في مشهد يعكس قمة التناقض والاستخفاف بعقول المصريين والفلسطينيين معاً، خرج المنقلب عبد الفتاح السيسي ليعلن أن مصر ستستضيف مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار غزة في نوفمبر المقبل، داعياً الشعب المصري – الذي أنهكه الفقر والضرائب – إلى المساهمة في "إعمار القطاع"، بعد عامين من صمته المطبق على المجازر، ورفضه إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، بحجة أنه "لا يريد إدخال مصر في مخاطرات".
لكن السخرية الأكبر أن السيسي يتحدث عن "تضامن ومحبة تجاه الأشقاء الفلسطينيين"، بينما كان معبر رفح – المصري الفلسطيني – رهينة بقرار من الاحتلال الصهيوني، لا يُفتح إلا بإشارة من تل أبيب، في إذلالٍ لم تعرفه مصر حتى في أحلك عصورها.
إعمار غزة.. على طريقة السيسي
الحديث عن "إعمار غزة" يبدو أقرب إلى مسرحية رديئة الإخراج، إذ لم ينسَ الفلسطينيون بعد أن أحد أذرع النظام الأمنية، المدعو إبراهيم العرجاني، حوّل معاناة الغزيين إلى تجارة مربحة، بعدما فرض على المرضى والطلاب مبالغ فلكية تتراوح بين 30 و50 ألف دولار للدخول عبر رفح.
ولم تكن تلك "الشركة الأمنية" سوى واجهة لتجارة سياسية قذرة، يديرها العرجاني اسماً، ويملكها فعلياً نجل السيسي الأكبر، محمود السيسي، بحسب مصادر متطابقة، ملايين الدولارات كانت تُجبى يومياً من دماء ومعاناة الفلسطينيين، بينما يتحدث الأب عن "المحبة والتضامن"!
أين ذهبت أموال المصريين؟
يتحدث السيسي عن "الإصلاح الجذري"، بينما تغرق البلاد في الديون والقروض، وتتآكل قيمة الجنيه إلى حدٍ غير مسبوق، في الوقت الذي يشتري فيه طائرة رئاسية جديدة يتجاوز ثمنها نصف مليار دولار من دم الشعب، ويُشيّد القصور بلا توقف، ثم يطلب من الفقراء التبرع لغزة.
فهل يسأل المصريون: لماذا لا يبيع السيسي طائرته الجديدة أو قصور عصابته – من مصطفى مدبولي إلى مصطفى بكري – قبل أن يمد يده لجيوبهم؟
الشعب فقد الثقة في عصابة الحكم
لم تعد خطابات السيسي قادرة على إقناع أحد، ولا سيما حين يتحدث عن "تحمل الظروف الاقتصادية" بينما تتضاعف أسعار الوقود والغاز للمرة العشرين في عهده، ويواصل تحميل ثورة يناير مسؤولية كل أزماته، رغم أنه هو من جرّ البلاد إلى الإفلاس، ورفع الدين الخارجي من 46 ملياراً إلى أكثر من 161 مليار دولار خلال 11 عاماً، تحت شعار "مشروعات قومية" انتهت إلى عاصمة للأوهام وقطار لا يركبه أحد.
الخلاصة
حين يتحدث السيسي عن "إعمار غزة"، فالسؤال البديهي:
من يُعمّر غزة؟ من شارك في حصارها؟ من تواطأ في دمارها؟
إنها نسخة مكررة من سياسة التضليل التي يتقنها النظام العسكري: نهب داخلي، وادعاء بطولات خارجية.
وإذا كان السيسي يريد إعمار غزة، فليبدأ أولاً بإعمار ضميره، وإزالة الركام الذي خلّفه في الكرامة المصرية والفلسطينية على حد سواء.