أعلنت حكومة الانقلاب ، أمس الخميس، تسلُّم قطعتين أثريتين من بلجيكا بعد ثبوت خروجهما من البلاد بطرق غير شرعية، في واقعة تُضاف إلى سلسلة استردادات متكررة، تؤكد أن الدول الأجنبية باتت هي الطرف الأكثر فاعلية في إعادة الآثار المصرية المنهوبة، في مقابل صمت داخلي لافت تجاه شبكات التهريب التي تعمل بلا رادع منذ عام 2013.
وقال مجلس الوزراء في بيان رسمي إن لجنة أثرية متخصصة من المتحف المصري بالتحرير قامت بتسلُّم القطعتين من مقر وزارة الخارجية، تمهيداً لنقلهما إلى المتحف لإجراء الفحوص الأولية وأعمال الترميم اللازمة، ثم عرضهما لاحقاً على لجنة سيناريوهات العرض المتحفي لإدراجهما ضمن القاعات المناسبة.
وأوضح البيان أن القطعتين المستردتين عبارة عن تابوت خشبي مطلي ومذهب يعود إلى العصر المتأخر، يتميز بزخارفه الجنائزية الدقيقة، إضافة إلى لحية خشبية أثرية كانت جزءاً من تمثال مصري قديم من عصر الدولة الوسطى، تمثل أحد الرموز المهمة في فن النحت المصري القديم.
ورغم الإشادة الرسمية بما وُصف بـ”التزام الدولة بالحفاظ على التراث الثقافي بالتعاون مع السلطات البلجيكية”، يطرح هذا الاسترداد – كغيره – سؤالاً جوهرياً ظل بلا إجابة منذ سنوات: من الذي يُهرّب الآثار من داخل مصر؟ وكيف تخرج هذه القطع من المطارات والموانئ بكل هذا اليسر، في وقت يستحيل فيه خروج مواطن محكوم سياسياً من البلاد؟
استرداد بلا محاسبة
اللافت أن البيانات الرسمية تكررت بنفس الصيغة في كل مرة: تسلُّم، فحص، ترميم، عرض متحفي… دون الإعلان مطلقاً عن فتح تحقيقات حقيقية داخلية، أو عن ضبط شبكات تهريب، أو عن محاسبة مسؤولين تقصيريّين في المنافذ الحدودية.
وبينما تُعلن الدولة تشديدها القبضة الأمنية على المواطنين، واعتقال عشرات الآلاف دون أحكام نهائية، تبقى شبكات تهريب الآثار خارج دائرة المساءلة، وكأنها تعمل في مساحة محصّنة من المحاسبة.
أرقام صادمة في المتاحف الأوروبية
وبحسب منظمة اليونسكو، تحتوي المتاحف البلجيكية وحدها على ما لا يقل عن 5000 قطعة أثرية مصرية، دخل نحو 30% منها على الأقل عبر قنوات مشبوهة خلال القرنين الماضيين. ويضم متحف الفن والتاريخ في بروكسل ما يقرب من 1800 قطعة مصرية، بينها تماثيل لأبي الهول، ومجموعات كاملة من البرديات النادرة، وحتى مومياوات لا تزال في توابيتها الأصلية.
وكانت مصر وبلجيكا قد توصلتا في يوليو/تموز الماضي إلى اتفاق لإعادة القطعتين بعد مفاوضات استمرت سنوات طويلة، وهو ما يعيد التأكيد على أن الضغط الدولي هو العامل الحاسم في عودة الآثار، لا الجهد الأمني المحلي.
سؤال بلا إجابة
وبرغم تزايد وقائع الاسترداد منذ عام 2013، لم تُشكّل حتى الآن لجنة مستقلة وشفافة للتحقيق في:
مسارات تهريب الآثار.
الجهات المتورطة داخل المؤسسات.
أسباب انهيار منظومة الحماية في مواقع الحفريات والمخازن.
سهولة مرور القطع المهربة عبر المنافذ الرسمية.
ويطرح مراقبون تساؤلاً بات يتردد على نطاق واسع:
كيف يُغلق المجال أمام المعارضين، وتُفتح الحدود عملياً أمام تهريب تاريخ مصر؟
