في ضوء دفاع متحدث الجيش عن أن الجيش مؤسسة من صلب الشعب و تصريحات مسؤولين مثل اللواء محمود خلف وحسام سويلم أكدت أن ميزانية الجيش "سر من الأسرار العليا" إضافة إلى مدح رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي للجيش وميزانيته، توصل الباحث مؤمن أشرف في ورقة نشرها عبر منصاته على التواصل الاجتماعي إلى أن قضية ميزانية الدفاع في مصر ليست مجرد مسألة أمن قومي كما يُروّج رسميًا، بل ترتبط ببنية اقتصادية وسياسية أوسع، حيث تُستخدم السرية كأداة لإخفاء الفساد والامتيازات، لا لحماية الدولة.
وخلص إلى أن التلاعب بميزانية الدفاع المصرية ليس خداعًا استراتيجيًا ضد العدو، بل وسيلة لإخفاء فساد عميق داخل الدولة، مشددا
بأمثلة حية على أن السرية تخدم مصالح ضيقة، بينما الشفافية هي التي تحمي الأمن القومي وتضمن أن موارد الدولة تُستخدم لمصلحة الشعب لا لمصلحة نخبة مغلقة.
الإنفاق الدفاعي الحقيقي
وأشار إلى أن الأرقام المعلنة لا تعكس الواقع، إذ أن الجزء الأكبر من الموارد يُدار خارج أي رقابة أو مساءلة، موضحا أن الإنفاق المعلن على التسليح بين 2010 و2019 بلغ نحو 16 مليار دولار مستدركا أن الإيرادات غير المعلنة من الشركات المدنية والمشاريع العسكرية لا يعرف الشعب مصيرها.
وأشار إلى أن المعونة الأمريكية (1.3 مليار دولار سنويًا) معلومة المصدر والاستخدام، لكنها موجهة للخارج، بينما الداخل محروم من المعلومات.
وأشار إلى أن في ضوء هذه الميزانية فإن الإنفاق على البحث والتطوير لا يتجاوز 10 ملايين دولار، ما يضعف قدرة مصر على بناء صناعات دفاعية محلية.
فساد وامتيازات
وعن وجهة الأموال الحقيقية اعتمد تقارير سابقة كشفت أن الفساد في مصر بين 2012 و2016 بلغ 67.6 مليار دولار، وهو رقم يعادل أربعة أضعاف مشتريات مصر من الأسلحة خلال 15 عامًا.
وعن الأمثلة البارزة أشار إلى عدة أسماء وتقارير وتعهدات منها أن اللواء سمير فراج باع أراضي الدولة لرجل أعمال بأقل من السعر السوقي.
والفريق مصطفى السيد عيّن ضباطًا متقاعدين برواتب مبالغ فيها في موانئ النيل.
وأشار إلى أن الجيش يدير أكثر من 70 شركة في مجالات مدنية (وقود، فنادق، مصانع)، ما يخلق إمبراطورية اقتصادية غير خاضعة للرقابة، لافتا إلى تعهد مصر لصندوق النقد الدولي بتقليص عدد هذه الشركات للحصول على قروض، ما يكشف أن القرار الاقتصادي يُحكم من الخارج لا من الداخل.
واعتبر أن نتيجة ذلك كان غياب الشفافية يخدم مصالح شخصية ويكرّس الفساد، لا الأمن القومي.
كما توصل إلى أن السرية الدستورية والقانونية حول ميزانية الجيش تخدم إخفاء الفساد لا حماية الأمن القومي، وأن المقارنة الدولية تثبت أن الدول المهددة بالحروب تعلن ميزانياتها الدفاعية علنًا دون ضرر.
وحذر من أن الفساد والامتيازات داخل المؤسسة العسكرية المصرية موثقة بأرقام ضخمة، وتؤثر مباشرة على الاقتصاد الوطني، وأن الإنفاق الدفاعي الحقيقي أقل من المعلن، بينما الإيرادات المدنية للجيش غير خاضعة للرقابة. مطالبا بالشفافية التي هي الضمانة الحقيقية للأمن القومي، لأنها تمنع استغلال المال العام وتضمن المحاسبة.
الإطار الدستوري والقانوني
ولم يغفل الباحث جور التشريعات التي يحمي بها قادة الجيش ميزانيتهم من الرقابة والحساب، وكشف أن هذه التشريعات كرّست وضعًا استثنائيًا للجيش، حيث لا يخضع لمساءلة مالية أو رقابة برلمانية، مما يفتح الباب واسعًا أمام الفساد.
ومن هذه المواد : المادة 203 من دستور 2014: نصّت على أن المجلس الأعلى للدفاع الوطني يناقش ميزانية القوات المسلحة وتُدرج كبند واحد في الموازنة العامة، هذا يعني أن الشعب والبرلمان لا يملكان حق الاطلاع أو المحاسبة.
قوانين وقرارات لاحقة:
تعديل قانون 89/1998 عام 2016 لإعطاء الجيش الأولوية في العقود الحكومية عبر الإسناد المباشر.
مرسوم 2020 بنقل 90 ألف فدان من وزارة الري للجيش.
مرسوم 2022 منح الجيش 36 جزيرة في النيل.
مرسوم 2023 خصص 938 ألف فدان لمنظمة تابعة للقوة الجوية.
قانون 182/2018: سمح لوزارة الدفاع بالتعاقد المباشر أو عبر عطاءات محدودة، ما ألغى المنافسة والشفافية.
مقارنة دولية
وأكد أن المقارنة الدولية تُظهر عكس الاستثناء المصري في اُستخدام الإخفاء للإنفاق غير المعلن حيث اشار إلى الكيان "إسرائيل" التي أعلنت علنًا عن زيادة إنفاقها الدفاعي عام 2026 إلى 30.8 مليار شيكل رغم كونها في حالة حرب.
وأضاف أن كوريا الجنوبية أعلنت في مؤتمر صحفي عام 2025 عن رفع ميزانيتها الدفاعية إلى 44.8 مليار دولار، وأن أوكرانيا في حرب مفتوحة مع روسيا، ومع ذلك أعلنت عن رفع ميزانيتها الدفاعية إلى 70.86 مليار دولار أمام البرلمان.
ولفت إلى أن ألمانيا والصين تنشران أرقام ميزانياتهما الدفاعية بوضوح رغم التوترات الدولية.
وتعليقا على هذه الأرقام، أوضح أن الدول التي تواجه تهديدات مباشرة (إسرائيل، كوريا الجنوبية، أوكرانيا) تعلن ميزانياتها الدفاعية علنًا دون أن يضر ذلك بأمنها.
وربط مؤمن أشرف باحث مساعد (Research Assistant) وطالب دكتوراه (PhD Student) في جامعة فيينا Universität Wien بالنمسا، ويعمل ضمن فرق بحثية أكاديمية، بين ذلك والسرية في مصر مشددا على أنها لا تحمي من العدو، بل تحجب المعلومات عن الشعب، مضيفا أن الأعداء يعرفون حجم الإنفاق عبر صفقات السلاح المعلنة دوليًا، بينما المواطن المصري وحده محروم من المعرفة.
وأضاف أن الجيش المصري (اليوم) لا يكتفي بدوره العسكري، بل يسيطر على قطاعات اقتصادية واسعة، ما يجعله لاعبًا اقتصاديًا وسياسيًا وهو وضع يخلق برأيه تضارب مصالح: فالجيش يحدد العقود، يدير الشركات، ويستفيد من غياب المنافسة. وأن النتيجة كانت : إضعاف الصناعات المحلية، لأن العقود تُمنح وفق العلاقات لا الكفاءة.
