موجات الغلاء المتلاحقة منذ أن جاء الجنرال عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، ليحكم مصر بالحديد والنار، تفضي بلا شك إلى تغييرات كبرى في بنية المجتمع المصري، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
فمعدلات العنف والشجار تزايدت بمعدلات مخيفة، وإن كان نظام 30 يونيو قد عمم أوامره وتوجيهاته لجميع الصحف والفضائيات بمنع نشر المواد التي ترصد ردود أفعال المصريين على الغلاء، وخاصة بعد رفع أسعار الوقود صباح ثاني أيام العيد مباشرة، ما أفسد على المصريين فرحتهم وجعلهم يضربون أخماسا في أسداس، مذهولين من حجم القسوة التي يتعامل بها الجنرال السيسي وأركان حكومته مع الشعب الذي لا يجد من يحنو عليه بعد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، الذي كان واحدا من الفقراء يحيا كما يعيشون ويعاني كما يعانون بعكس طبقة الجنرالات التي تحكم بالحديد والنار ولا تكترث أو تبالي بمعاناة الشعب وآلامه.
آخر هذه الأنباء مصرع سائق تاكسي بالمنصورة، أمس الأحد، بسبب مشاداة بينه وبين أحد الركاب على الأجرة. حيث اختلف على الأجرة مع “خالد.ب”، البالغ 18 عاما، بموقف طلخا الجديد، حيث طلب السائق 60 جنيها وأصر الراكب على دفع 30 جنيها فقط. وتطور الخلاف فطعن الراكب السائق بمطواة وفر هاربا، وتم ضبط الجاني وتحرر المحضر اللازم بالواقعة.

تغيير بنية المجتمع
وبحسب دراسة حديثة بعنوان “رفع أسعار الوقود والكهرباء.. الأبعاد والمآلات”، والمنشورة على صفحة “الشارع السياسي” على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، فإن «القرارات الحكومية الخاصة بالشأن الاقتصادي تسهم في عمليات تغيير كبرى داخل بنية المجتمع؛ فأمام تآكل قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار الوقود والسلع والخدمات بمعدلات قياسية وغير مسبوقة، فإن ذلك يفضي إلى تآكل الطبقة الوسطى وسقوط قطاعات كبيرة منها إلى الطبقة الفقيرة، كما تفضي إلى تحول الطبقة الفقيرة إلى حالة من العدم والعوز الشديد، الأمر الذي يترتب عليه تغييرات بنيوية كبيرة على مستوى السلوكيات والعادات والتقاليد».
وأمام موجات الغلاء المتتابعة منذ مجيء السيسي للحكم وقيامه برفع أسعار الوقود لأول مرة في 2014، ثم القرارات العنيفة في نوفمبر 2016 بتعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية ورفع أسعار الوقود مرة أخرى، ثم ارتفاع التضخم إلى مستويات كبيرة للغاية لم تحدث من قبل، ومع ترقب موجات غلاء جديدة ستكون بكل تأكيد شديدة التأثير والوطأة على الغالبية الساحقة من المصريين، فقد أفضى ذلك إلى السلوكيات التالية:
أولا: انزواء معظم المصريين على أنفسهم واهتمامهم بلقمة العيش، وعدم الانشغال بالسياسة والحكم كما كان الحال بعد ثورة 25 يناير والتي أثمرت عن اهتمام واسع من جانب كل المصريين بالشأن العام والأمور السياسية، لكن نظام 30 يونيو بالقمع والغلاء أعاد الشعب إلى الجحور مرة أخرى.
ثانيا: انتشار الجريمة بمعدلات كبيرة، حيث زادت حوادث السرقة والسطو المسلح بنسبة 7% خلال عام 2016 مقارنة بعام 2015، وفق ما كشفه تقرير الحصاد الأمني لوزارة الداخلية عن عام 2016، الصادر في نهاية يناير 2017، فيما يؤكد قضاة وأعضاء في هيئة النيابة العامة يعملون في 3 مناطق كبرى في العاصمة المصرية، تزايد حوادث السرقة بالإكراه والسطو المسلح والنصب والنشل بنسبة تصل إلى 45% في نهاية العام بالمقارنة مع بدايته، ويربط قانونيون واقتصاديون بين القفزة الكبيرة في أسعار السلع الأساسية خلال النصف الثاني من عام 2016 بعد تعويم الجنيه وبين تزايد ارتكاب جرائم السرقة، والتي أخذت منحى عنيفا في عدد من الحالات. ويكشف التقرير عن ضبط 12527 جريمة سرقة تنوعت بين سرقة مساكن أو متاجر أو سيارات أو النشل أو النصب، بزيادة قدرها 7 % عن العام السابق، فضلا عن ضبط 726 قضية سرقة بالإكراه و179 قضية خطف و608 قضايا حريق عمد بزيادة قدرها 6% فى كل مصر. ويسجل التقرير ضبط 1470 قضية أموال عامة اتُّهم فيها موظفون في الدولة، وتنوعت بين الرشوة والاختلاس وتسهيل الاستيلاء على المال العام واستغلال النفوذ والجرائم المصرفية، بنسبة تزيد 61% عن العام الماضي، بالإضافة إلى 1296 قضية سرقة مهمات وكابلات كهربائية ضبطتها مباحث الكهرباء، فضلا عن 2345345 قضية سرقة كهرباء بزيادة قدرها 25% عن عام 2015.
ثالثا: انتشار ظاهرة التسول بصورة مخيفة، وهو ما دفع نائبة في البرلمان إلى التقدم بطلب إحاطة خلال شهر فبراير الماضي 2018 بشأن ظاهرة التسول، قالت فيه إن “التسول” هو وباء اجتماعي تتربح منه فئات معينة تستغل الظروف الاقتصادية الطاحنة. ويعزو طلب الإحاطة أسباب التسول إلى الفقر وتخلي الدولة عن دورها في التشغيل والإعداد والتدريب المهني وغياب التوعية الدينية والاجتماعية، ونوهت إلى تفشي عصابات التسول التي تستخدم منه مهنة تسيء فيه استخدام المرأة والأطفال. وطالبت بضرورة تطوير قانوني التسول، الصادرين عامي 1933 ورقم 31 لسنة 1974، وعودة الدور الشرطي الغائب عن مواجهة الظاهرة وخاصات عصابات استغلال الأطفال للتسول.
رابعا: أفضى الغلاء كأحد أهم الأسباب إلى تفشي ظاهرتي العنوسة والطلاق حتى باتت مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا، وفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية، فى مستهل عام 2017. ورصدت الأمم المتحدة فى إحصاءات أكدت فيها أن نسب الطلاق ارتفعت فى مصر من 7 % إلى 40 % خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات فى مصر إلى 4 ملايين مطلقة، فى مقابل 9 ملايين طفل من أبناء الأزواج المطلقة، والرقم مرشح للزيادة، وتتصدر مصر المرتبة الأولى عالميا كأكثر بلدان العالم فى الطلاق.