حكومة الانقلاب لا تفكر فى شئ إلا استنزاف المصريين والاستيلاء على ما يمتلكونه حتى ولو كانت جنيهات معدودة لا تسمن ولا تغنى من جوع تماما مثل البلطجى أو اللص أو قاطع الطريق الذى ينتظر أى فريسة للهجوم عليها وتجريدها من كل ما تحتكم عليه .
فى هذا السياق جاء قرار وزارة صحة الانقلاب بفرض رسوم قدرها 4500 جنيه شهريًا على إقامة المرضى بمستشفى العباسية للصحة النفسية ما آثار موجة استياء واسعة، خاصة في ظل اعتماد شريحة كبيرة من المرضى وأسرهم على الخدمات المجانية التي كانت توفرها هذه المؤسسة الحكومية منذ عقود.
وحذر بعض الأطباء من أن الرسوم الجديدة تهدد بإغلاق هذا "الملاذ الآمن" في وجه آلاف المرضى، لا سيما من الطبقات الفقيرة،
وأكد الأطباء أن هذه الرسوم قد تؤدي إلى “كارثة مجتمعية”، مع تزايد أعداد المرضى النفسيين في الشوارع، وسط غياب الرعاية والعلاج، وما قد يترتب على ذلك من سلوكيات خطرة.
يشار إلى أن مستشفى العباسية يُعد واحدًا من أهم الصروح العلاجية النفسية ، حيث يستقبل حالات نفسية معقدة وخطرة، كمرضى الذُهان الذين قد يُشكلون خطرًا على أنفسهم وعلى من حولهم. وغالبًا ما تلجأ العائلات – تحت ضغط العجز وقلة الحيلة – إلى إيداع هؤلاء المرضى في المستشفى، لعدم قدرتها على رعايتهم داخل المنزل.
تحريك أسعار
كان خالد عبدالغفار، وزير صحة الانقلاب قد قرر تحريك أسعار الخدمات الطبية المقدمة داخل مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان.
جاءت تفاصيل القرار كالتالي:
رفع أسعار خدمات الإقامة الداخلية لليلة الواحدة، لتصبح 550 جنيهًا للجناح الخاص (ويشمل غرفتين، وتلفزيون LCD، وتكييف، وثلاجة)، و380 جنيهًا للدرجة الأولى الممتازة، و300 جنيه للدرجة الأولى، و180 جنيهًا للدرجة الثانية، و150 جنيهًا للدرجة الثالثة.
تحريك أسعار خدمات التحاليل الطبية المقدمة بمعامل الأمانة العامة، حيث تتنوع قائمة التحاليل بين الكيمياء الإكلينيكية، والميكروبيولوجي، وتوافق الأنسجة، وتحاليل السموم والمخدرات، بالإضافة إلى تحاليل الفيروسات وغيرها، بأسعار تبدأ من 10 جنيهات وتصل إلى 80 جنيهًا .
قسم الميكروبيولوجي، تشمل القائمة تحاليل مثل Amoeba Ag، Helicobacter AG، Plasmodium Falciparum، تحليل بول كامل، وتحليل مني، وتحاليل البراز والطفيليات، وتتراوح أسعارها من 70 إلى 150 جنيهًا.
تحاليل الأورام والمناعية، تبدأ أسعارها من 150 وحتى 170 جنيهًا، كما شمل القرار أسعار تحاليل توافق الأنسجة والتي تتراوح أسعارها بين 150 إلى 200 جنيه.
تحليل المواد المخدرة ، بأسعار تتراوح من 120 إلى 250 جنيهًا، وفقًا لطبيعة التحليل (سريع أو مجهري).
ملجأ للمرضى النفسيين
حول هذا القرار وقال الدكتور خالد وليد طبيب نفسي سابق بمستشفى العباسية، قبل ما اشتغل في إنجلترا كنت شغال في مستشفى العباسية للصحة النفسية، ودى تعتبر من أكبر وأقدم مستشفيات الصحة النفسية مش بس في مصر، يمكن فى العالم”.
وأضاف وليد في منشور عبر صفحته على فيسبوك، المستشفى كانت ملجأ للمرضى النفسيين ، خصوصًا من الطبقات الفقيرة اللى متقدرش تتحمل مصاريف العلاج النفسى، سواء عيادات خارجية أو حجز فى المستشفى، ورغم الإمكانيات البسيطة والميزانية التعبانة، كانت بتساهم فى علاج كتير من المرضى اللى ملهمش مكان تانى يروحوا له، وده كان بأسعار رمزية زى جنيه واحد للتذكرة وحجز مجانى أو بـ٣٠٠٠ جنيه فى الشهر للحجز الاقتصادى، في مقابل إن أقل حجز فى مستشفى خاصة كويسة كان ممكن يوصل لـ١٠ أضعاف السعر ده .
وتابع: اتفاجأت بقرار غريب وأكيد مش مدروس، لأن بدقيقة تفكير واحدة هتعرف إن ده هيؤدى إلى مهازل. القرار هو إن مفيش حجز مجانى ودلوقتى أقل حجز بقى بـ٤٥٠٠ فى الشهر ويصل إلى ١١٥٠٠ فى الشهر، فى حين إن العيان أصلًا أحيانًا مكنش بيبقى قادر يدفع جنيه تمن تذكرة.
الصمت خطر
وواصل وليد: تخيل معايا مريض ذهان خطر على نفسه وعلى غيره وبكل الأبحاث العالمية محتاج يتحجز فورًا وتقول لأهله معلش أنا عارف إنه ممكن يموتكم أو يموت نفسه بس هاتولى ٤٥٠٠ – ١١٥٠٠ جنيه ونحجزه مفيش مشاكل!.
وكشف ان هذا القرار يأتى فى وقت اللى كل دول العالم بتشوف إن الصحة النفسية حاجة أساسية ومجانية تمامًا لما تمثله من خطورة على حياة المريض نفسه وعلى الآخرين، أنت بقى جاى مش بس تخليها بفلوس، لا ده أنت مخليها بأسعار مستحيلة لأغلب الناس اللى بتيجى المستشفى! كأنك بتقولهم لو مش معاك فلوس خليك عيان ربنا معاك بقى!! .
وحذر وليد من أن الصحة النفسية فى مصر رايحة فى طريق وحش جدًا لو القرار ده متراجعش عنه فى اقرب وقت! الصمت خطر. والسكوت معناه إننا بنشارك في انهيار ما تبقى من الرعاية النفسية في مصر .
منظومة باهظة التكاليف
وقال الدكتور محمد عبيد طبيب نفسي وأعصاب بمستشفى حلوان للصحة النفسية والإدمان : المريض النفسي، في العموم، شخص مسالم، هادئ، وميله للعنف هو الاستثناء وليس القاعدة. والإحصاءات العالمية تُظهر أن معدلات ارتكاب الجرائم لدى المرضى النفسيين أقل من عامة السكان،.
وأضاف عبيد في منشور عبر صفحته على فيسبوك: لكن بعض المرضى، خاصة من يعانون من الاضطرابات الذهانية والمزاجية، ممكن يمروا بفترات انتكاسة تجعلهم في خطر على أنفسهم وعلى الآخرين، وتستوجب حالتهم الرعاية الطبية المكثفة والحجز في المستشفيات، لفترات قد تمتد إلى شهر أو أكثر .
وكشف أن الاضطرابات النفسية موجودة ومنتشرة، مرض الفصام على سبيل المثال نسبته حوالي 1% من السكان في معظم المجتمعات، ما يعني أن في مصر ما لا يقل عن مليون مريض بالفصام على الأقل .
وتابع عبيد : رعاية المرضى دول لا تقتصر على الأدوية فقط، بل تشمل المتابعة النفسية والاجتماعية والتأهيلية، وهي منظومة باهظة التكاليف لا يستطيع المريض ولا أسرته تحملها بمفردهم، خاصة في ظل الوصم الاجتماعي، والبطالة، والانقطاع عن التعليم أو العمل بفعل التدهور الوظيفي اللي بيسببه المرض .
قرار جائر
وأشار إلى أن الاهتمام المؤسسي الجاد بالصحة النفسية في مصر بدأ سنة 1997، مع إنشاء الأمانة العامة للصحة النفسية كجهة مستقلة تتبع وزارة الصحة. بعد حادث شهير، لما قام أحد نزلاء مستشفى الخانكة بقتل عدد من السياح الألمان في ميدان التحرير، وهو ما سلط الضوء على الخلل المؤسسي في إدارة هذه المستشفيات، التي كانت تتبع مديريات الصحة .
وأوضح عبيد أن الأمانة تضم مستشفيات كبيرة زي العباسية، الخانكة، المعمورة، حلوان، سوهاج، أسيوط وغيرها، وتشكل العمود الفقري لرعاية آلاف المرضى يوميًا، بجانب أقسام الطب النفسي بالمستشفيات الجامعية، والمستشفيات الخاصة .
واعتبر رفع رسوم الخدمات العلاجية في المستشفيات النفسية الحكومية هو قرار جائر، لا يراعي طبيعة هذه الفئة ولا ظروفهم الاجتماعية أو الصحية. وهيزيد من معاناة الأسر التي تنهكها رحلة العلاج والوصمة والفقر .
وحذر عبيد من أن القرار لا يمس فقط الجانب الصحي، لكن هيكون له انعكاسات على الأمن العام والأمن القومي، لأن إضعاف شبكة الرعاية النفسية هيفاقم الأزمات الفردية ويحولها إلى تهديدات جماعية .