بركة الطاعة وذل المعصية

- ‎فيمقالات

 

البركة تعنى الزيادة والنماء، والخير والوفرة. فى ظلها القليلُ كثيرٌ، والضيِّقُ رحبٌ، والنَفسُ مطمئنةٌ، وهى تُنالُ بالتقوى والعمل الصالح؛ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]، فإذا انتُزعت –عياذًا بالله- يكون الحرمان، وتكون القلةُ على كثرة،  والفقر رغم مظاهر الغنى، ويكون تململ القلب وافتقاد الأمن، وهى نتيجة للمعاصى والذنوب، وكفران النعم، ويأتى الظلم على رأس هذه الذنوب؛ (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 130]. 

ويظل المسلم عزيزًا كريمًا ما لم يخالف أمر الله -عزَّ وجلَّ- وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خالفهما أوقع نفسه فى دائرة سخط الخالق، وحلَّت عليه الذلة، وبات ظالمًا لنفسه، متسببًا فى زوال النعم، وحلول النقم، وتحوُّل العافية.
 
إن أهل الطاعة فى نعيم وعز وراحة بال، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يقلقون إذا قلقوا، ولا يحزنون إذا حزنوا.. إنهم أهل الله، وأولياؤه وحزبه؛ (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ  لَهُمْ الْبُشْرَى فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( [يونس: 64].    
 
أما أهل المعصية، فهم فى ذلة وصغار، يعانون خبث ما هم فيه من فحش وخطيئة، رغم ما يملكون -أحيانًا- من مال وسلطان وعشيرة، فالعبرة بما فى القلوب.. وشتان بين من يكون ركنه الله؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2، 3]، فهو فى معية مولاه، محاط برحمته وبركته.. وبين من يجعل الله خصمًا له، فهو فى حرب لا هوادة فيها؛ (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [آل عمران: 112].
 
عن جبير بن نفير قال: «لما فُتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكى، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك فى يومٍ أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟! قال: ويحك! ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره بينما هم أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى».
 
يشكو المسلمون الآن من تسلُّط الأعداء، وجور الحكام، وانتشار الأوبئة والأوجاع، ويعانون الغلاء والبلاء، والرشى والفساد، وسوء الأوضاع.. وما دروا أن هذه هى سنة الله فى الأمم الشاردة، ولو عادوا لكتاب ربهم لعلموا أن ذلك قانون إلهى غلّاب لا يتغير ولا يتبدل بتغير الأزمنة أو الأمكنة؛ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].
  
يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «أما بعد يا معشر قريش، فإنكم أهلٌ لهذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب- والقضيب فى يده، ثم لحى قضيبه فإذا هو أبيض يصلد». 
  
إن القوم إذا عصوا ربهم وبالغوا فى مخالفته، منعهم رحمته، وحجز عنهم بركات السماء، وألبسهم لباس الخوف والجوع.. وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فقد ضرب الله لهم المثل فى جلِّ سور القرآن حلَّ عليهم مكر الله وغضبه، لفعلهم الخبائث والمنكرات، فجاءهم العذاب من كلِّ مكان، أشكالاً وألوانًا؛ (فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40]. 
 
بل إن لعنة المعصية عليهم تتخطاهم إلى أبنائهم وأبناء أبنائهم.. يقول وهب بن منبه: «إن الرب -عزَّ وجلَّ- قال فى بعض ما يقول لبنى إسرائيل: إنى إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت وليس لبركتى نهاية، وإذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتى تبلغ السابع من الولد».

اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حىُّ يا قيوم، برحمتك نستغيث، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الاخرة يا كريم.