تواصل فضائح نهب الآثار المصرية في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، حيث لم يعد الفساد مجرد وقائع فردية أو تجاوزات إدارية، بل تحول إلى منظومة متكاملة تحميها مؤسسات الدولة نفسها. القضية الأخيرة المتعلقة بسرقة سوار ذهبي أثري نادر من المتحف المصري لم تكن سوى حلقة صغيرة في سلسلة طويلة من عمليات نهب منظمة، تستهدف تراث مصر وتاريخها.
النيابة العامة كشفت في تحقيقاتها عن اختفاء سجلات تداول ومعامل الترميم داخل المتحف المصري، ما يثير شكوكا عميقة حول تعمد تغييب هذه الوثائق لتسهيل الاستيلاء على القطع الأثرية دون أثر. ووفقاً لرواية النيابة، فإن إحدى موظفات الترميم سرقت السوار من داخل الخزينة الحديدية، وباعته لاحقاً لأحد الصاغة. لكن هذه القصة الساذجة تبدو أقرب إلى غطاء لجرائم أكبر، حيث تشير القرائن إلى شبكة فساد واسعة داخل مؤسسات الدولة نفسها.
القضية تطرح أسئلة جوهرية: كيف تُسرق قطعة أثرية مرصعة باللازورد من قلب المتحف المصري، أعرق المتاحف في العالم، دون أن يتم تسجيل حركتها أو إثبات خروجها؟ وكيف تُطفأ كاميرات الرقابة ويُغيب الجرد الدوري والسجلات الداخلية؟ الأمر يبدو أقرب إلى تواطؤ مقصود لتسهيل عمليات النهب.
هذه الواقعة ليست الأولى في زمن السيسي. فمنذ انقلابه العسكري عام 2013، تكررت عمليات تهريب وبيع الآثار المصرية بشكل غير مسبوق:
- فضيحة متحف اللوفر في أبوظبي، حين أُخرجت آلاف القطع الأثرية المصرية لتُعرض هناك فيما وصفه مراقبون بـ"أكبر سرقة في التاريخ الحديث"، ولم يُحاسب أحد.
- حادثة إطفاء الكهرباء بمطار القاهرة، التي قيل إنها تمت عمداً لتسهيل خروج شحنات أثرية ضخمة دون رقابة.
- اختفاء عشرات القطع النادرة من المخازن والمتاحف في وقائع لم يتم الإعلان عن تفاصيلها أو محاسبة المتورطين فيها.
إن تحويل قطاع الآثار إلى ساحة مفتوحة للنهب يكشف بوضوح أن النظام الحالي لا يحمي تراث مصر بل يشارك في تصفيته وبيعه. فما يحدث ليس مجرد فساد إداري بل جريمة ممنهجة، يقودها رأس النظام نفسه، حيث تتقاطع مصالح رجال السلطة مع عصابات التهريب العالمية، ليصبح التاريخ المصري العريق بضاعة تباع في المزادات العالمية.
وإذا كان السوار الذهبي المسروق هو "أقل حلقة" في هذه السلسلة، فإنه يكشف المستور: مصر في زمن السيسي تعيش أخطر موجة نهب منظم لتراثها منذ الاحتلال، لكن هذه المرة على يد من يحكمها، وبغطاء رسمي كامل.