بقرارات رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، وما تفضي إليه من موجة غلاء فاحش تطول جميع السلع والخدمات، إضافة إلى قرار البنك الدولي الذي رفع تقديره لتعريف من يقعون تحت خط الفقر، بأنهم من يحصلون على دخل يومي يعادل 1.9 دولار (حوالي 34 جنيها) بدلا من 1.25 دولار (22 جنيها) للفرد، فإن الأسرة المكونة من 5 أفراد ودخلها يصل إلى 5 آلاف جنيه شهريا تعتبر تحت خط الفقر.
ووفقًا للتصنيف، يعتبر من يحصل على قرابة ألف و20 جنيها في مصر يصنف (تحت خط الفقر)، علما بأن الحد الأدنى للأجور منذ 2014 حتى اليوم لم يتغير وهو 1200 جنيه، بينما تم رفع أسعار الوقود والكهرباء والمواصلات 4 مرات في نفس الفترة، ما يعني تآكل الطبقة الوسطى بوتيرة متسارعة، وأن معظم المصريين باتوا يقعون تحت خط الفقر وفقا لتقديرات البنك الدولي.
معنى هذه الأرقام أن الأسرة التي تتكون من 5 أفراد وتحصل على أكثر من 5 آلاف جنيه (ألف جنيه لكل فرد) تعتبر تحت خط الفقر.
الأمر الثاني أن إجمالي الضرائب التي دفعها المصريون عام 2017 بلغت 433 مليار جنيه، بينما إجمالي الدعم الذي حصل عليه المصريون في 2017 بلغ 332 مليارا و727 مليون جنيه، ما يعني أن الدعم جاء من جيوب المصريين وليس صدقة من النظام الذي يصف نفسه بـ”الدولة”، التي هي الشعب كله، الذي وظف الحكومة لتدير شئونه وتخفف عنه العناء، لا لتمنَّ عليه بأنها تعطيه مما دفعه، ومن حق الشعب خلعها.
ووفقا للتصنيف الأخير للبنك الدولي، يعتبر الملايين من المصريين تحت خط الفقر، وتحول العديد من الطبقة المتوسطة إلى خط الفقر مع استمرار ارتفاع الأسعار، وتقليص قيمة المبلغ المحدد للفقراء (1.9 دولار يوميًا).
وأمام هذه الحقائق المروعة، فإن النظام يخشى من ردة فعل شعبية، فقام بإعادة نشر عشرات الآلاف من القوات والجنود مدعومة بسيارات الشرطة والمدرعات في الشوارع القريبة من مواقف السيارات ومحطات الوقود لقمع أي احتجاجات، على غرار انتفاضة المترو والقبض بالفعل على عشرات السائقين الذين احتجوا على التعريفة الجديدة للركوب، ورفعوا السعر عما حددته المحافظات.
أمام هذه التوجهات فإن ثمة تحذيرات كثيرة حتى من المقربين للنظام، والذين آمنوا به في منتصف 2013، ثم تكشّفت لهم الحقائق فعادوا إلى الحق راشدين، يحذرون من انفجار شعبي على خلفية هذه السياسات التي لا تراعي أي بعد إنساني ولا تكترث بآلام الشعب والفقراء، وما تعانيه الطبقة الوسطى من معاناة دفعت معظمها إلى السقوط في براثن الفقر والعوز أمام زيادة قيمة إيجار السكن والوقود والكهرباء والمدارس والخدمات والسلع.

توجيهات الرقيب العسكري
الراصدون والمحللون لمحتوى التناول الإعلامي لأبواق نظام العسكر على قرارات رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه والخدمات وما يترتب على ذلك من غلاء، يدرك أن هناك تعميمًا من الرقيب العسكري على جميع الفضائيات والمواقع والصحف بدعم القرارات الحكومية باعتبارها تصب في مصلحة الشعب.
التعميم الثاني يتعلق بمنع نشر أي مواد أو أحداث من شأنها الكشف عن تزايد معدلات المشاجرات والاشتباكات بين المواطنين؛ جراء الاختلاف على أسعار تعريفة الركوب في كل المحافظات المصرية، ورغم مقتل سائق في المنصورة، أمس الأحد، إلا أن التناول الإعلامي كانت باهتًا وهامشيًّا؛ التزامًا بأوامر الرقيب العسكري.
التعميم الثالث هو الزعم بأن الحكومة تتحمل فوق طاقتها بشأن ملف الدعم، الذي يتفاقم ولا تستطيع الحكومة الاستمرار فيه على هذا النحو الذي يشوه الاقتصاد ويحول دون انطلاقته وتحرره من قيود الدعم المستمرة منذ عقود. وتتناسى الحكومة أن هذه الأموال هي أموال الشعب وليست من جيوبهم أو جيوب آبائهم، فالسيسي نفسه وجميع أركان الحكومة يعيشون حياة مرفهة من أموال الشعب ودافعي الضرائب، ومن حق الشعب أن ينعم بأموال الشعب وليست الطبقة الحاكمة المرفهة المنعزلة في كامبوندات مثل الجيتو اليهودي.
التعميم الرابع هو إبراز ما يطلقون عليها “إنجازات”؛ لإيهام الشعب أن النظام يحقق أشياء جيدة، وكان آخر هذه الإنجازات الوهمية ما نشرته صحيفة “الأخبار” في عدد اليوم الإثنين 18 يونيو، عن قيام شركة صينية بتنفيذ 20 ناطحة سحاب في العاصمة الإدارية!، وهو الخبر الذي يعكس حجم السفاهة في إدارة بلد فقير حاليا مثل مصر تعتمد حكومته على القروض من جهة، وفرض مزيد من الضرائب من جهة أخرى، فكيف تهدر هذه الأموال في بناء عاصمة جديدة وناطحات سحاب؟! إن الحكومة مثل الفقير الجاهل الذي يقترض ليزين بيته المتواضع بدلا من إقامة مشروع يدر عليه دخلا مناسبا يعينه على إعاشة أسرته وأولاده من جهة، ويمكنه من سداد ديونه من جهة ثانية.
التعميم الخامس، هو الزعم بأن المرحلة الصعبة انتهت، وهو ما خصصت له صحيفة الأهرام عمودها الخاص بها اليوم الإثنين، “رأي الأهرام”، وزعمت أن المراحل الصعبة من البرنامج الاقتصادي الذي وصفته زورا بالإصلاح قد ولت وانتهت، مبشرة الشعب بمستقبل مشرق يتسم بالرغد والرفاهية. وما تعززه تصريحات مسئولين بوزارة المالية بأن “85%” من برنامج الإصلاح الاقتصادي انتهت، متجاهلين أن هناك فرقا بين اتخاذ القرارات ومدى قدرة الشعب على تحمل تبعات هذه القرارات. كما أن الجنرال ظن سوءا أن الشعب يتحمل عن صبر واقتناع بل هو الإكراه والجبر بالحديد والنار، فمن احتج أو اعترض فالسجن والقتل مثواه.