كتب أحمدي البنهاوي:
بينما ينشغل المرشحون للرئاسة في فرنسا بخطب ود المسلمين والعرب، على قاعدة الانتقائية بين المتطرف والإرهابي والمعتدل، لا يقيم أيا منهم للمسلم كمواطن وزنا، فقط يحسبون حساب مليوني صوت في الانتخابات أن تذهب إليهم، حتى رصد المحللون للسياسة في فرنسا، بدء موسم زيارات المرشحين الرئاسيين على سدة فرنسا بشكل متتابع إلى الجزائر التي يمثل أبناؤها غالبية السكان العرب والمسلمون الموجودون بفرنسا، على الرغم من أن فرنسا احتلت الجزائر لما يقرب من 132 سنة، وبات شعار "أمن الجزائر من أمن فرنسا" شعارا مستهلكا يدل على أن العرب مفعول فيهم وليسوا فاعلين.
وتحاول الأوساط السياسية في فرنسا، ولعقود مضت، جلب ود الجاليات من خلال الاعتماد على امتيازات تقدمها برامجها الانتخابية، خاصة أن المجتمع الفرنسي بمختلف تياراته والجاليات المرتبطة به، يعتبر ضعيفًا وغير قادر على إنجاح عملية الاندماج التي سعت إليها الحكومات الفرنسية لزمن طويل، وأحداث العنصرية والاعتداءات بين أوساط المغتربين والفرنسيين، مرتفعة مقارنة بدول أوروبية أخرى.
اليمين المتطرف
من جانبها، دعت زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، المرشحة للانتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبان خلال حديثها عن برنامجها الانتخابي، إلى تشديد سياسة الهجرة في فرنسا، وإعادة إقامة الحدود الوطنية، والحد من عدد المهاجرين.
وأوضحت لوبان أنه في حال تم انتخابي رئيسةً للجمهورية سأحدّ من الهجرة الشرعية حيث سأجعل عدد المهاجرين الشرعيين الوافدين لفرنسا لا يتخطى العشرة آلاف مهاجر سنوياً.
غير أن لوبان أمسكت مكابحها، وقالت "في حال تم انتخابي رئيسةً للبلاد لن أتبع سياسة منع المسلمين من دخول الأراضي الفرنسية كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
كما تؤيد لوبان الاستقلال على النمط البريطاني، فقالت "أنا أؤيد إعادة إقامة الحدود الوطنية، فاتفاقية الشينغن ليست لمصلحتنا"، فيما يتعلق بالهجرة لا سيما للمسلمين.
وبالأمس فقط التقت لوبان –اليمين المتطرف- سعد الحريري واعتبرته نموذجا من المسلمين مرضيا لها ولذوقها الرافض لـ"التطرف" حسب رأيها.
فيون اليميني
وينقسم المسلمون تجاه المرشحين غير أن أيا منهم لن يصوت لليسار الذي يسعى لإقرار قانون الزواج للمثليين، ولهذا يحظى فرنسوا فيون، بصفته مرشح اليمين بقبول شعبي عام والمسلمون جزء منه -حسب تحليلات ونتائج الانتخابات التمهيدية- وقبل أيام زار مسجد سان دوني دو لا ريونيون، وطالب بحضرة أئمة –دين- للمسلمين في أن يعبر الفرنسيون المسلمون بوضوح عن غضبهم من المتطرفين!
معتبرا أن الصرخة يجب أن تمتد "ضد من يحرفون رسالة الإسلام ويدعون إلى الانقسام بين المسلمين".
وأضاف "أنا أطالب بحظر جميع من هم في تناقض دائم مع قيم الجمهورية (..) وللجمهورية الحق في الدفاع عن نفسها ضد من يدعون إلى تدميرها".
وردا على تعليق من مسئولين مسلمين على شعار فيون بضرورة هزم "التسلط الإسلامي"، قال المرشح اليميني "أفهم أن تكونوا مصدومين حين نتحدث عن تسلط إسلامي"، مضيفا "من الأفضل أن نقول إنهم متسلطون يدعون الإسلام ويلوحون براية الإسلام، ويحاولون احتكار الإسلام".
غير أن رئيس المجلس المحلي للديانة الإسلامية حسام عمودي قال: "يصيبنا الهلع من استخدام وصف الإسلامي مع الإرهاب، لا علاقة بتاتا للأمر بالإسلام".
لمن سنصوت
وفي تقرير للعربي الجديد بعنوان "الانتخابات الفرنسية.. لمن سيصوت العرب والمسلمون؟"، استعرض مرشحون من المحتمل أن يصوت لهم المسلمون بداية من جاك لوك ميلانشون، مرشح جبهة اليسار، أو إيمانويل ماكرون مرشح حركة "ماضون قدما" (تعرف نفسها على أنها لا يمنية ولا يسارية)، وغيرهم فضلا عن الموقف السلبي والمقاطعة وتصويت اللحظة الأخيرة.
واستعرض الموقع رأي أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة باريس الثامنة حسن مصدق، الذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن حجم الكتلة الانتخابية للفرنسيين من أصول عربية، يختلف عن حجم الكتلة الانتخابية للفرنسيين المسلمين لكنه يحسب من بين تلك الكتلة؛ التي يفوق عددها 4.5 ملايين في التقديرات الرسمية، لكن هذا الرقم في نظر المركز الوطني للإحصاء (INSSE) المهتم بالإحصائيات الديموغرافية يقفز إلى 7 ملايين نسمة، وهو ما يوازي نسبة 10.23% من العدد الإجمالي للسكان.
لكن مصدق يستدرك قائلاً إن "الكتلة الانتخابية العربية-الإسلامية الموثوق منها، لا تتجاوز مليونَيْ ناخب، صوّت منها لصالح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في انتخابات الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في 2012 حوالي 55.5% من المصوتين من ذوي الأصول العربية وصوّت حوالي 7% لصالح المرشح نيكولا ساركوزي، بينما عزفت البقية على التصويت، وفقا لتقديرات مستقاة من صناديق الاقتراع تناقلتها وسائل الإعلام عقب الانتخابات".
وأضاف أن الكتلة الانتخابية للصوت العربي المسلم، بأنها غير منسجمة التوجه، وضعيفة التكوين سياسياً، وهو ما يفسره الباحث مصدق، في ضوء غياب نخبة سياسية عربية-إسلامية فرنسية توجه تلك النخبة وتنير لها الطريق، حيث يتكرر ما حدث في واقعة تصويت تلك الكتلة بأغلبية لصالح الرئيس جاك شيراك، في انتخابات 2002، التي فاز فيها بأغلبية ساحقة بنسبة 82.21%، في ظل توحد المجتمع الفرنسي وفي قلبه تلك الكتلة خوفا من خطاب اليمين المتطرف الذي لم يحصل مرشحه جان ماري لوبان إلا على 17.79% من إجمالي المصوتين، في ردة فعل انتخابية تتسم بالانفعال ومحدودة التأثير في ما بعد الانتخابات".
ضبابية المشهد
فيما رأى الباحث فرانسوا بورغات، مدير أبحاث في "المركز الوطني للأبحاث العلمية"، والخبير في الشئون الإسلامية، الذي تنبأ بأن الاشتراكيين سيعيدون مغازلة الصوت الإسلامي، وهو ما يقوم به هولاند في نهاية ولايته الرئاسية، ولكن "الناخب الإسلامي خاب ظنه من الانعدام الظاهر للتوازن في الخط السياسي للرئيس الفرنسي".
وفي ظل انعدام استطلاعات الرأي حول النوايا التصويتية للعرب والمسلمين في انتخابات 2017، بسبب حظر الإحصاءات المرتكزة على العرق والاثنية واللون، يتوقع بورغات ألا يختلف المشهد عما جرى في انتخابات 2012 التي نال هولاند فيها ما بين 86% إلى 93% من أصوات الفرنسيين العرب والمسلمين، وفقا للتقديرات المستقاة من صناديق الاقتراع".