تتواصل أزمة الديون الخارجية في زمن الانقلاب العسكري؛ ما يهدد بإفلاس البلاد خاصة مع تصاعد هذه الديون وتجاوزها الـ 170 مليار دولار والتوقعات بوصولها إلى 200 مليار دولار بنهاية العام المالي الحالي 2023 / 2024 بينما ارتفعت إصدارات الدين المحلي خلال الربع الأول من هذا العام المالي إلى 1.22 تريليون جنيه.
في المقابل أقدر أعباء وأقساط الديون التي أصبح السيسي عاجزا عن توفيرها بنحو 30 مليار دولار خلال العام 2024 وهو ما اضطر نظام الانقلاب إلى مد أجل ودائع دول الخليج لدى البنك المركزي، خاصة الكويت والسعودية والإمارات، كما لجأ إلى توقيع اتفاق لمبادلة الديون مع الصين، والذي يعتبره الخبراء بمثابة احتلال اقتصادي غير مباشر للبلاد، خاصة مع وجود سوابق صينية مع بلدان مدينة لها في أفريقيا، حيث تحصل بكين في النهاية على أصول سيادية كالموانئ والمطارات لمدد طويلة وفاء لمستحقاتها.
وبسبب أزمة الديون تلقت أكبر 5 بنوك مصرية ضربة جديدة بعد خفض وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لها بدرجة واحدة وذلك بعد أيام من خفض تصنيف مصر من “B3” إلى “Caa1″، التي تعني: درجة تعكس المخاطر العالية في استثمار أدوات وسندات الديون المصرية.
واعتبرت وكالات التصنيف العالمية التي دأبت على خفض تصنيف مصر تارة ووضعها على قوائم المراجعة أو الشطب تارة أخرى، أن هذه القرارات تعكس تدهور قدرة البلاد على سداد ديونها، نتيجة شح العملة الأجنبية، والزيادة المستمرة في مدفوعات خدمة الديون الخارجية.
البنك المركزي
وخفضت وكالة “موديز” تصنيف الودائع طويلة الأجل لثلاثة بنوك حكومية، هي “البنك الأهلي المصري” و”بنك مصر” و”بنك القاهرة”، بجانب أكبر بنوك القطاع الخاص وهو “البنك التجاري الدولي” إلى “Caa1” من “B3″، فيما خفضت تصنيف بنك الإسكندرية من “B3” إلى “B2”.
هذا التخفيض بحسب “بلومبيرج”يعكس ضعف بيئة التشغيل، وحجم الحيازات الكبيرة لهذه البنوك من السندات الحكومية، أحد أهم أدوات الدين لتمويل عجز الموازنة.
كان البنك المركزي المصري قد كشف أن دولة العسكر عليها سداد 29.2 مليار دولار، أو ما يقرب من خمس إجمالي التزامات الديون الخارجية في عام 2024 وحده.
وقال البنك في بيانات حديثة عن الوضع الخارجي للاقتصاد المصري: إن “هذه المدفوعات بنحو 10 مليارات دولار عن فاتورة خدمة الديون المتوقعة لهذا العام، والتي تقدر حاليا عند 19.3 مليار دولار”.
وتوقع التزام دولة العسكر بسداد 6.3 مليارات دولار من مدفوعات خدمة الدين العام المقبل، بزيادة 841 مليون دولار عن تقديراته السابقة في يونيو الماضي .
وتقدر مدفوعات الديون المصرية بين عامي 2024 و2027 بنحو 83.7 مليار دولار، ويتجاوز هذا الرقم التقديرات الصادرة في يونيو بنحو 6.4 مليارات دولار.
صندوق النقد
من جانبه قال الخبير الاقتصادي هاني جنينة: إن “دولة العسكر تعول على سداد أعباء وأقساط الديون بديون جديدة، موضحا أنها تتوقع أن تتلقى تدفقات ديون بقيمة إجمالية تتراوح بين 6 و7 مليارات دولار، وعائدات من مبيعات محتملة لسندات الباندا والساموراي بقيمة مليار دولار، والشريحتين الثانية والثالثة من قرض صندوق النقد الدولي، إلى جانب 1.2 مليار دولار في إطار برنامج الصمود والاستدامة التابع لصندوق النقد، وما يزيد عن 5 مليارات دولار من برنامج بيع الأصول”.
وأضاف جنينة في تصريحات صحفية أن الصندوق ربما يضاعف قيمة برنامج القرض المقدم لدولة العسكر البالغة قيمته 3 مليارات دولار إذ نفذت حكومة الانقلاب التزاماتها بشأن الاتفاق، بما يوفر موردا حيويا للعملات الأجنبية من شأنه تضييق فجوة التمويل الخارجي الكبيرة.
وتوقع أن يرفع صندوق النقد قيمة القرض المقدم لدولة العسكر إلى 6-8 مليارات دولار، من 3 مليارات دولار حاليا، في أعقاب ما يسميه بالإصلاحات المتوقعة في وقت مبكر من العام المقبل.
وتشمل هذه الإصلاحات، وفقا لجنينة رفع دعم الطاقة، وزيادة كبيرة في أسعار الفائدة بما قد يتجاوز 300 نقطة أساس، وقرارا بتعويم الجنيه.
وأشار إلى أن الرفع المحتمل يتماشى أيضا مع حقيقة أن لدينا ديونا بقيمة 5.1 مليارات دولار علينا أن نسددها لصندوق النقد الدولي العام المقبل، وهو ما يتجاوز قيمة القرض الحالي.
إفلاس مصر
حول برنامج مبادلة الديون مع الصين قال الخبير الاقتصادي الدكتور علاء السيد رئيس الأكاديمية المصرفية الدولية: إن “مبادلة الديون تعني ببساطة شديدة إعلان إفلاس مصر، وعدم قدرتها على سداد أقساط ديونها” .
وأكد السيد في تصريحات صحفية أن مصر وصلت لتلك النتيجة في ظل إدارة غير رشيدة ونظام اقتصاد جبائي غير مخطط، وغير إنتاجي وعشوائي وفاسد.
وأوضح أن ترجمة عبارة (مبادلة الديون المصرية للصين مقابل مشروعات تنموية)، هو تنازل مصر بالبيع عن أصول مصرية ممتازة من شركات وأراضي وعقارات لصالح الصين، بأبخس الأثمان عوضا عن سداد الأقساط المستحقة للديون التي حصلت عليها منها دولة العسكر .
وحذر السيد من خطورة الأمر على مصر واقتصادها وأمنها القومي، مؤكدا أن التقييم بأسعار بخسة يأتي بمنزلة غرامات تأخير السداد، والامتناع عن سداد الأقساط نقدا كسيولة للجهات الصينية الدائنة لمصر.
وتوقع أن تجد دولة العسكر نفسها مضطرة لقبول التنازل عن ملكية أغلى ما تمتلك من الموانئ والمناطق الصناعية والشركات الرابحة الاستراتيجية، والتفريط بممتلكات الشعب، والتفريط في الأمن القومي المصري، وذلك للتغطية على الفشل الإداري والاقتصادي والسياسي والاستراتيجي والتخطيطي.
وأضاف السيد، إن انتهاج هذا الطريق فيما يسمى تجميليا بمبادلة الديون السيادية المصرية لدول متناحرة اقتصاديا، هو بمنزلة تحويل القطر المصري لساحة تنافس بين أمريكا والغرب والصين وروسيا ودول الخليج، موضحا أن التناحر وربما الاقتتال على أرض مصر هو لفرض الهيمنة على ممر قناة السويس، وعلى موانئ مصر وأراضيها وقطاعاتها الاقتصادية الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي المصري، وبالمصالح الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية والتجارية الدولية المتضاربة.
أجندات متضاربة
وشدد على أن ملف الديون الخارجية المصرية الثقيلة غير القابلة للسداد لا اليوم ولا بعد مائة عام، سيظل ملفا خطيرا للغاية للضغط على مصر كدولة وكحكومة وكشعب، وإخضاعها لتنفيذ أجندات متضاربة للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة ولروسيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ودول الخليج العربي.
وأكد السيد أنه لا طاقة لمصر حكومة وشعبا على تحمل التبعات الكارثية لخطة ما يسمى بمبادلة الديون التي ستتبخر نتيجة لها حرية مصر واستقلال قرارها، وستتفاقم كنتيجة حتمية لها الضغوط على الطبقة الفقيرة والمتوسطة وستدمر القطاع الخاص تماما.
وأشار إلى أن مؤسسة الجيش ستجد نفسها غارقة في محيط لا قعر له من المصالح الدولية المتضاربة والمتشاكسة والمتناحرة على أرض مصر، مطالبا الشعب المصري بعلمائه ومؤسساته وأحزابه والمخلصين من أبنائه بوضع حد لهذا التوجه بالغ الخطورة وشديد الكارثية، الذي ربما لا يدرك صانعو القرار تبعاته لانعدام أهليتهم، أو عن جهل أو تحت ضغوط لم يعد ممكنا مقاومتها بعد الوصول بالاقتصاد المصري إلى هذا المستوى المتدني، وفي ظل اقتصاد عالمي متلاطم الأمواج منعدم اليقين حول مآلات العشرية المقبلة.
مخاطر مشتركة
وأكد شريف عثمان رئيس شركة الاستشارات الاستثمارية “بويز إنفستمنت” ومقرها واشنطن أن خفض تصنيف البنوك كان متوقعا وليس مفاجئا، مشيرا إلى أنه كان من المعروف أنه سوف يحدث تخفيض جديد للبنوك المحلية؛ لأنها تملك نسبة لا تقل عن 40% إلى 50% من أصولها مستثمرة لدى حكومة الانقلاب سواء في صورة أذون أو سندات خزانة أو في حسابات لدى البنك المركزي”.
وقال عثمان في تصريحات صحفية : “بالتالي عندما تنكشف مؤسسة على مؤسسة أخرى تم خفض تصنيفها ينخفض تصنيفها هي الأخرى، بالإضافة إلى أن هذه البنوك تعاني من نفس مشكلة البنك المركزي وهي نقص العملة الأجنبية، ومن هنا توجد نقطة مشتركة من المخاطر لأن البنوك جزء من أصولها بالعملة الأجنبية، إذ يبلغ إجمالي عجز صافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي نحو 25.9 مليار دولار بحسب تقرير البنك المركزي، والأصول الأجنبية هي ما تمتلكه من ودائع ومدخرات بالعملة الأجنبية”.
وحول تأثير ذلك على قدرة مصر على سداد الديون، أشار إلى أن كل الحلول التي اتخذتها حكومة الانقلاب هي تأجيل وترحيل المشكلة مثل مد سداد الودائع وبيع الأصول التي كانت تدر دخلا، وبالتالي تقليل الإيرادات بالعملة المحلية والأجنبية خلال الفترات الحالية والمقبلة، وكلها حلول آنية، وتزيد من عمق المشكلة في المستقبل .
وأضاف عثمان أن الأمر يعكس تراجعا كبيرا في القدرة على سداد ديوننا والتزاماتنا بالعملة الأجنبية، ويضاف إلى ذلك التأثير السلبي للعدوان الصهيوني على غزة مع إلغاء نسبة من الحجوزات السياحية في مصر وتضرر هذا القطاع الاستراتيجي.