من بيع الأصول والآثار إلى “التاكسي الطائر”.. هل أصبحت الإمارات بوابة إسرائيل إلى سماء مصر وأرضها؟

- ‎فيتقارير

 

أثار إعلان شركة "طيران أبو ظبي" عن إطلاق خدمة "إير تاكسي" في مصر، بالتعاون مع القوات الجوية المصرية، عاصفة من الجدل السياسي والأمني، بعدما اعتبر مراقبون أن المشروع الجديد ليس مجرد استثمار سياحي، بل نافذة إضافية تمنح الإمارات – ومن ورائها إسرائيل – حق التحليق في سماء مصر ورؤية ما لا يجب أن يُرى.

 

الحفل الذي أقيم أمام أهرامات الجيزة لتدشين مشروع "Egypt Air Taxi" كشف عن شراكة بين الشركة الإماراتية وشركة "TCM"، الذراع الاستشاري لمجموعة "برايم مصر"، وسط غموض حول حجم ودور القوات الجوية في هذا المشروع، وهو ما أثار الشكوك حول طبيعة الترتيبات الأمنية ومنح التراخيص الجوية لشركة أجنبية في بلد يمنع استخدام حتى طائرات الدرون الصغيرة.

 

أرقام براقة.. ومخاطر غائرة

 

المشروع الممول إماراتيًا ومصريًا بتكلفة تقارب 5 مليارات جنيه (105.6 مليون دولار)، يبدأ تشغيله بـ 4 طائرات عمودية حديثة قابلة للزيادة إلى 8، بأسعار تبدأ من 200 دولار داخل القاهرة وتصل إلى 1500 دولار للمدن السياحية مثل شرم الشيخ والغردقة وسيوة.

المرحلة الأولى تنطلق من مطار ألماظة العسكري شرق القاهرة، وتشمل رحلات فوق الأهرامات ونهر النيل والعاصمة الإدارية والساحل الشمالي وسيوة والأقصر وأسوان، قبل التوسع إلى خدمات النقل الطبي والشحن السريع.

 

لكن خلف هذه الأرقام اللامعة، تبرز أسئلة أمنية بالغة الحساسية:

كيف يُسمح لطيران أجنبي – إماراتي بالاسم، إسرائيلي بالعمق – بالتحليق بحرية فوق مناطق عسكرية ومنشآت حيوية؟ ومن يضمن أن هذه الرحلات ليست وسيلة للتصوير والرصد والتجسس؟

 

الإعلامي هيثم أبو خليل وصف المشروع بأنه “اختراق للأجواء المصرية تحت لافتة السياحة”، محذرًا من احتمالات جمع معلومات حساسة في ظل العلاقات التطبيعية الحارة بين أبو ظبي وتل أبيب.

 

تناقض فاضح مع القوانين المصرية

 

المفارقة أن القانون المصري رقم 216 لسنة 2017 يحظر حيازة أو استخدام الطائرات بدون طيار (درون)، ويفرض عقوبات صارمة تصل إلى الحبس.

بل إن السلطات المصرية اعتقلت العام الماضي طالبًا في كلية الهندسة لمجرد أنه صنع طائرة صغيرة للاستخدام العلمي، بحجة “تهديد الأمن القومي”.

 

فكيف تُمنح إذن شركة أجنبية حق تشغيل أسطول طائرات عمودية تجارية تنطلق من مطار عسكري، بينما يُجرَّم المواطن العادي إذا امتلك طائرة صغيرة للتحكم عن بُعد؟

هذا التناقض يعكس – في نظر محللين – أن الأمن القومي المصري لم يعد يُدار بمعايير وطنية بل وفق مصالح النظام وشركائه الخليجيين.

 

من "رأس الحكمة" إلى "إير تاكسي" الإمارات في قلب أصول مصر

 

إطلاق خدمة التاكسي الطائر تزامن مع سلسلة تنازلات اقتصادية استراتيجية قدّمها النظام المصري للإمارات:

 

مشروع “رأس الحكمة” في الساحل الشمالي الغربي الذي منح أبو ظبي نصيب الأسد من الشواطئ المصرية مقابل مليارات موعودة.

 

الاستحواذات الإماراتية على قطاعات الاتصالات والموانئ والصحة والتعليم والبنوك.

 

مشروعات سياحية مشتركة مع السعودية وقطر بتمويل خليجي وهيمنة إماراتية على القرار التنفيذي.

 

ويرى محللون أن الإمارات أصبحت “المفوّض السامي” لإدارة أصول مصر الاقتصادية، مستفيدة من حاجة النظام إلى الدولار السياسي قبل الاقتصادي، مقابل تمكينها من السيطرة على مفاصل حساسة تمس السيادة الوطنية.

 

رفض غربي لما تقبله القاهرة

 

المفارقة أن الدول الغربية التي تستقبل استثمارات إماراتية، تتعامل معها بحذر أمني بالغ.

فقد رفضت الحكومة البريطانية مطلع 2024 استحواذ شركة “الإمارات للاتصالات” على حصة في “فودافون بريطانيا” لأسباب تتعلق بالأمن القومي، كما رفضت صفقة شراء صحيفة “التلغراف” من قبل شركة إماراتية مدعومة من الشيخ منصور بن زايد.

 

وفي الولايات المتحدة، أوقف الكونغرس عام 2006 منح “موانئ دبي” إدارة 6 موانئ أمريكية خشية اختراق أمني.

 

فإذا كانت هذه الدول المتحالفة مع الإمارات تمنعها من الاقتراب من منشآتها الحيوية، فكيف تفتح لها مصر أجواءها العسكرية وتمنحها حق التصوير من السماء؟

 

محللون: “صفقة مشبوهة” و”غسيل أموال”

 

الكاتب والمحلل السياسي أحمد حسن بكر يرى أن المشروع لا يمثل استثمارًا حقيقيًا بقدر ما هو “سبوبة مغلفة بالاستعراض السياحي”.

ويضيف أن التمويل المعلن (5 مليارات جنيه) لا يتناسب مع قيمة الأسطول المعلن (4 طائرات فقط)، مشيرًا إلى أن رأس مال الشركة المصرية المشاركة (برايم القابضة) لا يتجاوز 350 مليون جنيه، ما يثير الشبهات حول مصادر التمويل واحتمالات غسيل أموال.

 

ويحذر بكر من أن دخول الإمارات في أي مشروع مصري بات “مؤشرًا على وجود أهداف غير اقتصادية”، خاصة بعد أن ظلت الإمارات مدرجة حتى منتصف 2025 على قائمة الاتحاد الأوروبي للدول عالية المخاطر في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب أن الإمارات تشكّل مركز التقاء المصالح الإسرائيلية في المنطقة.

 

خيانة صامتة أم صمت الخائفين؟

 

السؤال الذي يتردد في أوساط المصريين:

إذا كان السيسي يمنح هذه الامتيازات وهو يعلم أن الإمارات مجرد واجهة اقتصادية لإسرائيل، فلماذا يصمت باقي أفراد المؤسسة العسكرية والمعارضة بالداخل؟

هل بلغ الاختراق الإسرائيلي للمؤسسة المصرية هذا الحد، أم أن الصمت أصبح ثمن البقاء في منظومة الحكم؟

 

يرى مراقبون أن السيسي لا يمنح الإمارات هذه الامتيازات مجانًا، بل يستخدمها كغطاء آمن لعلاقاته مع إسرائيل دون أن يُتهم رسميًا بالتطبيع الكامل، فالإمارات هي “الوسيط النظيف للصفقات القذرة”، سواء في بيع الأراضي، أو تمرير الغاز، أو السماح بالتحليق الجوي عبر سماء مصر.

 

ختامًا: أمن مصر في مهب الريح

 

بين “رأس الحكمة” و”التاكسي الطائر”، تتكرس سياسة تفكيك السيادة المصرية تحت لافتة “الاستثمار”، في وقت يعاني فيه المواطن من الفقر والعجز وفقدان الأمل.

 

ومع كل خطوة جديدة تمنح فيها القاهرة امتيازًا استراتيجيًا للإمارات، يتأكد أن الاقتصاد لم يعد وحده المرهون، بل الأمن القومي نفسه أصبح في المزاد.