يواجه مرضى الفشل الكلوي الموت فى كل ساعة بسبب نقص الأدوية الخاصة بعلاج هذا المرض الذى فشلت حكومة الانقلاب فى توفيره بانتظام طوال الخمسة أعوام الماضية سواء بسبب أزمة نقص العملة الصعبة لاستيراده من الخارج أو لتوقف انتاج البديل المحلى بسبب أزمات مثل نقص الغاز الطبيعى أو عدم توافره أو وقف خطوط الانتاج فى بعض شركات الأدوية للضغط على حكومة الانقلاب من أجل رفع الأسعار .
كانت حملة إنقاذ مرضى الفشل الكلوي قد كشفت أن حقن “إيبوتين” التي كانت تصرف بانتظام لمرضى الفشل الكلوي الذين يتلقون علاجهم على نفقة دولة العسكر، تقلصت كمياتها، ثم اختفت تماما من المستشفيات والصيدليات .
وقالت الحملة فى بيان لها إن أزمة مرضى الفشل الكلوى لا تتوقف عند نقص الأدوية فقط، بل تشمل تكاليف الفحوص والتحاليل والإشعة اللازمة للعلاج الجراحي، حيث تُفرض على المرضى حتى في حالات العلاج على نفقة دولة العسكر .
المنظومة المميكنة
وأشارت إلى أن المشكلات التي يواجهها المرضى، لا تقف عند حدود الأدوية، بل وصلت إلى فلاتر الغسيل الكلوي نفسها، موضحة أنه بعد تطبيق ،“المنظومة المميكنة” لخدمات غسيل الكلى، صار يُطلب من المرضى تسجيل بياناتهم إلكترونيًا بحجة توفير فلاتر غسيل تناسب أوزان كلٍ منهم، لكن النتيجة جاءت عكسية، ويتم في أحيان كثيرة تركيب فلاتر محلية الصنع، غير مناسبة للمرضى، أثناء جلسات الغسيل الكلوي، كبارًا كانوا أو أطفالًا، لتتحول جلسة الغسيل من وسيلة للبقاء إلى معاناة مضاعفة .
وشددت الحملة على أن المشكلة أكبر من نقص دواء أو ارتفاع التكاليف، وأن المنظومة العلاجية بأكملها تنهك المرضى وأسرهم، مؤكدة أن مرضى الفشل الكلوي يعيشون ضغوطًا مركبة نتيجة نقص الأدوية والمستلزمات، وارتفاع تكاليف الدم، وعدم توفير دعم حقيقي للانتقالات .
وطالبت دولة العسكر بالتحرك بشكل عاجل لضمان توفير الأدوية والحقن الأساسية، وإقرار حقوق المرضى بشكل عادل بعيدًا عن المعاناة القضائية أو التبرعات الفردية.
إيثروبويتين
فى هذا السياق قال استشاري أمراض الكلى والباطنة الدكتور حامد عزت العراقي : أزمة نقص الأدوية الخاصة بمرضى الفشل الكلوي لم تصل إلى حد الكارثة بعد، لكن أبرز ما يعانيه المرضى هو النقص المتكرر في عقار “إيثروبويتين” الذي يُعد العلاج الأساسي لمشكلة الأنيميا لديهم، موضحا أن غياب الدواء يؤدي إلى إجبار المرضى على اللجوء إلى نقل الدم، وهو بديل مرهق ماديًا وصحيًا، نظرًا لعدم توافر أكياس الدم بشكل دائم وصعوبة الحصول على الفصائل المناسبة، فضلًا عن ارتفاع تكلفته .
وأكد العراقى فى تصريحات صحفية أن مادة “إيثروبويتين” لا تتوفر إلا من خلال أسماء تجارية محدودة، مثل: “إيبوتين”، “إيبياو”، و”ريكورمون”، موضحا أن المشكلة ليست في العلامة التجارية بل في المادة الخام المستوردة التي تشهد نقصًا دوريًا.
وكشف أن هناك أدوية أخرى يشهد السوق نقصًا فيها، منها أدوية التعويض بعد جلسات الغسيل الكلوي، مثل فيتامين “ب المركب” و”إل-كارنيتين”، لكنها بدائل متاحة إلى حد ما ولا تمثل خطورة كبرى، أيضًا دواء “سيڤيلامير” المستخدم في خفض نسبة الفوسفور بالدم يعاني هو الآخر من نقص، خاصة بعد خروجه من قائمة الأدوية المغطاة بالتأمين الصحي، وهو ما يضاعف العبء على المرضى بسبب ارتفاع سعره .
وأوضح العراقي أن أزمة الدولار دفعت حكومة الانقلاب إلى استبدال بعض الأصناف المستوردة بالمحلية، وهو ما أثار قلقًا لدى مرضى زراعة الكلى الذين يتخوفون من التأثيرات السلبية لأي تغيير في بروتوكولات العلاج، مشددًا على أن هذا القلق لا يقتصر على الجانب الصحي فحسب، بل يمتد إلى الجانب النفسي أيضًا، حيث يشعر المرضى بعدم الاطمئنان تجاه البدائل المحلية، وبعضهم لم يستجب لها بالشكل المطلوب.
فلاتر الغسيل الكلوي
وأشار العراقى إلى شكاوى بعض المرضى من عدم ملاءمة أحجام فلاتر الغسيل الكلوي لأوزان أجسادهم، مؤكدًا أن نسبة كبيرة من الفلاتر الموردة عبر هيئة الشراء الموحد مستوردة وعالية الجودة، إلا أن بعض الفلاتر المحلية قد لا تناسب جميع الحالات، خاصة أن اختيار الفلتر يجب أن يرتبط بوزن المريض، وهو ما لا يتحقق دائمًا بعد توقف بعض الشركات الموردة.
وقال : المريض كان في الماضي يحصل على بدل انتقال بحكم قضائي وفقًا للمسافة بين منزله ومركز الغسيل الكلوي، أما الآن فيُجبر البعض على توقيعات غير واضحة القيمة، وهو ما يستدعي اللجوء للقضاء مجددًا لإثبات حقه، محذرا من أن عدد مرضى الغسيل الكلوي في تزايد مستمر نتيجة انتشار أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم، وهما السببان الرئيسيان للفشل الكلوي على مستوى العالم .
وأكد العراقى أن نسبة إشغال الأجهزة في مصر تتراوح ما بين 60 و70% فقط، مشيرًا إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في سوء توزيع الأجهزة والكوادر الطبية بين المحافظات، لا في نقص الأجهزة نفسها.
نقص حاد
وقال الدكتور محمد جمال، مدير مراكز صناع الحياة للغسيل الكلوي، إن مرضى الفشل الكلوي يواجهون معاناة يومية شديدة، تبدأ من انتقالهم ثلاث مرات أسبوعيًا إلى وحدات الغسيل لإجراء جلسات تستغرق نحو أربع ساعات، ليقضي المريض خارج منزله ما لا يقل عن خمس أو ست ساعات في كل مرة، وهو ما يرهقه جسديًا وماديًا، خاصة مع حاجته الدائمة إلى مرافق وما يتكبده من مصاريف أجرة المواصلات.
وأوضح جمال فى تصريحات صحفية أن المرضى يعتمدون على أدوية تُصرف لهم بقرارات علاج على نفقة دولة العسكر، أبرزها حقن “الإل-كارنيتين” و”البي-كوم” التي تُعطى بعد الجلسات، بالإضافة إلى حقن “الإيبوتين” لعلاج فقر الدم، مؤكدا أن هذه الأدوية تشهد نقصًا حادًا حاليًا، حيث يحصل المريض أحيانًا على خمس أو ست حقن فقط بدلًا من 13 حقنة مطلوبة لتغطية جلسات الشهر، مما يضطره إلى البحث عن بدائل باهظة الثمن في السوق، إذ قد يتجاوز سعر الحقنة الواحدة 200 إلى 300 جنيه.
وكشف أن عدم انتظام المريض في الحصول على هذه الحقن يؤدي إلى انخفاض مستويات الدم وإصابة المريض بالأنيميا، ما يجبر الأطباء على اللجوء إلى نقل الدم، لكن نقل الدم ليس الحل الأمثل، إذ قد يرهق المريض ويزيد من معاناته، رغم أن عمليات النقل الآن أكثر أمانًا كون أكياس الدم تخضع لفحوصات دقيقة في بنوك الدم المركزية والمستشفيات الكبرى، للحيلولة دون حدوث عدوى .
إعادة توزيع المرضى
وأكد جمال أن الأزمة الحالية تقتصر على نقص بعض أدوية فقر الدم وحقن “التشطيب”، في حين لا توجد أزمات حادة في المستلزمات الأخرى مثل المحاليل المتوفرة بشكل واسع، لكن مدى توفر الدواء قد يختلف من مستشفى لآخر ما يضطر بعض المرضى لشرائه من الخارج بأسعار مرتفعة.
ولفت إلى أن معظم مرضى الفشل الكلوي يطالبون منذ سنوات بإدراج مرضهم ضمن بطاقة الخدمات المتكاملة ومعاش “تكافل وكرامة”، باعتباره مرضًا مزمنًا لا شفاء منه، يساوي في أثره الإعاقات الدائمة، إلا أن هذا المطلب لم يُدرج تشريعيًا حتى الآن، رغم أنه سيوفر للمرضى مميزات اجتماعية وخدمية مهمة، موضحًا أن بدل المواصلات الذي حُكم به قضائيًا لمرضى الغسيل الكلوي يُصرف حاليًا بعد إجراءات طويلة، وبمبالغ قليلة لا تغطي التكلفة الفعلية .
وأوضح جمال أن الحل يكمن في إعادة توزيع المرضى على المراكز الأقرب جغرافيًا لتخفيف العبء المالي والبدني عنهم.