه، لا مواطنين يستحقون الدعم والحياة الكريمة.