في خطوة يراها أهالي جزيرة الوراق جزءاً من حملة ممنهجة لإخضاعهم وإجبارهم على ترك أراضيهم، أحالت النيابة العامة مساء الثلاثاء 10 من أبناء الجزيرة—بينهم المحامية هبة فتحي عبد الباري—إلى المحاكمة الجنائية، متهمةً إياهم بـ“مقاومة السلطات” والاعتداء على قوات الشرطة أثناء الاشتباكات الأخيرة على الجزيرة.
القضية رقم 5677/2025: من الضحية إلى الجاني
القضية المقيدة برقم 5677 لسنة 2025 جنايات الوراق، جاءت وفق رواية النيابة لتتهم الأهالي باستخدام القوة ووضع متاريس وإشهار أسلحة بدائية لمنع تنفيذ قرار إزالة عقاري رقم 140 لسنة 2024.
لكن فريق الدفاع عن المتهمين يؤكد أن السلطات تقلب الحقائق، وأن من تم الاعتداء عليهم من السكان، تحولوا في محاضر الشرطة إلى "جناة"، في محاولة لخلق ضغط نفسي وقانوني يجبرهم على التخلي عن منازلهم.
المحامية المعتقلة هبة فتحي، التي كانت تؤدي مهام عملها وتوثّق انتهاكات قوات الأمن بحق الأهالي، أصبحت هي نفسها إحدى أبرز المستهدفين. ويقول زملاؤها إن اعتقالها “رسالة تخويف” لكل من يفكر في الدفاع عن الجزيرة قانونياً.
ماذا يحدث على الأرض؟
شهود من الجزيرة يؤكدون أن ضباط شرطة، بينهم لواء بارز، هددوا الأهالي خلال الأسبوع الماضي بشكل مباشر:
“اللي هيقف قدام الدولة هياخد جزاءه.”
وبحسب السكان، يحاول الأمن تنفيذ مخطط الإخلاء على مراحل، مع قطع الخدمات وفرض حصار أمني خانق، وصولاً إلى اقتحامات متكررة لاستكمال عمليات الإزالة، رغم تمسّك الأهالي بحقوق ملكيتهم الراسخة قانونياً.
لماذا الإصرار على إخلاء جزيرة الوراق؟
منذ أن بدأت الحكومة قبل 10 سنوات الحديث عن "تطوير" الجزيرة—الممتدة وسط النيل شمال القاهرة—تحول المشروع سريعاً إلى واحد من أكثر ملفات نزع الملكية إثارة للجدل.
فالمخطط الحكومي يتضمن تحويل الجزيرة إلى منطقة استثمارية كبرى تضم فنادق ومجمعات سياحية، باستثمارات تتجاوز 7 مليارات دولار.
ومع رفض سكان الوراق التعويضات، تم نقل ملكية الإشراف على الجزر النيلية إلى الجيش ليصبح اللاعب الرئيسي في مشروع “تطوير” الوراق، وهو ما فتح الباب أمام صراعٍ مستمر بين الأهالي وقوات الأمن، اتخذ طابعاً أكثر شراسة كلما اقترب موعد تسليم الجزيرة “شاغرة” للمستثمرين.
البعد السياسي: لماذا كل هذا العنف الآن؟
وفق مصادر حقوقية وسياسية، فإن التعامل الأمني العنيف مع أهالي الوراق ليس مجرد “تنفيذ قرار إزالة”، بل يأتي في سياق أوسع يتعلق بـ:
تعهدات السيسي لشركائه الإقليميين، وعلى رأسهم الإمارات التي تتطلع للاستحواذ على مواقع استراتيجية على النيل لإقامة مشاريع ضخمة.
أزمة مالية خانقة تدفع السلطة لبيع ما يمكن بيعه من أصول الدولة لتعويض العجز، بما في ذلك الجزر النيلية.
تصفية أي مساحة للمقاومة الشعبية، وتوجيه رسالة للجميع بأن الاعتراض على مشروعات الدولة—حتى لو كانت على حساب الملكيات الخاصة—لن يُسمح به.
الوراق… عقدة السلطة التي لم تُحَلّ بعد
رغم الحصار وانقطاع الخدمات والاعتقالات والتهديدات، ما يزال آلاف الأهالي متمسكين بأرضهم، معتبرين أن ما يحدث ليس “تطويراً” بل انتزاع قسري لصالح مستثمرين وشركات مقربة من السلطة.
ومع إحالة محامية الأهالي وتسعة من أبناء الجزيرة للمحاكمة، يبدو أن النظام يتحرك نحو مرحلة أكثر قسوة من محاولات الإخلاء، بينما تستمر الوراق في الصمود كرمز للمقاومة المدنية في وجه مشروع يستهدف اقتلاع مجتمع كامل من جذوره.
