في تطور مفاجئ أطاح جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أمس الأربعاء 17 يناير 2018م، باللواء خالد فوزي، رئيس جهاز المخابرات العامة، وكلف اليوم الخميس مدير مكتبه اللواء عباس كامل بإدارة الجهاز حتى يستقر على الشخصية المناسبة لرئاسة الجهاز.
ويشكِّل تعيين “كامل” لرئاسة الجهاز انعكاسًا لمخاوف السيسي وعدم ثقته بأحد، حتى يستقر على مرشح مناسب لإدارة الجهاز الأخطر في البلاد.
الخبر كشفت عنه صحف عربية، وعرف به المصريون من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، بينما كان إعلام العسكر ينهق في واد آخر.
وكانت صحيفة “العربي الجديد” وصحف عربية أخرى، قد انفردت بتصريحات مصادر سياسية بحكومة الانقلاب، أمس الأربعاء، أكدت إصدار السيسي قرارًا بإقالة رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء خالد فوزي من موقعه، ضمن حركة ربما تشمل عددا آخر من قيادات الجهاز.
وتولى فوزي إدارة الجهاز قائمًا بأعمال رئيسه منذ ديسمبر 2014، خلفا لمديره السابق اللواء محمد فريد التهامي.

«3» أسباب وراء الإقالة
وبحسب خبراء ومحللين، فإن وراء الإطاحة المفاجئة عدة أسباب، أهمها على الإطلاق تسريبات صحيفة نيويورك تايمز وقناة مكملين الأخيرة، وتضمنت تسجيلات صوتية لأحد ضباط الجهاز خلال إعطائه توجيهات لعدد من الإعلاميين والفنانات، تخص تناولهم قرارات وتوجهات القيادة المصرية الحالية، وتضمنت عبارة جارحة لجهاز المخابرات العامة، حيث وصفهم الضابط أشرف الخولي، في توجيهاته لعزمي مجاهد، بـ(ش ر ا م ي ط) المخابرات العامة، وهو ما يرجح الانتقام منه بتسريب مكالمته وفضحه؛ تنكيلا به لتطاوله على جهاز المخابرات الأكبر في مصر.
وتسببت هذه التسريبات في فضيحة من العيار الثقيل لنظام عسكر “30” يونيو ومواقفه من القدس، وتوجيه الأذرع الإعلامية بأن القدس ورام الله شيء واحد ولا فرق بينهما، رغم التظاهر رسميا بإدانة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
كما فضحت هذه التسريبات سيطرة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل الإعلام الحكومي والخاص، وتجنيد كل الإعلاميين لترويج توجيهات إدارة الشئون المعنوية والمخابرات الحربية بين المواطنين، إضافة إلى تجنيد ممثلين ومطربين مشاهير لعمل مداخلات مرتبة للترويج لمواقف نظام العسكر والدفاع عن سياساته ورموزه.
أما السبب الثاني وراء الإطاحة بفوزي، هو التدهور الجاري في المصالحة بين فتح وحماس، وعودة التعثر في المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وكان هذا الملف تحت متابعة مباشرة من المخابرات العامة التي عقدت سلسلة طويلة من المناقشات في مبناها بمشاركة ممثلين عن حركتي «فتح وحماس». وفي أكتوبر من العام الماضي، تم الإعلان عن اتفاق شامل بين الحركتين، وخرج آلاف الفلسطينيين إلى الشوارع في أنحاء غزة احتفالا باتفاق المصالحة.
وشمل اتفاق المصالحة بين الحركتين عدة بنود، أهمها «دراسة ملفات موظفي غزة وإلزام الحكومة بدفع مكافآتهم بعد سريان الاتفاق، واستلام حكومة الوفاق كافة معابر غزة».
وهللت الوسائل الإعلامية لهذه المصالحة، واعتبرتها انتصارًا كبيرًا لـ«المخابرات العامة» في عهد اللواء خالد فوزي، ثم انتشر «مدح» الجهاز بصورة كبيرة بعد نجاح الجهاز في توحيد الفصائل بجنوب السودان لوقف الاقتتال بينها.
أما السبب الثالث فترى صحيفة “الأخبار اللبنانية” أنه مرتبط بالإعلام وإخفاقه في توظيف الإمكانات التي أُتيحت إعلاميًا، والإنفاق الزائد الذي سيجري ترشيده بصورة كبيرة خلال الفترة المقبلة.
وأشارت الصحيفة اللبنانية إلى أن «الدوائر المخابراتية» تسيطر بصورة كاملة على عدد كبير من القنوات الفضائية؛ فضلًا عن شراء وامتلاك وسائل إعلامية أخرى، من وراء ستار. كما أن هذه الوسائل الإعلامية ترى المخابرات «حائط صد للدولة والوطن العربي، وتفشل مخططات لإسقاط المنطقة».
غموض وعدم وضوح الأسباب
وقال اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، إن الموضوعات الخاصة بالتغييرات داخل جهاز المخابرات، هي موضوعات «حساسة»، لافتًا إلى أن واقعة إعفاء اللواء خالد فوزي من منصبه، بها أجزاء غامضة، وأسباب غير واضحة.
وأضاف «رشاد» في تصريحات لـصحيفة «النبأ»، أن الأسباب التي قيل إنها السبب في خروج «فوزي» من المخابرات العامة، هي أسباب غير مقنعة، مشيرًا إلى أن العمل في الجهاز لا يقبل الأخطاء التراكمية، وبالتالي لا يمكن أن يخرج خالد فوزي؛ بسبب أخطاء تراكمية، مثل الفشل فيما يخص «وسائل الإعلام»، أو تعثر المصالحة الفلسطينية.
وتابع: «من الممكن أن يكون فوزي سقط في خطأ لحظي وهو الذي كان سببًا في خروجه»، مشيرًا إلى أن هذا الخطأ قد يهدد الأمن القومي المصري، فكان الرد هو الإعفاء من المنصب، مثلما حدث مع الفريق محمود حجازي، رئيس الأركان السابق.
صراع أجهزة أم خوف من انقلاب؟
وبحسب محللين، فإن تكليف السيسي لمدير مكتبه عباس كامل بتسيير إدارة الجهاز حتى تعيين رئيس جديد، يعكس صراع الأجنحة بين نظام عسكر 30 يونيو.
ونقلت صحيفة «الجريدة» الكويتية، في تقرير لها نقلا عن مصدر مطلع، قوله إن “السيسي يجري عملية تغييرات واسعة في جهاز المخابرات العامة، ضمن عملية لإعادة ترتيب المؤسسات السيادية في المرحلة الحالية”.
وهو بحسب مراقبين إجراء وقائي خوفا من انقلاب على السيسي، لا سيما بعد الضغوط التي مورست على الفريق أحمد شفيق بعدم خوض مسرحية انتخابات الرئاسة، ثم إعلان حزب الفريق سامي عنان ترشحه وإعلان الحملة الانتخابية لشفيق دعمها لعنان.
هذه التحركات تخيف الجنرال من وجود أجهزة داعمة لشفيق أو عنان في محاولة للإطاحة به عبر مسرحية الانتخابات، استنادا إلى تآكل شعبية السيسي بدرجة مخيفة، وعدم استقرار البلاد في ظل حكمه المشهور بالقمع الشديد والدموية المفرطة.
ومن جانبه، يؤكد نائب رئيس حزب الوسط محمد محسوب، حاجة المخابرات للإصلاح، لكنه اعتبر تغييرات السيسي تدميرا لمقوماتها. بينما رآها عضو جبهة الضمير عمرو عبد الهادي تأكيدا على التسريبات الأخيرة لـ”نيويورك تايمز”. وأكد معلقون أن الإقالة تعود إلى نزاعات بين الأجهزة الأمنية في مصر، وخاصة بين جهازي المخابرات العامة والحربية.