مشروع الإسكان الاجتماعي لم يعد يقوم بالدور الذي وُجِدَ من أجله في زمن الانقلاب، بسبب ارتفاع أسعار الوحدات التي تُطرح ضمن المشروع والتي تصل إلى مليون أو المليون ونصف المليون جنيه من ناحية، ووجود مافيا من السماسرة وموظفي وزارة إسكان الانقلاب من ناحية أخرى تعمل على توجيه حجز الوحدات لبعض الأشخاص مقابل عمولات كبيرة، وبالتالي لم يعد المشروع يحقق أي استفادة للفقراء والمحتاجين .
هذه الأوضاع تكشف عن الفساد الذي استشرى في كل قطاعات الحياة في زمن عصابة العسكر، ما جعل المواطنين لا يستطيعون الحصول على حقوقهم بدون مقابل ورشاوى وعمولات وخلافه .
اختراق إلكتروني
حول هذه المأساة قال محمود سيد، سمسار بمنطقة حدائق أكتوبر: إنه "يعمل كوسيط قادر على ضمان الفوز بأراضٍ سكنية تستعد وزارة إسكان الانقلاب لطرحها قريبًا في 20 محافظة، وفق نظام أسبقية الحجز".
وأكد سيد أن حزمة من الضمانات لمن يتعامل معه مقابل دفع 200 ألف جنيه لتأمين ترسية قطعة أرض في مدينة بدر مثلا ، مشيرا إلى أن مجموعة من الأشخاص يعملون معه بأسلوب "الاختراق الإلكتروني" لموقع الحجز، من خلال التحكم في "IP" الخاص بالقطع المطروحة وتكثيف المحاولات في وقت واحد لضمان الفوز، وهو الأسلوب ذاته الذي يُستخدم في باقي المدن".
وعن طريقة الدفع، أكد أنه يتقاضى 200 ألف جنيه قبل فتح باب الحجز، على أن يُعاد المبلغ في حال الفشل بخصم 20 ألف جنيه تعتبر تكاليف التقديم.
وقال سيد: إن "الأرض يمكن إعادة بيعها في اليوم التالي للتخصيص بأكثر من 800 ألف جنيه فوق السعر الذي تحدده وزارة إسكان الانقلاب، مشيرًا إلى أن هناك شبكة من السماسرة في مختلف المحافظات تتفق فيما بينها لتجنب التنافس على نفس الأراضي".
وأشار إلى أن وراء عملية الحجز فريقًا كاملًا من المحترفين يستخدمون أكواد بديلة ويستعينون بالذكاء الاصطناعي للانتقال بسرعة من قطعة إلى أخرى في حال تعذر الفوز بقطعة بعينها.
وكشف سيد عن خطة عمل متكاملة تبدأ قبل ليلة الحجز، حيث يبقى الفريق مستعدًا للدخول فور فتح النظام في الدقيقة الأولى، للتغلب على أي منافسين غير منسقين أو أفراد عاديين قد يسعفهم الحظ.
وأوضح أن هناك أساليب متعددة تُستغل في السيطرة على الوحدات المطروحة من وزارة إسكان الانقلاب ؛ فإلى جانب نظام القرعة العلنية، هناك آليات تسجيل إلكتروني بنظام أسبقية الحجز للأراضي والوحدات غير المدعمة، وهي ثغرة مثالية للفساد والتلاعب.
تجهيز الأوراق
وأكد سمسار معروف في منطقة عابدين بوسط القاهرة أن الشروط التي تضعها وزارة إسكان الانقلاب بخصوص الحد الأدنى للراتب لا تناسب شريحة واسعة من المواطنين المحتاجين فعلًا إلى هذه الوحدات، وهو ما أوجد سوقًا موازية لإصدار مفردات مرتبات بمبالغ محددة.
وشدد على أن هذه المستندات تُستخرج مقابل ألف جنيه، مشيرا إلى أن مشاهد الزحام أمام مكاتب البريد للحصول على استمارات الحجز خلقت بدورها سوقًا أخرى، حيث تُباع الاستمارات بضعف قيمتها الرسمية بسبب امتداد الطوابير لمسافات طويلة.
وقال السمسار: إن "فريقه يوفر خدمة "تجهيز الأوراق" بشكل كامل مقابل 2000 جنيه، إضافة إلى 600 جنيه ثمن استمارة التقديم".
وحول اشتراط وزارة إسكان الانقلاب تقديم ما يثبت إقامة المتقدم في مسكن بالإيجار، أكد السمسار أن هذا فتح بدوره بابًا للتحايل عبر تحرير عقود إيجار وهمية مدعومة بإيصالات كهرباء أو غاز، لتمرير الطلبات.
وأوضح أنه يقدّم أيضًا استشارات للراغبين في التقديم، لمساعدتهم على الإجابة عن أي استفسارات قد تطرحها أجهزة المدن التابعة للوحدات المطروحة، بما يضمن تمرير أوراقهم دون مشاكل.
بؤرة فساد
في المقابل كشف مصدر مطلع في قطاع الإسكان أن بؤرة الفساد الكبرى تكمن في الطروحات التي تعتمد على نظام "أسبقية الحجز" الإلكتروني، حيث تُحجز آلاف الوحدات خلال دقائق معدودة.
وأوضح المصدر– الذي طلب عدم ذكر اسمه – أن بعض الأشخاص يمتلكون أجهزة لابتوب عالية الكفاءة، ويتواجدون في مناطق بخدمة إنترنت قوية، ويستعينون بمهندسين قادرين على توجيه عمليات الحجز نحو الأكواد الخاصة بكل قطعة أرض بينما يجد المواطنون العاديون أنفسهم عاجزين أمام موقع ينهار باستمرار أو يظل في حالة تحميل طويلة، لتكون النتيجة أن الوحدات تُباع بالكامل قبل أن يتمكنوا حتى من الدخول.
وأكد أن السماسرة لم يعودوا يكتفون بالعمل في الخفاء داخل مجموعات مغلقة على مواقع التواصل، بل باتوا يعلنون عن أنفسهم ووصل الأمر إلى حد نشر أماكن تجمعاتهم لحجز الأراضي والوحدات، وإرفاقها بأرقام هواتفهم الخاصة لجذب الزبائن مباشرة، وهو ما يشير إلى أنهم إما يحظون بحماية جهات مسئولة أو أنهم لم يعودوا يخشون شيئًا في ظل تفشي الفساد في آليات التقديم.
واوضح المصدر أن السماسرة يفرضون رسومًا تتراوح بين 25 و50 ألف جنيه مقابل حجز الوحدة السكنية، بينما تصل هذه المبالغ في حالة الأراضي إلى 200 ألف جنيه أو أكثر بحسب قيمتها لافتا إلى أنه في حال فشل الترسية، يحتفظون بنسبة من الأموال تصل إلى 10 – 25% باعتبارها تكاليف إجرائية.
ولفت إلى أن مسئولية هذه الاحتراقات تقع على عاتق وزارتي الإسكان والاتصالات بحكومة الانقلاب؛ فالأولى معنية بطرح الوحدات، بينما الثانية تملك القدرة التقنية على رصد الدخول المتكرر من أجهزة لابتوب متطابقة المصدر، وهو ما يمكن منعه بسهولة عبر إجراءات مشابهة لما يجري في البورصة المصرية لحظر التلاعب في أسعار الأسهم.
وبالنسبة للوحدات المخصصة للفقراء ضمن برنامج الإسكان الاجتماعي، أكد المصدر أن الشروط التي تضعها اسكان الانقلاب تفتح الباب أمام التلاعب. فالأولوية في القرعة العلنية تُمنح للأكبر سنًا والأقل دخلًا، وهو ما أوجد ثغرة جديدة يستغلها السماسرة عبر تزوير مفردات الرواتب وتولي عملية التقديم بدلًا عن المواطنين المستحقين، ليصبح التدخل في مسار القرعة جزءًا من تجارتهم المنظمة.
سوق سوداء
واعترف مصدر حكومي بأن أخطر ما يواجه هذه المشروعات هو انتشار السماسرة، سواء عند الإعلان عن طرح جديد أو بعد التخصيص، مؤكدا أنه ما يتم التوصل إلى حلول فعالة تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه.
وأكد المصدر أن اعتماد نظام الحجز الإلكتروني لم يحقق النتائج المرجوة بسبب "الأمية الرقمية" لدى الفئات المستهدفة، مما فتح الباب أمام سوق سوداء أوسع داخل مراكز الإنترنت التي تولت عمليات الحجز بالنيابة عن المواطنين.
وقال: إن "صندوق الإسكان الاجتماعي أصبح أكثر تشددًا في التحقق من صحة البيانات، معترفا بوجود تزوير في بعض المستندات التي حصلت بموجبها أسر على شقق خلال السنوات الماضية".
وأوضح المصدر أن هذه الثغرات ترجع إلى ضعف الرقابة في الأجهزة المحلية وانتشار الفساد الذي يسمح بتمرير الأوراق المزورة، مشيرا إلى أن بعض موظفي وزارة إسكان الانقلاب يسربون أسماء الفائزين وقاعدة البيانات الخاصة بهم، ما يمكّن السماسرة من مطاردة المستفيدين لإغرائهم ببيع وحداتهم مقابل ما يُعرف بـ"الأوفر"، والذي قد يتراوح بين 200 ألف جنيه ويصل إلى مليون جنيه في حالة الأراضي".