تسود حالة من الغليان في الشارع المصري في أعقاب فرض رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي جباية جديدة باهظة على رسوم الكهرباء تقدر بحوالي 30%، رغم أن دعم الكهرباء بحسب بيان وزارة المالية بلغ "صفرا".
ومن المرتقب أن يصوت مجلس نواب العسكر نهائيا على مشروع قانون مقدم من الحكومة، بهدف زيادة رسوم خدمات جمع القمامة، بعد فصلها عن فواتير الكهرباء، إلى 30 جنيها شهريا عن الوحدات السكنية بدلاً من 4 جنيهات حاليا، وإلى 100 جنيه بدلا من 30 جنيها بالنسبة للوحدات التجارية المستقلة، والمستخدمة كمقرّات للمهن والأعمال الحرة، مع إعفاء دور العبادة من الرسوم.
مبلغ الأسى أن الزيادة الكبيرة التي فرضها السيسي على الكهرباء أمس هي من أعمال البيزنس وليس من أعمال الحكومات، ذلك أنه بالمنطق الاقتصادي السليم والبحت فإن تلك الأسعار يجب أن تتراجع في مصر لا أن ترتفع، خاصة مع تراجع أسعار الطاقة المستخدمة في إنتاج وتوليد الكهرباء بشدة بسبب تهاوي أسعار النفط، العنصر الأهم في التكلفة، سواء الغاز أو السولار والمازوت، ووجود فائض في إنتاج الكهرباء.
لم يجد وزير كهرباء الانقلاب، محمد شاكر، سوى إطلاق الأكاذيب للتغطية على هذه الجريمة المروعة في زمن انتشار العدوى؛ إذ تم تسريح ملايين الموظفين والعمال من أعمالهم وباتوا عاطلين عن العمل، وبدلا من أن تقوم الحكومة بدعمهم كما تفعل جميع الحكومات الرشيدة في العالم إذ بها تفرض مزيدا من رسوم الجباية.
وواكبت هذه الزيادات المتواصلة في أسعار السلع والخدمات قفزات في الدين المحلي والخارجي تشكّل عبئا على الأجيال الحالية والمستقبلية، وإصرارا على توجيه موارد البلاد المحدودة لتمويل مشروعات لا تشكل أولوية، سواء للاقتصاد أو المواطن.
مبلغ الخوف هنا أن تكون الزيادة الجديدة في أسعار الكهرباء مقدمة لزيادات أخرى في أسعار الخدمات الأساسية خاصة المياه والكهرباء والغاز، خاصة وأن حكومة الانقلاب تقدمت بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 5.2 مليار دولار ولمدة عام لتغذية احتياطي النقد الأجنبي وتغطية عجز الموازنة العامة.
وهذا القرض الجديد له تكلفة وشروط وإملاءات قد تكون أسوأ من شروط القرض السابق الذي حصلت عليه البلاد طوال السنوات الثلاث الماضية، وبلغت قيمته 12 مليار دولار، وواكبه إجراءات قاسية منها تعويم الجنيه المصري، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وخفض الدعم الحكومي، وزيادة الضرائب والأسعار بمعدلات قياسية.
دعم الكهرباء (صفر)
وأظهر تقرير نصف سنوي لوزارة المالية بحكومة الانقلاب، في وقت سابق، أن دعم الكهرباء بلغ "صفرا" في النصف الأول من السنة المالية 2019-2020، مقارنة مع 7.992 مليارات جنيه قبل عام، وهو ما يتعارض مع التصريحات الرسمية لوزير الكهرباء محمد شاكر، بشأن توجيه رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بمد خطة إلغاء دعم الكهرباء لمدة 3 سنوات إضافية، تنتهي بحلول العام المالي 2024-2025.
ويدعي وزير الكهرباء أن الحكومة تدعم الكهرباء بــ87 مليار مليار جنيه حتى 2025م. وأن الوزارة تتجه إلى مضاعفة أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي، بالنسبة للشرائح الأقل استهلاكا خلال الأعوام المالية الخمسة المقبلة، تحت زعم إلغاء الدعم عن قطاع الكهرباء، لكن البيان التحليلي لمشروع الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2020-2021 يكشف تحرير أسعار بيع الكهرباء للمواطنين نهائيا، إثر خفضه من 4 مليارات جنيه إلى (صفر).
وتستهدف وزارة الكهرباء زيادة سعر الكيلووات للشريحة الأولى من الاستهلاك المنزلي من 30 قرشا إلى 71 قرشا (الجنيه يحوي 100 قرش) خلال 5 أعوام بنسبة زيادة 137%، والشريحة الثانية من 40 قرشا إلى 71 قرشاً بنسبة زيادة 77.5%، والشريحة الثالثة من 50 قرشا إلى 97 قرشا بنسبة زيادة 94%، مع العلم أن الشرائح الثلاث الأولى تمس قطاعا عريضا من المواطنين بوصفها الأكثر استهلاكا. كما تستهدف الوزارة زيادة سعر الشريحة الرابعة من 82 قرشا إلى 123 قرشا بنسبة زيادة 50%، والشريحة الخامسة من 100 قرش إلى 136 قرشا بنسبة زيادة 36%، مع الإبقاء على سعر الشريحة السادسة بواقع 140 قرشاً، والشريحة السابعة المحدد سعرها سلفا بـ145 قرشا، باعتبارهما لا تحظيان بأي دعم من الدولة، وفق التصريحات الرسمية.
حكومة احتلال
ويرى الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام أن حكومة السيسي احترفت التنغيص على الشعب، وللتدليل على ذلك:
أولا: عندما تهاوت أسعار البترول في الأسواق العالمية بنسبة 70% في الربع الأول من العام الجاري حسب الأرقام الرسمية، وتهاوت معها أسعار الوقود في كل دول العالم، رفضت الحكومة إجراء خفض في أسعار البنزين والسولار، مكتفية بخفض "رمزي" أثار ساعتها سخرية الجميع.
حدث ذلك رغم أن معظم دول العالم خفضت بشدة أسعار الوقود، خاصة مع تراجع الطلب على المشتقات البترولية من قبل المستهلكين أو الطائرات والشاحنات عقب توقف الحركة الاقتصادية والتجارية وغلق الحدود بسبب كورونا، وبلغت التخفيضات على البنزين في بعض دول المنطقة نحو 40% في شهور مارس وإبريل ومايو الماضي.
ثانيا: عندما أعلنت الحكومة عن اكتشاف أكبر حقل لإنتاج الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط هو حقل ظُهر، استبشر المصريون خيرا وتوقعوا الحصول على غاز مجاني، أو على الأقل بتكلفة بسيطة، خاصة مع إعلان الدولة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي ووقف الاستيراد، بل وتصديره إلى دول العالم.
لكن المصريين فوجئوا بتلقي ضربتين قاسيتين: الأولى تمثلت في إبرام صفقة لاستيراد الغاز من دولة الاحتلال لمدة 10 سنوات وبقيمة 15 مليار دولار تدفع من خزانة الدولة التي تعاني أصلاً من نقص مستمر في السيولة، والثانية هي زيادة سعر الغاز المنزلي المخصص للطهي، سواء للاستهلاك المنزلي أو التجاري.
