لم يصمد ما روّج له نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي طويلاً عن “استقرار الجنيه المصري” و”عودة الثقة بالاقتصاد الوطني”، إذ عاد الدولار للارتفاع مجددًا في البنوك والسوق الموازية، ليفضح هشاشة ما تسميه الحكومة “الإنجاز الاقتصادي”، ويؤكد أن ما جرى لم يكن سوى استقرار مصطنع ممول بالديون، ومغطى بالدعاية الرسمية.
منذ تعاملات الإثنين، الماضي ارتفع سعر الدولار إلى نحو 47.95 جنيهًا للبيع في البنك المركزي، بعد أن فقد الجنيه حوالي 65 قرشًا في يومين فقط، بينما تجاوزت الأسعار في السوق الموازية هذا الرقم بكثير. هذا التراجع السريع يعيد للأذهان موجات الانهيار السابقة، ويكشف أن ما تحقق من “تحسّن” لم يكن إلا نتيجة الضخ المؤقت للأموال الساخنة، أو اقتراض جديد يغطي عجزًا متفاقمًا لا نهاية له.
تفاؤل زائف وإعلام مأجور
رغم محاولات الحكومة ووسائل إعلامها الترويج لأجواء من “التفاؤل” عقب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وانتعاش محدود في حركة قناة السويس، إلا أن الحقائق الاقتصادية على الأرض تُكذب ذلك. فالأزمة الهيكلية للاقتصاد المصري أعمق من أن تُعالج بشحنات دعائية أو تصريحات لمسؤولين فقدوا المصداقية.
ويشير محللون ماليون إلى أن التصريحات المتكررة من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزرائه حول “استعادة الثقة” ما هي إلا محاولة لتجميل واقع مأزوم، في ظل ديون تجاوزت قدرة الدولة على السداد، وتراجع حاد في الموارد الدولارية الأساسية، على رأسها قناة السويس التي انخفضت إيراداتها بنحو 45% خلال عام واحد.
الديون والسرقات.. خنجر في خاصرة الجنيه
تبدو الأزمة الحالية انعكاسًا مباشرًا لسياسات النظام التي أهدرت الدخل القومي على مشاريع وهمية لا عائد منها، مثل العاصمة الإدارية والقطار الكهربائي، بينما يعيش ملايين المصريين تحت خط الفقر. في المقابل، تواصل طبقة الجنرالات وكبار رجال السيسي تراكم الثروات عبر الامتيازات والعمولات واحتكار الاقتصاد في مجالات مدنية بالكامل.
ويحذر خبراء الاقتصاد من أن الاستدانة العشوائية، التي تجاوزت 162 مليار دولار من الديون الخارجية، إلى جانب استحقاقات سداد تصل إلى 24 مليار دولار في 2026، باتت تلتهم أي احتياطي من العملة الصعبة، وتُضعف قدرة البنك المركزي على الدفاع عن الجنيه.
تضخم واستيراد بلا إنتاج
على الرغم من تسجيل تحويلات المصريين بالخارج والسياحة بعض التحسن، فإنها موارد مؤقتة وهشة لا يمكن أن تصمد أمام عجز تجاري بلغ 37 مليار دولار، وتدهور في الميزان النفطي وصل إلى 13.9 مليار دولار. ومع تراجع الاستثمار الأجنبي الحقيقي وضعف الصادرات، يصبح الحديث عن “استقرار الجنيه” مجرد خداع إعلامي لإطالة عمر الانهيار.
حلقة مفرغة من الفشل
مع كل ارتفاع جديد للدولار، تتراجع الثقة في الاقتصاد، ويهرب المستثمرون من أدوات الدين الحكومية، فتتقلص التدفقات الدولارية أكثر، ويزداد الضغط على الجنيه. في المقابل، ترتفع أسعار الذهب محليًا، كملاذ شعبي للهروب من العملة المتهالكة، مما يُفاقم حالة الدولرة ويُضعف الجنيه أكثر.
ويرى خبراء أن استمرار النظام في تجاهل الإصلاح الحقيقي — القائم على الإنتاج، والشفافية، ومكافحة الفساد داخل المؤسسة العسكرية — سيقود إلى انهيار تدريجي للجنيه، مهما ضخّت الحكومة من تصريحات أو استدانت من الخارج.
ليس “هبوطًا طبيعيًا”
ما يجري اليوم ليس “هبوطًا طبيعيًا” كما يدّعي المسؤولون، بل سقوطًا ممنهجًا لعملة بلد نُهبت موارده وسُيّر اقتصاده لخدمة فئة محدودة من المنتفعين حول رأس النظام. الجنيه المصري، الذي كان يومًا رمزًا لاستقرار البلاد، بات شاهدًا على مرحلة غير مسبوقة من الفساد المالي وسوء الإدارة، حيث تُدار دولة كاملة بعقلية المقاول العسكري لا برؤية اقتصادية وطنية.