مركبة التوك توك أصبحت عنوانًا للعشوائية، وذريعة خلف كثير من الجرائم والمخالفات من خطف وسرقة وتحرش وحتى نقل مواد محظورة، وسط غياب للرقابة وصعوبة تتبعها، وذلك على الرغم من أهميتها فى بعض المناطق الشعبية .
وبرغم الكوارث التى تسببها التكاتك إلا أن حكومة الانقلاب فشلت فى مواجهة هذه الأزمة رغم القرارات الكثيرة التى أصدرتها فى هذا الخصوص لوقف التوكتوك أو استبداله بعربات الفان إلا أن شيئا لم ينفذ منها .
هذه الفوضى ترجع إلى مجموعة من الأسباب التى جعلت التوك توك يتحول من وسيلة نقل إلى ظاهرة اجتماعية وأمنية، فسهولة الحصول عليه دون اشتراطات صارمة جعلته الملاذ الأول للشباب العاطلين عن العمل، إذ يمكن لأى شخص أن يقوده دون ترخيص أو تدريب.
واقع اجتماعى واقتصادى
كما أن الحجم الصغير للتوك توك يمنحه ميزة الحركة فى الشوارع المزدحمة، فيتسلل حيث لا تستطيع السيارات المرور، لكن هذه الميزة نفسها جعلته وسيلة للهروب ، ما أدى إلى استغلاله فى أعمال خارجة عن القانون، من سرقات وتحرشات إلى نقل ممنوعات أو استخدامه فى مشاجرات واعتداءات.
هكذا ينساب مشهد مألوف لمركبة صغيرة ثلاثية العجلات تُعرف باسم التوك توك بين ضجيج السيارات وزحام المواصلات، لم يعد هذا المشهد مجرد تفصيلة من تفاصيل الأحياء الشعبية، بل أصبح علامة فارقة على واقع اجتماعى واقتصادى معقد، فبينما يرى فيه البعض وسيلة رزق لمحدودى الدخل، يراه آخرون مصدرًا للفوضى ومظلة تُغطّى جرائم عديدة، باتت ترتبط بهذه المركبة فى نظر كثير من المصريين.
ورغم هذه الجوانب المظلمة، يمثل التوك توك بالنسبة لآلاف الأسر شريان حياة، فكثير من السائقين يرونه باب رزق يطعم أسرًا كاملة .
أنا مش حرامى
فى هذا السياق قال أحد السائقين رفض ذكر اسمه : أنا مش حرامى، أنا بشتغل عشان أعيش.. لو سبت التوك توك، أولادى مش هيكلوا .
وأكد حسن، شاب26 سنة من المرج: أن الناس أول ما يشوفوا التوك توك، بيشدّوا شنطهم كأننا هنسرقهم. مع إنى بشتغل من 8 الصبح لـ12 بالليل علشان أساعد أمى وأخواتى
وأضاف : أنا عمرى ما مدّيت إيدى على حد، بس كلمة بلطجى بقت بتوجعنا.
مصنع أحذية
وقال محمد عبدالفتاح من الفيوم، إنه بدأ الشغل على التوك توك بعد ما قفل المصنع اللى كان بيشتغل فيه .
وأضاف عبدالفتاح : كنت عامل فى مصنع أحذية، ولما المصنع اتقفل مكنش قدامى غير التوك توك هو اللى مأكل عيالى، بس ساعات لما أوقف قدام لجنة أو كمين، بيبصولى كأنى مجرم. ليه؟ عشان فى شوية عيال بيستهبلوا وبيجروا بالناس .
أتعامل بذوق
وقال محمود سائق توك توك من بولاق : أنا علمت نفسى أتعامل بذوق، ألبس نضيف، وأحط لافتة مكتوب عليها احترم الزبون يحترمك
وأضاف: والله الناس بقت تعرفنى بالاسم، وكل يوم يجينى زباين ثابتين..بس برضو، كلمة بلطجى بتطاردنا .
سواقين محترمين
وقالت فاطمة، سيدة أربعينية تركب التوك توك يوميًا: بالعكس، فى سواقين محترمين جدًا. فيه واحد فى منطقتنا بيروح المدرسة ياخد العيال ويرجعهم كل يوم، وأهلهم مطمنين عليه. بس الإعلام ساعات بيركز على الأسوأ .
ترخيص رسمى
رغم كل الصعوبات، بيحلم السواقين أن يكون فيه تنظيم لشغلهم يحافظ على سمعتهم ويضمن أمان الناس.
وقال سعيد : نفسنا يكون فيه ترخيص رسمى لكل توك توك وسواق، علشان نثبت إننا مش بلطجية، إحنا عمال شرفاء .
حلول جذرية
من جانبه أكد أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية وخبير البلديات الدولية الدكتور حمدى عرفة، أن ملف التوك توك يحتاج إلى حلول جذرية وتنفيذ القرارات التى لم تُفعل حتى الآن، موضحًا أن محافظة الجيزة والقاهرة هما الوحيدتان اللتان منعتا الاسكوتر الكهربائى بقرار رسمى.
وقال عرفة فى تصريحات صحفية إنّ القرار الحكومى رقم 139 لسنة 2021 نص على استبدال نحو 5 ملايين توك توك بسيارات ڤان أكثر أمانًا وتنظيمًا، إلا أنه لم يُنفذ ، كما لم يُنفذ قرار وزير قطاع الأعمال الانقلاب الأسبق بتصنيع 100 ألف توك توك كهربائى.
وأضاف أن مصر تضم نحو 4 ملايين و711 ألف توك توك، لم يُرخص منها سوى 289 ألف مركبة فقط، وفقًا لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يعنى إهدارًا لمليارات الجنيهات من رسوم التراخيص والغرامات غير المحصلة.
وأشار عرفة إلى أن قانون المرور رقم 121 لسنة 2008 وتعديلاته، وكذلك قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، يمنحان المحافظين صلاحيات واسعة فى تنظيم سير التوك توك وتحديد أماكن تواجده.
اقتصاد موازٍ
وأكد أن هذا القطاع يمثل اقتصادًا موازيًا يوفر ما يزيد على 250 ألف فرصة عمل سنويًا، بإجمالى 4 ملايين سائق ينقلون قرابة 28 مليون مواطن يوميًا، وتقدر دخولهم الشهرية بنحو 18 مليارًا و800 مليون جنيه، ما يتطلب إعادة تنظيمه لا إلغاؤه، عبر إنشاء وحدة خاصة لتراخيص التوك توك داخل إدارات المرور بكل محافظة لتقنين أوضاع المركبات وضبط عملها.
وشدد عرفة على ضرورة منع قيادة الأطفال دون 18 عامًا لتلك المركبات، باعتبار ذلك مخالفة صريحة لقانون المرور، مشيرًا إلى أن 48% من سائقى التوك توك تقل أعمارهم عن السن القانونية.
حبس وغرامة
وقالت الخبيرة القانونية نهى الجندى : وفقًا لقانون المرور رقم 66 لسنة 1973 وتعديلاته، يعاقب القانون كل من يقود مركبة بدون ترخيص أو دون لوحات معدنية أو رخصة قيادة.
وأضافت نهى الجندى فى تصريحات صحفية : قد تصل العقوبات إلى الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامات مالية كبيرة، مع التحفظ على المركبة لحين التصالح أو صدور حكم قضائى.
وتابعت : تندرج أفعال التحرش تحت مواد قانون العقوبات، ويُعاقب عليها بالحبس لمدة قد تصل إلى خمس سنوات إذا اقترنت بظروف مشددة، مثل العودة أو ارتكاب الواقعة فى أماكن عامة. أما من يرتكب أفعال استعراضية تُعرض الآخرين للخطر، فقد يُواجه تهم الإضرار بأمن وسلامة الطريق، وهى تهم تصل عقوبتها إلى السجن.
