تحذيرات دولية وتعويم مُنتظر للجنيه.. لذلك يسحب المصريون أموالهم من البنوك

- ‎فيتقارير

في تطورات دراماتيكية، يعيش الاقتصاد المصري كابوسا غير مسبوق، إثر سياسات الانقلاب العسكري الغاشمة والتي لا تعتمد الشفافية أو قواعد الاقتصاد معيارا لها في تحركاتها وسياساتها البهلوانية، متباعدة عن قواعد العلم والاقتصاد، وكافرة بدراسات الجدوى لمشروعاتها، التي تفاقم الأزمة الاقتصادية فوق رؤوس المصريين، بينما رؤوس أموال العسكر تتزايد، وفي مأمن عن المحاسبة او المراقبة أو حتى إسناد لاقتصاد الدولة المنهار، فوق رؤوس المصريين.

 

تحذير دولي 

وقبل أيام صدر أكبر تحذير رسمي من مؤسسة دولية لمصر، إثر تزايد ديونها عن الحد الآمن، مع إقدام البنك الفيدرالي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة على الدولار، ثلاثة إلى أربع مرات خلال العام 2022، لسحب التضخم من الأسواق الأمريكية، ورغم ذلك لم يتوقف نظام السيسي عن الاقتراض بكافة الاشكال والمبالغ والوسائل، عبر قروض مباشر من كوريا الجنوبية واليابان والسندات الخضراء والقروض السيادية والاستدانة اليومية من البنوك المحلية، بل ورهن المشاريع والمطارات، لدرجة أن تستدين شركة مصر للطيران بضمان وزارة المالية لنحو 5 مليار دولار لسداد ديونها. 

كما ضمن وزير مالية السيسي شركة باصات السوبر جيت، شبه الخاصة بقرض يصل لنحو 800 مليون جنيه، لشراء نحو 120 باصا، في أكبر صفقة فساد، وكله من أموال المصريين لدى البنوك، وهو ما أثار قلق الملايين من المودعين، وهم يتابعون أزمة السيولة الطارئة التي أعلن عنها البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي، وهو ما ترجمه المواطن الذي يدخر الفتات من أجل أبنائه أو توفير أموال العلاج والدواء أو الزواج لأبنائه، ليسارعوا إلى البنوك المصرية ليسحبوا أموالهم ومدخراتهم من البنوك، قبل أن تتبخر، سواء بإفلاس البنوك ومنع دعمها من البنك المركزي الذي يسمح لبعض البنوك بالعمل في السوق المصرفي المصري بلا غطاء مالي، أو عبر التعويم المرتقب للجنيه المصري، الذي تدعمه الحكومة منذ العام 2016 أمام الدولار والعملات الأجنبية.

 

صندوق النقد 

حذر صندوق النقد الدولي،  مؤخرا من أن زيادة أسعار الفائدة الأمريكية، قد يكون لها آثار كبيرة على البلدان ذات المستويات المرتفعة من الديون، التي يهيمن عليها الدولار.

وشددت مديرة صندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفا"، على أهمية قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإبلاغ خطط سياسته بوضوح لمنع المفاجآت.

وجاء تحذيرات مديرة صندوق النقد الدولي خلال مشاركتها في منتدى "دافوس" الاقتصادي، المنعقد عبر الإنترنت بسبب جائحة "كورونا".

وحذرت "جورجيفا" من تداعيات رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة على التعافي الاقتصادي الضعيف في بعض البلدان، وقالت إن "رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة يمكن أن يلقي الماء البارد، على التعافي الاقتصادي الضعيف في بعض البلدان".

ودعت إلى أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بإبلاغ خطط سياسته بوضوح، وخاطبت الدول ذات المستوى المرتفع من ديون الدولار إلى اتخاذ إجراءات.

وأوضحت "جورجيفا"، أن رسالة صندوق النقد الدولي إلى البلدان ذات المستويات المرتفعة من الديون المقومة بالدولار "تصرف الآن، إذا كان بإمكانك تمديد آجال الاستحقاق، يرجى القيام بذلك".

ووفق مراقبين، فإن مصر تأتي في مقدمة الدول المعنية بهذا التحذير، خاصة أنها تخطت 137 مليار دولار، وفق تصريحات رئيس الحكومة الانقلابي "مصطفى مدبولي".

وأظهرت أرقام البنك المركزي المصري، أن الدين الخارجي للبلاد ارتفع بقيمة 14 مليارا و300 مليون دولار خلال العام المالي، الذي انقضى في يونيو الماضي.

وينقسم الدين الخارجي، إلى دين طويل الأجل بقيمة 124 مليارا و100 مليون دولار، ودين قصير الأجل بواقع 13 مليارا و700 مليون دولار.

ويشير خبراء إلى أن الأشهر الستة الأخيرة من العام، شهدت زيادات متسارعة في الدين الخارجي للبلاد؛ وهو ما سيتضح في بيان البنك المركزي بنهاية العام المالي الحالي الذي سينتهي في يونيو 2022.

ويتخوف المراقبون، في ظل هذه الزيادات في الدين الخارجي، أن تستمر الحكومة الانقلابية في الاستدانة بنفس الوتيرة لسداد الديون وأقساطها، ومحاولة تقليل الفجوة في الموازنة العامة وزيادة الإنفاق على المشروعات التي تكون جدواها الاقتصادية محل شك؛ وهو ما سيترتب عليه زيادة أعباء كبيرة على المواطنين في 2022، في ظل سياسات الحكومة في تحميل العبء الأكبر عليهم.

وقفزت الديون الخارجية منذ وصول السفيه السيسي إلى الحكم بالانقلاب العسكري، حيث لم تكن آنذاك تتجاوز 46 مليار دولار؛ وذلك نتيجة توسعه في الاقتراض من الخارج لتمويل مشروعات لا تزال موضع تشكيك من حيث جدواها الاقتصادية، على غرار تفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة.

 

تعويم مرتقب للجنيه

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدت أغلب البنوك المصرية حالة من التكدس الشديد، خاصة  مع نهاية الأسبوع الماضي، وبداية الأسبوع الحالي، لا سيما فروع البنك الأهلي المصري  وبنوك مصر، والقاهرة، والتجاري الدولي، وقطر الوطني، والعربي الأفريقي الدولي، وHSBC، بوصفها البنوك الأكبر في السوق المصرية من حيث حجم التعاملات، على ضوء ما يتردد من أنباء حول اتجاه مرتقب للبنك المركزي بتعويم جديد للجنيه أمام العملات الأجنبية.

ووقعت ملاسنات كلامية بين العملاء والعاملين في الفرع الرئيسي للبنك التجاري الدولي، الكائن في شارع شريف بوسط القاهرة، يوم الأحد، بسبب مواجهة العملاء صعوبة في سحب أموالهم من ماكينات الصراف الآلي، واستلام التحويلات البنكية، منذ 13 يناير الجاري، بحجة توقف الخدمات البنكية الإلكترونية نتيجة عملية تحديث أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالبنك.

وتقدم البنك باعتذار لعملائه المتضررين عن طريق الرسائل النصية، وكذلك عبر شاشات ماكينات الصراف الآلي المتعطلة تماما منذ 10 أيام تقريبا، في وقت ادعى فيه البنك الانتهاء من التحديث التقني لنظامه الأساسي، وإتاحة جميع خدماته الإلكترونية بشكل كامل؛ غير أن بعض العملاء ما زالوا يعانون من عدم قدرتهم على تنفيذ وإجراء العمليات المصرفية بسبب تحديث النظام البنكي.

فيما اصطف عملاء البنك الأهلي المصري أمام أبواب فروعه المنتشرة في القاهرة في مشهد لافت؛ رغبة منهم في تحويل أموالهم الجارية لدى البنك إلى ودائع بفائدة 11% سنويا، أو سحبها تدريجيا من حساباتهم المصرفية، واستبدالها بالدولار أو الذهب في وقت لاحق للحفاظ على قيمتها؛ خصوصا مع نشر العديد من المواقع الإخبارية المحسوبة على النظام أخبارا وتقارير من شأنها التمهيد لقرار خفض الجنيه.

وعلى إثر رصد حالة الزحام المستمرة في البنوك منذ الأسبوع الماضي؛ تلقت المواقع الإخبارية  تعليمات من "أجهزة سيادية" بوقف نشر أي أخبار تتعلق بمسألة "تعويم الجنيه"، وطمأنة المودعين، في المقابل، بنشر تقارير تروج إلى استقرار الوضع المصرفي في مصر، والتقليل من شأن تداعيات مواجهة القطاع المصرفي نقصا في السيولة الدولارية، حسب  مسؤول عن أحد هذه المواقع مع  ضحف عربية.

وأقر البنك المركزي حدودا قصوى للسحب اليومي من حسابات الأفراد في مصر، بقيمة 50 ألف جنيه من داخل الفروع، و20 ألف جنيه  من ماكينات الصراف الآلي، أي بإجمالي 70 ألف جنيه في اليوم كحد أقصى.

وتتخوف الحكومة من تزايد وتيرة سحب المودعين لأموالهم، خصوصا مع التراجعات الأخيرة التي شهدتها عملات الأسواق الناشئة، وتحذيرات بنوك استثمار عالمية من تعرض الجنيه لضغوط ومخاطر تتعلق بتقلبات في التدفقات الأجنبية في الأشهر المقبلة؛ علاوة على انعكاس أي أزمات اقتصادية عالمية بالسلب على الاقتصاد المصري، والذي يعاني في الأصل من تراجع كبير في حجم استثمارات الأجانب في أدوات الدين مؤخرا.

وكان البنك المركزي المصري، قد قرر منح البنوك العاملة في السوق المحلية سيولة طارئة بسعر فائدة لا يقل عن 5%، حال عدم قدرتها على توفير السيولة من سوق الإنتربنك (شبكة داخلية تربط بين الأنظمة البنكية).

 

أزمة دولارية

وشدد البنك على أن عمليات منح السيولة الطارئة لا تحول دون حقه في اتخاذ الإجراءات الأخرى المُسندة إليه قانونا، مع التزام البنك الحاصل على السيولة الطارئة بموافاته بتقرير شهري موضح به عدة معايير؛ بينها الملاءة المالية مع تضمين كافة الأصول التي يمكن للبنك المركزي استخدامها كضمانات، وكافة التطورات والإجراءات المُتخذة من قبل البنك لإعادة موقف السيولة لديه لوضع مستقر.

ويواجه السوق أزمة دولارية شبيهة بالتي حدثت قبل تعويم الجنيه أواخر عام 2016، ارتباطا باحتلال مصر المركز الثاني، بعد الأرجنتين، بين أعلى الدول اقتراضا من صندوق النقد الدولي، والتحذيرات التي أطلقها الأخير في كتابه الدوري، بشأن مواجهة الاقتصادات الناشئة فترات من الاضطراب مع رفع البنك المركزي الأميركي معدلات الفائدة الأساسية، وتباطؤ النمو العالمي بسبب متحور "أوميكرون" الجديد من فيروس كورونا.

ودعمت الحكومة  الجنيه في مواجهة الدولار خلال السنوات الخمس الماضية، من خلال الإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة لجذب المزيد من المستثمرين الأجانب في أذون الخزانة المحلية، فضلا عن التوسع في أسواق السندات الدولية باللجوء إلى أنواع جديدة في الآونة الأخيرة، ومنها السندات الخضراء، والصكوك السيادية.

ووافق مجلس الوزراء بسلطة الانقلاب ، قبل أيام قليلة، على بدء وزارة المالية في إجراءات إصدار صكوك سيادية في الأسواق الدولية، بحيث يعتمد إصدارها على حق الانتفاع للأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول أو تأجيرها، أو بأي طريق آخر يتفق مع عقد الإصدار، وضمان حصة مالك الصك، وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.

ومع استمرار الأزمة من المتوقع  أن تشهد مصر اضطرابات اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة، من ارتفاع بأسعار السلع والخدمات وتراجع الإنتاج وارتفاع أسعار الدواء والغذاء وندرة السلع الصناعية بالسوق المصري، وكافة المنتجات التي يجري استيرادها من الخارج، في ظل عجز اقتصادي عسكري كبير، يضيع أموال المصريين في الفساد والمشاريع الفنكوشية ، كالعاصمة الإدارية ومشاريع الطرق والكباري والعلمين الجديدة وتفريعة قناة السويس وغيرها من المشاريع البالعة لأموال المصريين بلا عائد اقتصادي فعلي.