تعديلات قانون الطوارئ.. تقنين للعسكرة أم توريط للجيش خوفا من ثورة الشعب؟

- ‎فيتقارير

أدخل نظام الانقلاب في مصر 18 تعديلا على قانون الطوارئ؛ بدعوى مكافحة وباء “كورونا” كوفيد ــ19 والتي دخلت حيز التنفيذ بعد تصديق قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي عليها مؤخرا، والتي تمنح الجيش حق الضبطية القضاية للمدنيين وصلاحيات أخرى اعتبرها مراقبون تقنينا للعسكرة ورآها آخرون مزيدا من توريط الجيش في الشأن المدني لربط مصيره بمصير السيسي الذي ورط الجيش في كثير من جرائمه وانتهاكاته؛ بهدف ضمان انحياز المؤسسة العسكرية له في حال اندلعت ثورة شعبية، خصوصا وأن السيسي يتجه إلى فرض حزم إضافية من الإجراءات التقشفية لمواجهة إفلاس الدولة؛ جراء تفشي وباء كورونا وتراجع موارد الدولة من السياحة وقناة السويس والتصدير وتحويلات المصريين بالخارج.

ويحظى القانون 162 لعام 1958، المعروف بـ”قانون الطوارئ”، بسمعة سيئة، كونه يمنح السلطة التنفيذية، صلاحيات واسعة، منها وضع قيود على حرية الاجتماع والتنقل، ومراقبة الصحف، وفرض الحراسة، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها. وعلى مدار عقود، جرى استغلال القانون من قبل النظام المصري الحاكم، في تمرير القمع، والتوسع في حملات الاعتقال العشوائية، والإخفاء القسري، وجرائم التعذيب، والتصفية خارج إطار القانون.كذلك يجري بشكل ممنهج توظيف حالة الطوارئ في تكميم الأفواه، وحجب الصحف، ومنع التظاهرات والاحتجاجات السلمية، وتجميد الأحزاب السياسية، وملاحقة منظمات المجتمع المدني، ومصادرة أموال المعارضين، ووضعهم على قوائم الإرهاب. وبموجب الصلاحيات الواسعة الممنوحة لأجهزة الأمن، وفق القانون، زادت انتهاكات حقوق الإنسان، فضلا عن تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب بين ممثلي الأجهزة الأمنية، وفق منظمات حقوقية محلية ودولية.

وصدَّق قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الجمعة 8 مايو 2020، على التعديلات الجديدة التي أُدخِلَت على قانون الطوارئ، وأثارت كثيرا من الجدل، إذ تمنح هذه التعديلات السيسي والقوات المسلحة سلطات إضافية لاحتجاز المشتبه بهم ومصادرة الممتلكات دون مراجعة قضائية، بدعوى محاربة جائحة فيروس كورونا. ونشرت الجريدة الرسمية للبلاد، أمس الأحد 10 مايو،  تصديق رئيس الانقلاب على التعديلات التي مررها برلمانه في 21 من أبريل الماضي، على قانون الطوارئ.

ويجدد نظام المنقلب السيسي حالة الطوارئ في عموم البلاد منذ أبريل 2017م إثر تفجيرات استهدفت كنيستين وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى. وتم تجديد حالة الطوارئ للمرة الـ 12 في الثامن والعشرين من أبريل الماضي، بدعوى مواجهة الإرهاب، ولأول مرة يضاف إليها سبب الظروف الصحية. وبخلاف تعديلات الطوارئ، شهدت مصر في السنوات الأخيرة تزايدًا غير مسبوق في حالات منح “الضبطية القضائية” لموظفين إداريين في الدولة، بينهم مفتشو الأوقاف والأئمة، ومحصلو فواتير المياه والكهرباء، ومسؤولون نقابيون. كما سبق أن نشرت الجريدة الرسمية في أبريل 2017 قرارًا وزاريا بمنح عدد من الضباط العاملين في الجيش صلاحيات مأموري الضبط القضائي في الطرق العامة التي يسيطر على أغلبها الجيش المصري وشركاته الاستثمارية. وفي صيف 2012 أوقفت محكمة مصرية قبيل انتخاب الرئيس الشهيد محمد مرسي، قرارًا استمر لأيام يمنح سلطة “الضبطية القضائية” لضباط المخابرات الحربية والشرطة العسكرية، بما يخولهم حق توقيف المدنيين.

مضمون التعديلات

وتشمل التعديلات “تولي قوات الأمن أو الجيش تنفيذ أوامر رئيس البلاد أو من يقوم مقامه، ويكون لها صفة الضبطية القضائية، على أن يحق للنيابة العسكرية التحقيق المبدئي فقط في أية مخالفات، شريطة أن تختص النيابة العامة بالتصرف النهائي في التحقيق”.

وتتضمن أيضا تعطيل الدراسة أو العمل أو تأجيل سداد رسوم خدمات الكهرباء والغاز والمياه جزئيًا أو كليًا، أو تقسيط مستحقات للدولة، وتقييد الاجتماعات العامة وجواز تقييد الاجتماعات الخاصة، وإلزام القادمين من الخارج بالخضوع لإجراءات الحجر الصحي.

كما تشمل حظر تصدير بعض السلع والمنتجات إلى خارج البلاد، وتقرير مساعدات مالية أو عينية للأفراد والأسر، وتحديد القواعد الخاصة بالصرف منها، فضلا عن إجراءات صحية ورقابية على أعمال المختبرات العلمية والبحثية.

وتتضمن أيضا تقرير دعم مالي أو عيني للقطاعات الاقتصادية المتضررة، وتخصيص مقار مملوكة للدولة لتجهيزها كمستشفيات ميدانية مؤقتة.

عسكرة الدولة

وأتاحت التعديلات الجديدة في قانون الطوارئ “تولي قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ أوامر رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، فإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف بها اختصاصات مأموري الضبط القضائي”، بينما تختص النيابة العسكرية بالتحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة خلال فترة الطوارئ.

ويرى الصحفي والإعلامي قطب العربي أن هذه التعديلات “تستهدف فرض مزيد من العسكرة على المجتمع المصري”. موضحا أن نظام العسكر لم يعد  يكتفي بأن تكون الإدارة العليا للعسكريين، لكنه يسعى بشكل متواصل لصبغ كل نواحي الحياة بالصبغة العسكرية، وفرض هيمنة العسكر على المجتمع بشكل كامل، تطبيقا لقناعة راسخة في أذهان الجنرالات وهي أن مصر وجدت ليحكموها لا ليحكمها مدنيون.

وأضاف “الآن يتم استغلال جائحة كورونا لتمرير هذه التعديلات وغيرها في زحمة انشغال المصريين بالوباء وخطره عليهم”. ودعا العربي القوى السياسية -سواء في الداخل أو الخارج- إلى التصدي لهذه الموجة الجديدة من العسكرة التي ستحول المجتمع المصري إلى معسكر كبير. كما حذر من أن التعديلات “ستمنح أي ضابط أو ضابط صف أن يقتاد مواطنا عاديا إلى النيابة العسكرية لأتفه الأسباب”.

ويتفق مع العربي الباحث الحقوقي أحمد العطار  مشيرا إلى أن  الكثير من دول العالم ألغت المحاكمات العسكرية، لأنها الاستثناء وليست القاعدة. وقال العطار في تصريحات صحفية إن “المحاكم العسكرية في مصر أنشئت خصيصًا لمحاكمة العسكريين، لكن السلطات المتعاقبة توسعت في استخدامها لتطال المدنيين من أجل المزيد من القمع، خصوصًا في فترات تطبيق قانون الطوارئ”. ومنذ أصدر السيسي قانون الإرهاب أواخر 2014 بحسب العطار، زاد توحش السلطات واستخدمته على نطاق واسع لفرض مزيد من سياسة الأمر الواقع وترهيب المعارضين، بل أصبح المواطن المصري غير المسيس في دائرة استهداف المحاكمات العسكرية.

وأشار إلى محاكمة أكثر من 15 ألف مدني أمام القضاء العسكري المعروف بقسوته وعدم مناسبته وملاءمته للمحاكمات الطبيعية، مما أدى إلى إصدار مئات الأحكام بالإعدام، تم تنفيذ العشرات منها في كارثة حقوقية لاقت إدانات أممية وحقوقية.

وحذَّر العطار من فرض مزيد من الإجراءات الاستثنائية -على غرار الضبطية القضائية- التي أدت إلى تكريس وتغول الحياة العسكرية على المدنيين، معتبرًا أن هذه التعديلات لا مبرر لها، خاصة في ظل وجود مواد القانون المدني المصري غير الدستورية هي الأخرى”.

تنديد حقوقي

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد نددت بمصادقة السيسي على “توسيع صلاحياته ضمن قانون الطوارئ، في إطار تدابير مكافحة تفشي وباء كورونا”، واصفة هذه التعديلات بأنها “ذريعة” لإنشاء “سلطات قمعية جديدة”. وتطرقت المنظمة في بيان الخميس الماضي، إلى أن التعديلات ستسمح للسيسي -حتى في غياب أي غرض متعلق بالصحة العامة- بأن يقيّد الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات، كما يجوز تقييد الاجتماعات الخاصة.

وحذَّرت من أن التعديلات قد تؤدي أيضًا إلى توسيع اختصاصات المحاكم العسكرية لتشمل محاكمة المدنيين، عبر منح النيابة العسكرية سلطة التحقيق في الوقائع التي يكون فيها ضباط الجيش مُكلَّفين بسلطات تنفيذ القانون، أو عندما يأمر الرئيس بذلك. وقالت إن “اللجوء إلى خطاب حفظ الأمن والنظام العام كذريعة، يعكس العقلية الأمنية التي تحكم مصر في عهد السيسي”.