شوارع القاهرة فى زمن الانقلاب احتلتها المقاهى والمحلات وأصبح المواطن يُدفع إلى نهر الطريق كأنه عبء زائد على حكومة الانقلاب التى لا تعترف إلا بمن يدفع أو يفرض نفسه بالقوة.
فى الشرابية، يعبر المارة بين الميكروباصات وعربات الكارو لأن الأرصفة سرقت تحت عين موظفي الإشغالات، وفي الزيتون لا وجود يذكر فيها للرقابة ، وفي حدائق القبة تبنى المخالفات بجوار مكتب رئيس الحى، ورغم ذلك لا يتحرك ولا يعترض.
الأحياء تحكمها «عصابات» متنكرة فى زى موظف عام، والمدن تدار بالصفقات، لا بالقانون، والشوارع تحولت إلى عقارات مؤقتة تستباح ليلاً فى غياب الأحياء .
فى ظل هذا الصمت، المواطن يسحق، والقانون يدهس، والفساد يبتسم، فهل تعلن حكومة الانقلاب أن أرصفة المواطن ليست للبيع؟.
الشرابية تختنق
فى احد مظاهر الفوضى وغياب المحاسبة، تحولت شوارع حى الشرابية إلى ساحات احتلال علنى للأرصفة، حيث تتقاسم المقاهى مساحات المشاة، وتفرض سطوتها على الرصيف دون رادع، فى ظل صمت تام من موظفى الحى، لا سيما قسم الإشغالات، الذين بات وجودهم مجرد ديكور على مقاعد المقاهى نفسها.
المواطن يواجه مأساة يومياً أثناء تنقله فى شوارع مثل «حسني»، و«الجورن»، و«سور الفرز»، و«الشركات»، حيث أصبحت الأرصفة مشغولة بالكامل بكراسى المقاهى وطاولاتها، بينما يجبر المواطنون على السير فى وسط الطريق، وسط تدافع عربات الكارو، وقيادة متهورة من سائقى الميكروباص العشوائى.
خطر الموت
حول هذه الكارثة قال محمد إسماعيل، 55 عاماً، من سكان المنطقة : أنا رجل مريض قلب، كل مرة أخرج فيها من البيت أجد الكراسى تغلق الرصيف، ولا بد أن أدور حولها وأنزل فى منتصف الشارع، أنا أواجه خطر الموت يومياً، والحى عارف وساكت، كأن المواطن بلا قيمة .
وتساءل اسماعيل : ماذا فعل رئيس الحى الجديد وما الفرق بينه وبين القديم وأين نزوله فى الشارع وسماع معاناة أهالى الحى ارحمونا إحنا بنموت فى صمت .
وقال عامر سيد، 42 عاماً : والدتى عندها جلطة فى الرجل، والمشى بالنسبة لها لازم يكون على الرصيف، لكن كيف؟ وهو من المستحيل، الرصيف محتل بالكامل من المقاهى، وكمان الموظفين جالسين لتناول شاى وسط الكراسى كأنهم ضيوف شرف احنا بنموت بالبطيء أرحنا يا وليد عبد المنعم، رئيس حى الشرابية، أنا أمى عاجزة ومحتاجة تمشى فوق الرصيف .
وأكد سيد أن موظفى الإشغالات يرون المخالفات بأعينهم، بل ويتواجدون أمام المقاهى ذاتها دون اتخاذ أى إجراء ، وهو ما يثير تساؤلات خطيرة حول احتمالية وجود تواطؤ أو تقاضى مبالغ مالية نظير التغاضى عن احتلال الملكية العامة.
جريمة علنية
فى حى حدائق القبة، المشهد تجاوز حدود الفوضى إلى الجريمة العلنية بحق أملاك الدولة، تعديات صارخةً من المقاهى، على الأرصفة، بل أقدمت بعض المقاهى على بناء هيكل ثابت على «ضوائع تنظيمية» وشارع مملوك للدولة مخصص لسير المواطنين، فى انتهاك صريح لقانون البناء رقم 119 لسنة 2008، ومخالف لكافة تعليمات وزارة التنمية المحلية بشأن حماية الأملاك العامة.
الكارثة الحقيقية أن هذه المخالفة الجسيمة تمت على بعد أمتار معدودة من مكتب رئيس حى حدائق القبة المكيف، الذى اختار الصمت وترك حق المواطن والقانون يدهس تحت أرجل الكراسى والطاولات، فى مخالفة تقع أمام موقف أتوبيس حيوى يخدم آلاف المواطنين يومياً.
فى ميدان حدائق القبة، لم يعد الشارع ملكاً عاماً، بل أصبح امتداداً لمقهى يمارس احتلاله للرصيف وللمكان دون أدنى رد فعل من مسئولى حى حدائق القبة، حيث تبدأ الجريمة عند غروب الشمس، ولا تنتهى إلا عند بزوغ الفجر، وسط صرخات الأهالى من ضجيج الشيشة، ودخانها الذى يخنق الصدور، والإزعاج الذى يحول البيوت إلى ساحات معارك يومية.
الحى نائم
قالت ناهد محمد، 43 عاماً، من سكان المنطقة : أنا ساكنة فى شقة تمنها أكتر من 2 مليون جنيه، ومن حقى أعيش بأمان وراحة، لكن ما يحدث استنزاف لأعصابنا كل ليلة، ورغم الشكاوى، موظف الحى نائم أو متواطئ، ولا نجد أى حماية ولا احترام.
وأضافت ناهد محمد بمرارة، المقهى لم يحتل الرصيف فقط، لا.. بل بنى برجولة كاملة عليه كأنه امتلكه، والكارثة أن هذا كله يحدث امام رئيس الحى من غير أى اعتراض .
وفى شارع «ولى العهد»، أمام مسجد الشيخ غراب، تتكرر الكارثة بشكل أكثر فجاجة، المقهى هناك استولى على الرصيف «احتلال صريح»، وبنى حواجز حديدية تقيد حركة المارة، وتجعل من الرصيف سجناً مغلقاً باسم المصلحة الخاصة.
خارج الخدمة
فى مشهد يتكرر يومياً دون تدخل من مسئولى الحى، تحولت شوارع حى الزيتون إلى ساحة احتلال كامل للأرصفة من قبل المقاهى ومحلات العصير، وسط صمت مريب من إدارة الإشغالات واختفاء تام للحملات الرقابية على الشوارع لرفع المخالفات والتصدى للتعديات.
مخالفات واضحة فى شارع ترعة الجبل بجوار مصلحة ضرائب الزيتون، ومقهى بجوار «الفرجاني»، ومقهى آخر بجوار مغالق الخشب بنفس الشارع، إضافة إلى مشاهد مشابهة فى شارع نصوح، وشارع سليم، وأسفل كوبرى سنان.
هذه المواقع تشهد احتلالاً دائماً للأرصفة على مدار 24 ساعة، ما يحول حياة المواطنين إلى جحيم، ويجبرهم على السير وسط السيارات معرضين أرواحهم للخطر.
حول هذه المعاناة قالت الحاجة عبير محمد، 67 عاماً، من سكان شارع سليم : المحلات محتكرة الرصيف والناس قاعدة بالكراسى والطربيزات ونحن ننزل الشارع بالعكاز وسط العربيات.. لا أحد يهتم بنا ولا الحى المسئول يمر وكأننا لسنا موجودين .
ارحمونا
وقال شريف سيد، موظف وأب لطفلين، من سكان ترعة الجبل : كل يوم بمشى بأولادى فى وسط الطريق.. الكراسى تملأ الرصيف والشيشة شغالة، والمحافظة نايمة، فين رئيس الحى؟ فين الإشغالات؟ هذا شارع رئيسى الاطفال بتصدمها العربيات والتكاتك ارحمونا من العشوائية والفوضى .
وقالت «أم محمد»، من شارع نصوح، إحنا بنستغيث بمحافظ القاهرة الانقلابى مؤكدة أنه لا يوجد دور رقابى فى الزيتون، الشارع اصبح مشاعا للناس التى لديها مقهى أو عصارة.