كالعادة، وعلى عكس توصيات المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين الدوليين بتخارج الدولة المصرية من القطاع الخاص، استحوذ "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية" التابع للجيش على ما يصل إلى 24% في ثلاث شركات بالقطاع الخاص.
قال مدير عام غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات محمد حنفي: إن "جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، استحوذ أمس الاثنين على حصة تقدر بنحو 24% من مجموعة بشاي للصلب، وذلك عقب مفاوضات بدأت منذ عام 2018".
وبهذه الصفقة، عزز جهاز الخدمة الوطنية سيطرته على سوق الصلب بمصر، إذ سبق واستحوذ على مصنعي صلب للجارحي عام 2016، ومصنع حديد المصريين في 2021 بنسب تزيد عن 95% وذلك بدعوى تعثر المجموعة وتراكم المديونيات.
شملت الصفقات التي فاجأت القطاع الخاص والمستثمرين شركات "المصرية للحديد الإسفنجي والصلب"، و"المصرية الأمريكية لدرفلة الصلب"، و"المصانع الدولية لدرفلة الصلب" في سوق خارج المقصورة بالبورصة المصرية.
يشار إلى أن مجموعة "بشاي للصلب"، تأسست عام 1948، وهي أكبر شركة قطاع خاص منتجة للصلب بطاقة استيعابية تصل إلى ٤ ملايين طن سنويا، وذلك لتغطية احتياجات الأسواق المحلية والعالمية، وتوظف المجموعة أكثر من 3500 فرد، بحسب موقعها الإلكتروني، هؤلاء لموظفون باتوا على وشط الاستغناء عنهم، اذان الجيش يستعمل الجنود والمجندين بنظام السخرة في مصانعه وشركاته، بما يفاقم ازمات البطالة بالمجتمع..
فيما تأسس جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية عام 1979، ويمتلك 63 شركة في قطاعات أساسية إنتاجية في المجالات الهندسية، الصناعية، الزراعية، الإنتاج الحيواني والداجني والصناعات الغذائية.
يخالف هذا التوجه توصيات ومطالب صندوق النقد الدولي وتعهدات السلطات المصرية وفق وثيقة سياسة ملكية الدولة الجديدة التي صادق عليها السيسي ، والتي تنص على تخارج الدولة بالكامل من 79 قطاعا اقتصاديا إلى جانب 45 قطاعا آخر جزئيا في غضون ثلاث سنوات من أجل زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة من 30 إلى 65 %.
وحتى الآن لم تنفذ الحكومة المصرية أيا من تعهداتها التي أعلنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بأن القوات المسلحة المصرية وافقت على زيادة عدد الشركات التابعة لها والمقرر طرحها بالبورصة أو للبيع إلى مستثمرين استراتيجيين، إلى 10 شركات بجانب الطرح السابق لشركتين تابعتين للمؤسسة العسكرية، وهما "وطنية" و"صافي".
وفي ديسمبر 2020، أعلن الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، اختيار 3 شركات تابعة لوزارة الدفاع لإدراجها بالبورصة خلال الربع الأول من عام 2021، مشيرا لخطة بيع 100 % من أسهم 10 شركات يمتلكها الجيش، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية الستعرة بمصر، وتعطل قرض صندوق النقد الدولي، بسبب توحش الجيش في الاقتصاد المصري، إلا أن استمرار الجيش في التوسع الاقتصادي يعبر عن خلافات داخل النظام، وسيطرة الكلمة العليا للعسكريين على الحكومة وغيرها من مؤسسات الدولة.
وتبقى الأزمة الأكبر للاقتصاد المصري، كامنة في الإعفاءات والامتيازات الممنوحة للجيش وشركاته، إذ لا يدفع الجيش وشركاته أية رسوم أو ضرائب أو جمارك للخزانة العامة للدولة، وهو ما يمثل خصما من موارد الدولة المالية، يجري تعويضه عبر رفع أسعار الخدمات الحكومية وزيادة الرسوم والضرائب على المواطنين والأنشطة الاقتصادية المدنية، وهو ما يسبب رفع الأسعار بصورة جنونية ، علاوة على تزايد أعداد العاطلين عن العمل وأعداد البطالة، التي يحل محلها جنود السخرة، وهو ما يدمر دورة العمل والإنتاج والإنفاق في مصر.
وكان الباحث في مركز "مالكولم إتش كير" (كارنيجي) للشرق الأوسط، يزيد صايغ، قد قال في إحدى أوراقه البحثية: إن "الجيش المصري سيقاوم بيع الأصول التي تدر الأرباح"، مضيفا أن الشركات التي قد يتخلى عنها لن تكون جذابة للمستثمرين الأجانب إلا في حال ضمان استمرار الامتيازات التي تحظى بها شركات الجيش.
ووفق تقديرات استراتيجية، فإن المؤسسة العسكرية في مصر لن تتراجع قيد أنملة عن امتيازاتها الاقتصادية التي توسعت بشكل كبير بعد 2013، الجيش تحول من وضعية لاعب كبير في الملف الاقتصادي إلى وضعية الفاعل المهمين والمسيطر على الحياة الاقتصادية ككل.
فيما السيسي يعلم أن إرضاء الجيش هو العامل الأساسي لبقائه في الحكم، وهو حريص على توسيع امتيازات الجيش لكسب ولائه أكبر فترة ممكنة، وذلك مقابل عدم المس بعرق الجيش.
وهو ما يؤكد أن مصر عبارة عن "جيش له دولة وليس دولة لها جيش" وهو ما يؤكد وصف السيسي لمصر بأنها " شبه دولة".
ووفق تقارير دولية، فإن المؤسسة العسكرية منذ كامب ديفيد 1979 اختلف دورها 180 درجة، حيث تغيرت عقيدتها القتالية، والمهام العسكرية أصبحت مقصورة على حماية النظام، والصفقات العسكرية أصبحت من أجل الحصول على سمسرة، وحماية البلاد لم تعد من أولوياته.
فيما يعاني ضابط الجيش من بطالة مقنعة، وجاهزية الجيش خلال العقد الأخير لم تكن واضحة رغم اختراق الأمن القومي المصري في سد النهضة وفي غاز شرق المتوسط وفي جزيرتي تيران وصنافير، وفي الحدود البحرية مع اليونان وقبرص.