“هناك مشكلة ستواجه مصر عام 2060 واعمل علي مواجهتها” هذا ما قاله قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي في آخر خطاباته، وأثار سخرية واسعه بين خبراء السياسة والاقتصاد ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين: كيف لمن فشل في حل المشكلات التي تعاني منها البلاد في الوقت الراهن أن يحل مشكلات مصر عام 2060؟
فعلي الصعيد الاقتصادي، فشل السيسي فشلا ذريعا في حل مشكلات مصر؛ ما تسبب في إثقال كاهل البلاد بالديون وارتفاع الاسعار واللجوء إلى خفض الدعم بشكل كبير، الأمر الذي دفع بعض المصريين إلى الانتحار وعرْض أبنائهم للبيع بعد عجزهم عن توفير متطلبات الحياة لهم، وجعل قطاعا كبيرا من المصريين يحنون إلى أيام حكم الرئيس مرسي؛ حيث كانت الأسعار معقولة ومتناسبة مع دخول المصريين، وكانت هناك زيادات في رواتب ومعاشات المواطنين، وليس فقط معاشات العسكريين كما يحدث الآن.
تعويم الجنيه
وكان من أبرز معالم هذا الفشل “تعويم الجنيه”؛ حيث قرر البنك المركزي في 3 نوفمبر 2016 تعويم سعر صرف الجنيه؛ الأمر الذي رفع سعر الدولار إلى 18 جنيها بدلا من 8.88 جنيه وتسبب ذلك في إرتفاع معدلات التضخم والذي قفز بعد تعويم سعر الجنية من 14% في أكتوبر 2016، إلى 20.2% في الشهر التالي له، وتصاعد التضخم بمعدلات غير مسبوقة منذ عقود، ليصل التضخم إلى 32.5% في مارس 2017، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وقال كريس جارفيس، رئيس بعثة مصر في صندوق النقد الدولي، في يناير 2017، إن قيمة الجنيه انخفضت بأكثر من المتوقع بعد تعويم سعر الصرف.
ذبح المواطنين
فشل قائد العصابة لم يقتصر على “تدمير قيمة العملة الوطنية” فحسب بل شمل أيضا اللجوء إلى زيادة أسعار الوقود 3 مرات خلال السنوات الماضية، كان آخرها منتصف العام الماضي، وزيادة اسعار الكهرباء بشكل كبير، حيث أصدرت وزارة الكهرباء في حكومة الانقلاب، في منتصف يونيو 2018 ، قرارا بزيادة اسعار الكهرباء بنسبة 26%، ولم يتوقف الأمر عند الكهرباء، بل شمل أيضا فواتير المياه، حيث أصدرت حكومة الانقلاب في شهر يونيو 2018 قرارا بزيادة اسعار فواتير المياه والصرف الصحي، وارتفع سعر مياه الشرب للاستخدام المنزلي إلى 65 قرشا للمتر المكعب، بدلا من 45 قرشا في شريحة الاستهلاك الأولى بين صفر وعشرة أمتار مكعبة، وإلى 160 قرشا بدلا من 120 قرشا للمتر المكعب في الشريحة الثانية “11-20 متر مكعب”، وإلى 225 قرشا بدلا من 165 قرشا للشريحة الثالثة “21-30 مترا”.
تذاكر المترو
ودفع فشل قائد العصابة أيضا إلى اللجوء إلى زيادة تذاكر المترو، في مايو 2018، حيث ارتفعت سعر تذكرة المترو إلى 7 جنيهات، لتنضم إلى مشكلات عدة يعاني منها الشعب المصري كمياه الشرب والصرف الصحي ونقص الأدوية وتردي الخدمات الصحية بالمستشفيات، وارتفاع معدلات حوادث الطرق وسوء شبكة السكة الحديد.
من جانبه انتقد الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، هذه العقلية العقيمة للسيسي، قائلا: “عندما تواجه دولة ما أزمة اقتصادية أو مالية أو معيشية تتعلق بالمواطن، فإن أول ما تفعله حكومتها هو معالجة المشاكل الطارئة أو قصيرة الأجل أو الملحة التي تهم رجل الشارع والرأي العام”، مشيرا إلى أن “الأزمات الطارئة كثيرة منها مثلا حدوث ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، احتكار سلع ضرورية من قبل تجار وموردين، اختفاء سلع رئيسية سواء كانت متعلقة بالمواطن كالسلع الغذائية، أو متعلقة بالاقتصاد وقطاع الصناعة مثل المواد الخام والسلع الوسيطة، انقطاع في المياه والكهرباء، تلوث في مياه الشرب، انسداد في شبكات الصرف الصحي، نقص أدوية ضرورية، خاصة للأمراض المزمنة، عدم وجود أسرة للمرضى في المستشفيات ودور الرعاية الصحية، زحام وطوابير للمرضي أمام وحدات الرعاية الحرجة، مشاكل في شبكات النقل والمواصلات خاصة القطارات”.
عقلية عقيمة
وأشار عبد السلام الي أن “من بين الأزمات الطارئة والملحة أيضا عدم وجود أماكن كافية للطلبة في المدارس والمعاهد والجامعات، نقص في المساحات الزراعية بشكل يهدد الأمن الغذائي للدولة، اختناقات شديدة في المرور، مشاكل في البنية التحتية تؤثر سلبا على حركة المواطن والاقتصاد والتجارة الداخلية، وكذا على حركة البضائع المتجهة للموانئ والمطارات، مصانع مغلقة بالمئات وربما بالآلاف تقذف بآلاف العمال في الشارع، زحام وفساد وبيروقراطية في المصالح الحكومية، تفاقم مشكلة الرشى في المرور وغيرها”.
وأكد عبدالسلام ضرورة قيام حكومة الانقلاب بالمعالجة الفورية للأزمات الملحة قصيرة الأجل التي تنغص حياة المواطن وتجعله تعيسا في حياته، ثم بعد ذلك تنتقل لمعالجة الأزمات متوسطة الأجل خاصة تلك التي تؤثر سلبا على حياة الناس وتنافسية الاقتصاد، مشيرا الي أن من بين الأزمات متوسطة الأجل مثلا عجز الموازنة العامة، زيادة الضرائب والرسوم مقابل خدمات أقل للمواطن، ضغوط مستمرة على العملة بسبب نقص في الإيرادات من النقد الأجنبي أو بسبب زيادة الواردات، ضخامة في الاقتراض الخارجي لا تتناسب مع إمكانيات الدولة، خاصة المخصصة لسداد القروض قصيرة الأجل.
وأضاف عبد السلام: “بعد ذلك وعقب الانتهاء من التغلب على المشاكل الطارئة ومتوسطة الأجل وتوفير الرفاه الاجتماعي للمواطن من فرص عمل ورعاية صحية ونقل ودخل مناسب يتيح له تغطية نفقات المعيشة والتعليم والصحة وربما الذهاب إلى دور السينما والترفيه، هنا تنتقل الحكومات إلى ملف المشاكل طويلة الأجل التي تبدأ من 10 سنوات وربما 30 أو 50 سنة”، مشيرا الي أن الدول الثماني الصناعية الكبرى تضع خططا طويلة الأجل للتعامل مع التحديات المستقبلية ومن أبرزها نقص الطاقة ونضوب النفط والزيادة السكانية وتأثير التطور التكنولوجي على فرص العمل وجديد عصر الفضاء والأقمار الصناعية، وحتى دفن الموتى فوق سطح القمر، هذا عن الدول التي حققت الرفاه لمواطنيها الذين قد ينتحر بعضهم بسبب توافر الرفاهية المفرطة والغنى الفاحش وعدم وجود مشاكل معيشية تشغل حياتهم”.
فقة الأولويات
وتابع عبد السلام قائلا: “هذا هو التسلسل الطبيعي لمعالجة الحكومات للأزمات التي تواجهها وتمثل تحديا بالنسبة لها، أما أن يقفز بنا السيسي مرة واحدة إلى العام 2060 ويتحدث عن تأسيس صندوق للتعامل مع أزمة ستحدث بعد 41 عاما، فهذا ما لا يستوعبه عقل ولا منطق، ولا يستسيغه مواطن يئن تحت الغلاء والفقر والبطالة وأزمات معيشية متواصلة”
واستطرد: “وبغض النظر عن أن السيسي لم يوضح ما هي المشكلة التي ستواجه مصر في هذا العام بالذات، فإن هناك أولويات واحتياجات ملحة ينتظر المصريون تلبيتها، أولويات تتعلق بالخدمات الضرورية من سلع وسكن وتعليم ورعاية صحية ووسائل نقل تناسب الدخول المحدودة التي تتآكل يوما بعد يوم بسبب قفزات الأسعار وزيادة معدل التضخم وتراجع قيمة عملتهم أمام العملات الرئيسية”.
