عبّر مراقبون في اجتماع القمة العربية في قطر في سبتمبر ماضي عن تقديرهم لنظرة الحيرة التي نظر بها الرئيس السوري إلى عبدالفتاح السيسي منقلب القوات المسلحة على الرئيس د.محمد مرسي، واليوم عبر بعضهم عن تخوفهم من تؤدي السياسة السورية إلى استيعاب الإدارة الأمريكية للرئيس أحمد الشرع وإدارته بعد سلسلة من النقاط منها تتابع استقباله واللقاء معه خلال العام المنصرم لعدة مرات، وأخيرا الإيعاز إلى مجلس الأمن، ثم الاتحاد الأوروبي إلى إزاله اسم الشرع ووزير داخليته أنس خطاب من قوائم المطلوب القبض عليهم و"الإرهاب" والعقوبات، ثم وقوف الشرع خلف ترامب الجالس على طاولة مكتبه، وهي تشبه صورة لترامب مع المكسيكي في دورة ترامب الأولى.
وقال مراقبون: إن "الشرع زعيم جديد يقود سوريا وسط شبكة معقدة من القوى الدولية والإقليمية، بين دعم تركيا والخليج، وتراجع روسيا وإيران، وحياد تجاه إسرائيل (كلب حبله في يد الأمريكان)، وغياب أوروبا".
ويبقى الشعب السوري في قلب المعادلة، متعطشًا لحياة كريمة، بينما الشرع يسير بحذر في "حقل ألغام".
وفي 11 نوفمبر ومع استقبال ترامب للرئيس أحمد الشرع كتب الرئيس الأمريكي على شبكة "تروث سوشال": "كان شرفًا لي أن أقضي وقتًا مع أحمد حسين الشرع، الرئيس الجديد لسوريا، حيث ناقشنا كل التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالسلام في الشرق الأوسط، وهو من أبرز الداعمين له. أتطلع للاجتماع والتحدث معه مرة أخرى، الجميع يتحدث عن المعجزة العظيمة التي تجري في الشرق الأوسط، إن وجود سوريا مستقرة وناجحة أمر مهم للغاية لجميع دول المنطقة.".
حوار الشرع والكيان
ثم كان من الصحف الامريكية أن تلتقي الشرع رئيس سوريا (واحدة من الدول المحورية جدا في العالم العربي) ونقل الصحفي @tamerqdh مقتطفات من لقاء للرئيس السوري أحمد الشرع مع صحيفة واشنطن بوست، طرح الصحفي عدة أسئلة، وكان أحدها: سوريا تتعرض لهجمات متكررة من "إسرائيل"، التي تحتل أراضيكم وتؤجج الانقسامات، خصوصًا بين الدروز، كيف ستحمون السيادة السورية؟
الشرع: خضنا حرباً مع "إسرائيل" قبل 50 عاماً، ثم تم توقيع اتفاق فك الاشتباك عام 1974، واستمر نصف قرن، لكن بعد سقوط النظام السابق، ألغت "إسرائيل" الاتفاق، وتوسعت واحتلت أراضٍ جديدة وطردت قوات الأمم المتحدة، ومنذ 8 ديسمبر نفذت أكثر من ألف غارة، شملت قصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع، لكننا لم نرد، لأننا نركز على إعادة بناء سوريا.
وتابع الشرع : وتقدم "إسرائيل" داخل سوريا ليس بدافع أمني بل بسبب طموحات توسعية. "إسرائيل" تقول إنها تخاف من إيران وحزب الله، لكننا نحن من طرد تلك الميليشيات، نحن الآن في مفاوضات مباشرة مع "إسرائيل"، وقطعنا شوطاً جيداً نحو اتفاق، لكن للوصول إلى اتفاق نهائي، يجب أن تنسحب "إسرائيل" إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر.
وأكمل، "الولايات المتحدة تشارك في هذه المفاوضات، وكثير من الأطراف الدولية تدعم وجهة نظرنا، وترامب بدوره يدعمها ويسعى لتسريع الحل.".
وأمام سؤال آخر للصحيفة: هل ستقبل سوريا بنزع السلاح من الجنوب؟
أجاب الشرع: من الصعب الحديث عن منطقة كاملة منزوعة السلاح، لأن الفوضى قد تستغلها أطراف لمهاجمة إسرائيل، فمن يتحمل المسؤولية حينها؟ هذه أراضٍ سورية، ويجب أن يكون لنا حرية إدارتها، "إسرائيل" احتلت الجولان "لحماية نفسها"، والآن تفرض شروطاً في الجنوب "لحماية الجولان"، وغداً قد تحتل وسط سوريا لحماية الجنوب، حتى تصل إلى ميونخ.
اللاعب الإقليمي
ويعتقد مراقبون أن خطوات سوريا الجديدة الوليدة برعاية من تركيا، وعبر المستشار العسكري ناصر الدويلة @nasser_duwailah عن ذلك قائلا: "تركيا هي اللاعب الأساسي في الساحة السورية، لكنها لاعب نبيل تختلف عن لعب إيران، حينما كانت إيران هي اللاعب الأساسي في سوريا إيران كانت تدعم القتل و البراميل المتفجرة و الاعتقالات و السيارات المفخخة و لم تبنِ حجرا واحدا، بل هدمت كل شيء و أقامت مزارات و مقامات و شجعت الدجالين لممارسة طقوس مجوسية و هندوسية ( كما وصفها السيد كمال الحيدري ) لا علاقة لها باهل البيت و لا بالإسلام و شردت إيران 70٪ من الشعب السوري و تركت سوريا خرابا لا أمل يرتجى منها و لا خير فيها .".
واستدرك "في حين إن تركيا أقامت نظام حكم منفتح و متسامح مع خصومه و مع الأقليات و رجع المهجرون إلى ديارهم و عمرت في سوريا مشاريع الطاقة و المياه و النقل و أمنت الناس .".
وعن ذلك التحرك وتلك الرعاية، أوضح "الدويلة"، "أمس في قمة الشرع مع ترامب تفاجأت بحضور وزير الخارجية التركي فيدان حقان ذلك الاجتماع لدعم مطالب سوريا رفع العقوبات و تسهيل إعادة إعمارها، ورفع الحظر الدولي عن نظام التحويلات المصرفية و قد نجح الأخوة الأتراك في مسعاهم و تحقق للرئيس السوري كسر القيود التي تعرقل نهضت بلاده ".
اللوحة المعقدة
وفي سيناريو تحليلي تخيّلي كتبه د. عز الدين الكومي، يتناول شخصية "أحمد الشرع" (زعيم هيئة تحرير الشام سابقًا) والذي أصبح رئيسًا لسوريا بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024، ثم يرسم لوحة سياسية معقدة عن علاقاته بالقوى الدولية والإقليمية حتى نوفمبر 2025.
أشار "الكومي" إلى أن الشرع تحوّل من "إرهابي مطلوب" إلى رئيس يستقبل في البيت الأبيض ويصفه ترامب بـ"الرجل الجذاب" وأن أمريكا
رفعت المكافأة له، وأزالت تصنيفه كإرهابي، وخففت عقوبات "قيصر"، مقابل ذلك تولي ملف داعش والأكراد.
واتفق مع الدولية في أن الوضع الداخلي يعني وراثة اقتصاد منهار (تضخم 300%، بطالة 40%) وبنية تحتية مدمرة بنسبة 70%، وشعب متعطش للحريات والخدمات.
واعتبر أيضا أن تركيا أبرز داعم له منذ 2011، تستثمر في الإعمار، وتدرب الجيش، وتؤسس قواعد، وتريد سوريا موحدة وآمنة.
وعن روسيا وإيران والصين اعتبر أن الأخيرة غائبة سياسيًا، لكنها بدأت صفقات اقتصادية، تنتظر الاستقرار لتستثمر، وفقدت روسيا نفوذها، وقواعدها تحت رقابة سورية، وعقودها ألغيت، والشعب يكرهها أما إيران فكانت الخاسر الأكبر، حيث فُككت مليشياتها، وأغلقت ممراتها إلى لبنان، وتراجع نفوذها.
وأشار إلى الكيان لا يريد لسوريا أن تتقدم بل إن العدو الصهيوني يراقب ويضرب قواعد، وتريد سوريا ضعيفة لحماية الجولان ومنع حزب الله، في هذا الإطار تبدو أوروبا شبه غائبة، وتقدم مساعدات إنسانية محدودة.
وأوضح أن الخليج السعودية والإمارات وقطر يدعمون الإعمار، لكن يتنافسون على النفوذ في انضم الأكراد جزئيًا للجيش، لكن يرفضون التفكيك الكامل.
وبحكم أن الكاتب مصري أشار إلى أن مصر تحتفظ بتوتر مع الشرع والدليل هو سياسات القاهرة تجاه اللاجئين السوريين.
